علي حماده

لم يأت الرئيس السوري بجديد حقيقي في المقابلة الاخيرة التي اجرتها معه صحيفة quot;الاسبوعquot; المصرية المتخصصة بانظمة البعث. وكانت quot;الاسبوعquot; انفردت عام 2003 بمقابلة مع الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين قبل بضعة اسابيع على سقوط نظامه!

فالرئيس الاسد دائم التركيز على ما يسميه quot; المشروعquot; وليس على الاشخاص، لذلك نراه يتجاوز كلام نائبه السابق عبد الحليم خدام معتبرا اياه quot;مجرد اداةquot;. وبحسب رأي الاسد فإن quot;المشروع معروف ولم يتغيّر وهو مستمر(...) والهدف خلق انقسام بين الدولة والشعب وانقسام داخل المجتمع نفسهquot;. ويحدد اكثر بالقول quot;ان هدف المشروع هو تفتيت الداخل السوريquot;.

وفي معرض ربطه بين نائبه السابق وما يطلق عليه تسمية quot;المخططquot;، يقول الأسد ان quot;الكثير من الطروحات التي كان يطرحها خدام داخل الاجتماعات او خارجها كانت تخدم هذا المخططquot;، من دون ان يوضح ما اذا كانت الطروحات تتناول عدم التمديد لاميل لحود، وخوض حروب مع غالبية اللبنانيين على خلفية بناء منظومة امنية صافية.

ولا يكشف الاسد حقيقة عما اذا كان quot;المخططquot; الذي يهدف الى تفتيت الداخل السوري قد نما كالفطر في ظل مسلسل الاخطاء الكبرى التي تراكمت على مدى سنوات خمس منذ صيف العام 2000. فهل القرار 1559 جاء من فراغ؟ ام ان الابواب شرعت من خلال التمديد لنفاذه الى قلب لبنان وبالتالي سوريا نفسها؟

وكأن انتحار وزير الداخلية السابق اللواء غازي كنعان المثير للشكوك لم يكف النظام، ليكشف الرئيس السوري بشكل غير مباشر عن علاقة بين كنعان وquot;الخائنquot; عبد الحليم خدام. فهل هذا يعني ان كنعان ذهب ضحية ضربة استباقية؟

اما عن الوضع اللبناني وتقويمه له فلا يعدّل الرئيس السوري من قراءته quot;الابوكاليبتيكيةquot; للتركيبة اللبنانية بل يذهب الى ابعد بقوله ان لا مستقبل للبنان من خارج quot;الثوابت المعروفة: التوحّد حول دور المقاومة، حول دور اسرائيل في المنطقة، وحول العلاقة مع سوريا والعمق العربيquot;. ولعله يغيب عن الرئيس السوري ان الثوابت اللبنانية لا يضعها رئيس دولة اخرى، بل الشعب اللبناني. فمن دعم المقاومة المشروط بحدود مزارع شبعا، الى حال العداء مع اسرائيل المحكوم باتفاق الهدنة للعام 1949، فصيغة العلاقة المتوازنة مع ضمن حدود احترام الاستقلال اللبناني، وانتهاء بالعمق العربي الذي يتساوى فيه كل العرب بعلاقات مميزة مع لبنان بحيث لا تستفرد دمشق بلاد الارز كل هذه الثوابت توضع في اطار لبناني- لبناني لا يكون فيه النظام السوري شريكا فيه إلا في حدود المستويات التي تعنيه مباشرة.

واما واقعة تهديد الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي لا نعرف لماذا يستصعبون في النظام السوري وصف بالشهيد، فلا يضيف الاسد جديدا سوى انه يكرر ما قاله سابقا نافيا ما بات العالم اجمع يعرفه عن لسان الحريري نفسه قبل اغتياله، ولم تكن المرة الوحيدة التي تعرض فيها لكلام مهين او لضغوط كبيرة. فللتذكير ان الواقعة التي تحدث عنها عبد الحليم خدام، هي الاجتماع الذي عقده مع الاسد وعدد من الضباط. وحصل في نهاية شهر كانون الاول 2003، وقد عاد بعده الرئيس الحريري الى بيروت ليعلق استقباله الاعلاميين بشكل قاطع. ويومها أُجبر ايضا على بيع الاسهم التي كان يملكها في جريدة quot;النهارquot; في وقت قياسي لم يتجاوز الاسبوع باعتبار ان الرئيس الاسد ومعاونيه اخذوا عليه يومها تحالفه مع وسائل اعلام مناوئة لسوريا في لبنان!

وفي يقيني ان هذا الاجتماع اطلق شرارة انقلاب الرئيس الحريري نهائيا على السياسات السورية في لبنان بعدما تأكد له ان المعالجات السطحية لم تعد تكفي.

وأكاد أجزم بأن الرئيس الشهيد فقد مذذاك كل امل في امكان عقلنة سياسة قيادة النظام السوري الشابة. (وسنورد في مقال آخر تفاصيل هذه المرحلة كما عايشناها).

وبالعودة الى مقابلة الرئيس الاسد الذي يعتبر ان الاغتيالات من الحريري الى جبران تويني يمكن ان تكون نفذتها قوى لبنانية quot;مستفيدةquot;. ونتمنى عليه ان يسمي لنا القوى القادرة على حمل طن واكثر من المتفجرات الى قلب بيروت في ظل السيطرة الامنية والمخابراتية الكاملة للنظام السوري.

ويا ليته اوضح كيف رأى ان quot;القوى الوطنيةquot; (التابعة للنظام السوري) لم تكن في ورطة.

بالطبع لا ينسى الاسد لازمة استفادة اسرائيل من اغتيال الحريري والشهداء الآخرين، ولكنه هنا يتجنّب على نحو لافت التشديد على ان اسرائيل هي المستفيد فاتحا باب الشبهة على الداخل اللبناني!!!

لن ندخل في الجوانب الاخرى للمقابلة المتعلقة بالعراق والقضايا الاقليمية مكتفين بالجانب اللبناني، حيث اكد الاسد رفضه المثول امام اللجنة مستندا الى تمتعه بالحصانة الدولية. هنا يصح الاستنتاج ان الرئيس الاسد اختار المواجهة على التعاون الحقيقي مع لجنة التحقيق الدولية وفقا للقرار 1636 الامر الذي يفتح الباب على مضاعفات خطيرة. والمؤسف انه يفتح في الوقت عينه الباب على موجة اغتيالات جديدة في لبنان استنادا الى الفكرة المعمول بها منذ القرار 1559 ومفادها ان افضل وسيلة للدفاع عن النظام تكون في تصدير العنف الى لبنان.

لم تتغيّر الذهنية في دمشق. ولا يبدو انها ستتغيّر.

هذه هي الخلاصة الاولية التي يخرج بها قارئ مقابلة الرئيس بشار الاسد مع مجلة quot;الاسبوعquot; المصرية المتخصصة بهذا النوع من الانظمة!