الثلاثاء: 20. 09. 2005


الصفقة التي توصل إليها 14 سيناتور في مجلس الشيوخ الأميركي لتفادي «الخيار النووي» في المعركة الحزبية الشرسة حول إقرار ترشيحات بوش للمناصب القضائية لاقت أصداء إيجابية واستقبلت بمديح واسع كما لو أنها جلبت السلام في زماننا هذا.

ويتم الآن الاحتفاء بالسيناتور جون مكين باعتباره الزعيم الجديد لمجلس الشيوخ. وجو ليبرمان يقول: إن إبرام مثل هذه الصفقات هو السبب الذي دفعه للمجيء إلى مجلس الشيوخ. وافتتاحيات الصحف راحت تمجد انتصار الوسط وتصور الأمر على أنه خسارة لـ «المتشددين» وخاصة اليمين الأصولي.

لكن بعيداً عن هذه الضجة، فلنمعن النظر أكثر في هذه الصفقة، لقد صانت الصفقة حق الأقلية الديمقراطية في استخدام الأساليب الإجرائية التعويضية للمناورة في وجه الأغلبية الجمهورية، لكن الأساليب التعويقية ما هي إلا أداة في أيدي الضعفاء، وليست أداة للتقدم، وصون حق استخدام الأساليب التعويضية لا يعني سوى ان الأقلية ستعيش لتكافح مرة أخرى، وهذا أمر حسن لكنه ليس بالانجاز الكبير.

مقابل هذا، وافق الديمقراطيون على ترك الأمور تسير بسلاسة ومن دون أساليب تعويضية عند التصويت على تعيين أسوأ ثلاثة أشخاص من مرشحي بوش للمناصب القضائية ـ وهم بريسيلا أوين، جاينس روجرز براون ووليام بريور.

ووافق الديمقراطيون أيضاً على عدم استخدام أساليب العرقلة إلا في الظروف «الاستثنائية»، وبالمقابل وافق الجمهوريون على عدم التصويت لصالح الخيار النووي ما لم يستخدم الديمقراطيون الأساليب التعويضية لتعطيل تعيين أحد مرشحي بوش للمناصب القضائية.

وإذا فعل الديمقراطيون ذلك، فسيكون للجمهوريين كامل الحرية في اللجوء للخيار النووي. وتضمنت الصفقة أيضاً مفردات تحث بوش على التشاور مع أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين والجمهوريين، قبل تقديم قائمة مرشحيه.

وهذا أشبه بالطلب من بوش الذهاب إلى الأمم المتحدة قبل غزو العراق. ولذلك فإن هذا أمر غير محتمل الحدوث، وإذا حدث بالفعل، فسيكون شكلياً، ولن يكون له أي تأثير.

والغاية الحقيقية من استخدام الأساليب التعويضية ليست لإثبات جدوى هذه الأساليب وإنما لإيقاف تثبيت تعيين قضاة رجعيين متميزين سياسياً. ولقد تم إلى الآن تعيين 208 مرشحين من أصل الـ 218 شخصاً الذين رشحهم بوش. وتمت الموافقة فوراً على جميع المرشحين المحافظين المعتدلين في قائمته.

أما المرشحون الذين تصدى لهم الديمقراطيون فهم أشخاص متشددون بارزون سياسياً ومستعدون لاستخدام مناصبهم القضائية في المحاكم الفيدرالية لفرض تصوراتهم الاجتماعية والاقتصادية اليمينية.

هؤلاء قضاة يريدون حظر برامج مراعاة حقوق الأقليات وحظر الإجهاض والانقلاب على حقوق العمال والحد من قدرة الكونغرس على فرض ضوابط على سلوك الشركات الكبرى.

وهم يريدون فعل هذا، ليس بوصفهم مشرعين منتخبين من جانب الشعب لاتخاذ مثل هذه القرارات، وإنما بوصفهم أشخاصاً معينين في النظام القضائي الفيدرالي، حيث يفترض منهم أن يطبقوا القوانين لا أن يصنعوا القوانين بأنفسهم.

ومن خلال تعيين مثل هؤلاء الأشخاص في المحاكم، يحاول اليمين الأميركي فرض أجندته الخاصة في صلب القوانين والدستور، وفي الجمعية الفيدرالية اليمينية التي تدعم خيارات الرئيس بوش، هناك من ينادي بالرجوع إلى الوراء في الزمن إلى الأيام التي كان يستطيع فيها القضاة المحافظون فرض مذاهبهم كما لو أنها جزء من نص الدستور.

والآن فإن هذه الصفقة التي توصف ب«المعتدلة» تسمح بإقرار تعيين ثلاثة مرشحين رجعيين حقاً في مناصب قضائية مدى الحياة في محاكم الاستئناف الفيدرالية، لكن لماذا إبرام مثل هذه الصفقة؟

لو كان فريست يملك الأصوات التي تمكنه من الضغط على الزناد النووي، لكان بوسعه إقرار تعيين القضاة بدون مساومة، وإذا لم يكن يملك تلك الأصوات، لكان بالإمكان وقف تعيينهم. لقد صانت هذه الصفقة حق الأقلية في استخدام أساليب العرقلة في الظروف الاستثنائية، لكنها صانت أيضاً حرية الجمهوريين في اللجوء إلى الخيار النووي.

وهذا يعني انه إذا أرغم الديمقراطيون على استخدام أساليب العرقلة لتعطيل تعيين مرشح بغيض إلى أقصى حد، فعندها سيكون بوسع الجمهوريين الادعاء بأن الديمقراطيين نكثوا بالاتفاق، وسيكون بمقدور فريست الضغط على الزناد النووي إذ ضمن الأصوات التي يحتاجها.

الرهان كبير هنا، فالأمر لا يتعلق بالتوصل إلى صفقات تسوية لتهدئة الاختلافات أو بالحفاظ على تقاليد مجلس الشيوخ، بل ان القضية برمتها هي ما إذا كان سيتم السماح للرئيس بملء المحاكم بقضاة يمنيين مسيسين معينين مدى الحياة، وما فعله «المعتدلون» الفرحون بنشوة النصر الآن هو عدم الممانعة في تعيين ثلاثة من أكثر هؤلاء القضاة تشدداً، انها حقاً فكرة سيئة.