لا اعتقد ان الكثير قد تبدل، رغم اكثر من 14 قرنا على الحج، كما قننه الاسلام، الأغلبية الساحقة متعبدة، تريد اداء الركن الخامس من اركان الاسلام، هنا يبدأ الحج وينتهي. لكن مناسبة كبيرة كهذه، يريدها البعض لاغراض لا علاقة لها بالتكبير والتهليل، هو امر نجح السياسيون في منعه، بعد معارك كبيرة خلال العقدين الماضيين. واقول لحسن الحظ ان الحج لم يكن في رعاية دولة أخرى، وإلا لامتلأت ساحات الحرمين والمشاعر المقدسة بصور الزعماء وشعاراتهم. اليوم تدخل منى وتخرج منها ولن تجد يافطة دعائية او صورة لملك او مطبوعات سياسية.
مع هذا، الحج اكبر معركة تنافسية في العالم، لأن زمنه محدد ومكانه أيضا محدود،
والراغبون في تأديته يعدون بمئات الملايين من انحاء العالم. آلاف من الحجاج النيجيريين قالوا انهم اشتروا تأشيرات وتذاكر في بلدهم، واكتشفوا لاحقا، انه لا حج ولا طائرات، فامضوا اياما في مطار لاجوس، وعادوا الى بيوتهم في حسرة. لكن مكة مكتظة بأكثر من مليوني انسان، بدرجة تضع الاجهزة المعنية برعاية الحج يدها على قلبها، قلقا حتى مغادرة آخر واحد الى بلده، خشية أي مكروه قد تسببه عثرة حاج او قنبلة ارهابي.
وبسبب النزاعات الماضية بين حكومات الدول، كل واحدة منها تريد خدمة مواطنيها، في حين كل عرفة مثلا، هو محيط الجبل نفسه، الذي ليوم واحد يصبح اكبر تجمع بشري على الأرض مقارنة بمساحته. باختصار المهمة شبه مستحيلة، رغم ان التعليمات تكتب بثماني لغات، في بحر من البشر جاءوا من انحاء العالم، وكثير منهم كبار في السن وفقراء واميون.
وعندما اتفقت حكومات الدول المسلمة على منح الف تأشيرة حج لكل مليون شخص، بالفعل حسمت المشكلة السياسية، لكن بقيت هناك المشكلة الديموغرافية، حيث يتزايد عدد السكان بما هو اسرع من قدرة الأرض على استيعاب طلاب الحج.
وهنا كل حكومة تريد ان تضع مسؤوليتها على كتف الدولة الراعية لشؤون الحج، اي السعودية، كما فعل العراق حديثا. فالحكومة العراقية تريد ارضاء مواطنيها، بما يخالف عمليا الحصة المعتمدة لسكان العراق في الاتفاق، أي 25 ألف تأشيرة حج لخمسة وعشرين مليون نسمة، وعندما عجزت عن زيادتها وضعت اللوم على الدولة المضيفة.
وقد مررنا بمعارك سياسية سابقة، بعضها كان داميا جدا، وهي التي انجبت الاتفاق المهم في مؤتمر القمة الاسلامي، الذي تبنى مبدأ الحصص وترك للدول المعنية ان تقوم داخليا بترتيب شؤون حجاجها.
تصبح المشكلة أخطر عندما تريد دولة تفجير قضية سياسية مستغلة موسم الحج، وسبق ان فعلت ذلك ثلاث دول، وجميعها فشلت في تمرير معركتها السياسية. وكانت لوقفة الاغلبية من الدول الاسلامية ضد تسييس الحج القول الفصل. لم يعد مقبولا ولا مسموحا به ان يتحول الحج الى مسرح للخلافات والمعارك بين الدول، وقبل الجميع مبدأ تطهير الموسم من المعارك.
مررنا بأزمات صعبة حتى بلغنا مرحلة جيدة حسمت فيها الكيفية التي تدار فيها laquo;حقوقraquo; الدول وlaquo;واجباتraquo; الدولة الراعية وتحولت الاعراف الى قوانين صانت الحج والحجاج من الاستغلال.
التعليقات