الأحد:08. 01. 2006


د. حسن مدن

إذا كنا بصدد الاعتناء بأنفسنا على نحو حقيقي، يجب أن نفهم أنفسنا جيداً بما يكفي لمعرفة أي أنواع التحديات من شأنها أن تضع أفضل ما لدينا في مقدمة الأحداث، ومن ثم معرفة ما يحيي وينعش ويعزز حياتنا، ولكن عندما نكون مشدودين للأسفل بمشاعر تحول بيننا وبين التآلف مع آمالنا الحقيقية، ومن ثم تمنعنا من الانطلاق في مجرى للحياة يسمح لنا بإدراك هذه الآمال، فنحن إذن ما زلنا في قفص حديدي.

هذه فكرة، أو فلنقل نصيحة، يقدمها لنا ميشيل فوكو، وهو يتحدث عن الضغوط الداخلية التي تعيق الواحد منا عن بلوغ آماله وأمنياته. في الغالب فإننا نلقي باللوم على الظروف والضغوط الخارجية التي تحول بين المرء وبين تحققه الشخصي، وبالطبع لا يجوز الاستخفاف بهذا العامل الخارجي، لأنه يشكل في حالات عديدة حاجزاً أو مانعاً دون الرغبات والآمال الذاتية أو الشخصية، لكن يحدث كثيراً أن الأشخاص الذين يفهمون طبيعة الطموحات والتطلعات التي تنشأ عن القدرات الذهنية قد لا يكونون قادرين على تتبع هذه الطموحات، والمأساة في هذه الواقعة تتمثل في افتقار الناس للقدرة على تحقيق ما يدركونه بصفته الأفضل بالنسبة لهم، والسبب الرئيسي في ذلك يرجع لاخفاق الإرادة.

تذهب دراسات تحلل عوائق اندماج الأفراد في النشاط الاجتماعي العام، كالانضمام إلى هيئات وأندية ومؤسسات وسواها إلى معالجة الجانب الذاتي في الأمر المتصل برغبات وطموحات الأشخاص والقيم أو المثل التي تستحوذ على أذهانهم. ولكن بعض هذه الدراسات تنبه إلى أننا نعيش في عصر الوساوس، وأن الكثير من الناس يقعون تحت سيطرة انفعالات يعرفون أنها تمنعهم من القيام بما يعطي حياتهم أكبر قدر من الدلالة والطاقة، وقد يندهش بعضنا أن معالجات من هذا القبيل قالها باحث أجنبي هو ستيفن ديلو في دراسة معمقة له حول السياسة والمجتمع المدني، حين يقول: إننا نرى حولنا في كل مكان أشخاصاً موسوسين تستحوذ عليهم مشاعر مختلفة، فهذا شخص يسوقه طموحه الأعمى، وذاك يدفق شعوراً دائماً بالغضب، وهذا يحركه عطش دائم لا يروى لنوع أو آخر من السلع. وهنا لا بد أن نوضح أن الطموح وحتى الغضب ليسا دائماً بشيء سيىء بالنسبة للناس، لكنهما يصبحان كذلك عندما تمنع الطموحات التي توجه الناس نحو هذه الأهداف من تطوير قدراتهم ومهاراتهم.

وهذا البعد الشخصي للحياة الحرة يشير الى أن كلاً منا مسؤول بشكل كبير عما كنا عليه، وعما أصبحنا عليه كأشخاص. ليست القضية الى أي مدى يمكننا أن نصلح ونمحو ضغوط الحياة البيروقراطية، فإذا ما انهزمت إرادتنا بفعل قوى المشاعر الجامحة لن تتسنى لنا مطلقاً القدرة على توجيه حياتنا بطرق منتجة لتحقيق الطموحات التي نذرنا أنفسنا من أجلها. المهم أن ننتصر على أنفسنا أولاً.