تغييرات في مفاهيم الأمن القومي في ظل النظام العالمي المعاصر

الثلاثاء:17. 01. 2006

أمين هويدي

حتى بعد انتهاء الحرب الباردة ظل مفهوم الأمن القومي كما أوضحه روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق في كتابه جوهر الأمن ثابتا إذ لا يشمل موضوعات الصراع والأسلحة فقطrlm;,rlm; لكنه يشمل أيضا الدفاع ضد الجريمة والمرض والكوارث الطبيعية والبيئية والإرهابrlm;,rlm; وكذلك مواضيع اقتصادية واجتماعية كالفقر والسكان والهجرةrlm;,rlm; فقد أثبتت الأحداث أن القوة التي تأتي من ماسورة البندقية أقل اليوم عما كان يحدث في الماضيrlm;,rlm; إذ أصبح الصراع بين الدول وقدراتها وليس بقوتها والقدرة هي مجموع قوي الدولة في المجالات المختلفةrlm;.rlm;

هذه واحدةrlm;..rlm; أما الحقيقة الثانية فهي تقول إن ما نشاهده الآن هنا وهناك هي الحرب العالمية الثالثة لأن تكرار الحرب العالمية الأولي أو الثانية أصبح مستحيلا علي الصعيد العالمي بفعل التدمير النووي المتبادل وعلي الصعيد الأدني من ذلكrlm;,rlm; حتي لو كان بين دولة عظمي ودولة نامية بفعل حدود استخدام القوة الصلبة كما ظهر في أفغانستان والعراقrlm;,rlm; إذ أنها لم تتمكن من حسم المواقف في الميدانينrlm;,rlm; وكذلك في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيليrlm;..rlm; وترتيبا علي ذلك فإن القرن الحادي والعشرين سوف يري استخدام القوة الرخوة متمثلة في الردع دون استخدام القوةrlm;,rlm; بل بالتهديد بها وفي الإقناع والحوار والتفاوض إذ أظهرت الأحداث أن الإفراط في استخدام القوة الصلبة يمكن أن يؤدي إلي أن تفقد الدولة القوية المعتدية تأثيرها علي المدي البعيدrlm;,rlm; وهذا يقودها إلي التورط مما يدفعها إلي الانسحاب حتي لو تدثرت بورقة توتrlm;,rlm; إذ أصبح الجميع قادرين علي العقاب والعقاب المضادrlm;..rlm; هذا بأسلحته التقليدية وربما فوق التقليديةrlm;,rlm; وذاك بأسلحته التقليدية وأسلحته تحت التقليديةrlm;.rlm;

والحقيقة الثالثة أنه بعد أن كان النظام العالمي قبل نهاية الحرب الباردة ينقسم إلي كتلة شرقية وأخري غربيةrlm;,rlm; أصبح الآن ينقسم إلي نصف الكرة الشمالي الأكثر تقدما وثراء وقوة ونصف الكرة الجنوبي الأكثر تأخرا وفقرا وضعفا والذي تحدث فيه أحيانا صراعات باستخدام القوة الصلبة بين الدول أو داخلها وهناك علاقات بين الشمال والجنوب إذا عادت المكاسب فيها إلي اللاعب الشمالي فقط سمي هذا الأسلوب الصفريrlm;Zero-Sum,rlm; وهذا هو الغالبrlm;,rlm; أما إذا تحققت المكاسب للطرفين سمي هذا الأسلوب أسلوب الربح المتبادلrlm;Win-Win.rlm;

والحقيقة الرابعة أن الحرب الحالية بين الدول والإرهاب التي بدأت فيrlm;11rlm; سبتمبرrlm;2001rlm; أظهرت أن قوة صغيرة وباستخدام وسائل غير عسكرية تمكنت من أن توقع بالقوة العظمي التي تمتلك أقوي ترسانة في العالم وأقوي إمكانات اقتصادية خسائر بالآلاف مع أضرار اقتصادية هائلةrlm;,rlm; لكن وسائل الرد باستخدام القوة الغليظة كان خطأ فادحا لأنها تحارب عدوا لا يمكنها العثور عليه مما يجعل هؤلاء شهداء لدي البعض ويمهد إلي انتشار الإرهاب بدلا من القضاء عليهrlm;,rlm; فالوسيلة المستخدمة لديها قدرة علي العقاب أكبر بكثير من العدو الذي تواجههrlm;,rlm; فالفيل لا يمكن أن يقتل نملةrlm;,rlm; ولا يمكن تفرقة المظاهرات باستخدام الطائرات أو الصواريخrlm;,rlm; ولا يمكن أن يستمر القتال إلي ما لا نهايةrlm;,rlm; ولكن قتال قتال ـ كلام كلامrlm;fightFight-TalkTalkrlm;

وفي ظل الحرب الثالثة انتشرت النقاط الساخنة من لندن إلي طوكيو إلي نيويورك مارة بمصر وعمان والسعودية والهند وإندونيسيا وتركت أمامنا تغييرات في الثوابتrlm;,rlm; علاوة علي ما قلناه نجمله في الآتيrlm;:rlm;

rlm;*rlm; منذ أصبح من المعتاد أن تقبل الشعوب في البلاد الديمقراطية مبادلة الحرية بالأمنrlm;,rlm; فإذا أرادت الشعوب أن تنعم بالأمنrlm;,rlm; فعليها أن تتنازل عن جزء من حريتهاrlm;,rlm; فحتي الولايات المتحدة فعلت ذلك احتجازا لمشتبه فيهم إلي أجل غير مسمي دون تحقيقrlm;.rlm;

rlm;*rlm; غيرت الدول العظميrlm;,rlm; خاصة الولايات المتحدةrlm;,rlm; من أسلوب إسقاط النظم المعادية باستخدام القوة الغليظة إلي تغيير سلوكها بالضغط علي الحكام فكان ثمن إسقاط نظام الرئيس صدام غاليا ومكلفا وغير حاسمrlm;,rlm; بينما كانت صفقة النظام الليبي ناجحة تماما إذ بقي النظام بعد تغيير سلوكه ودفع الغرامات الباهظةrlm;,rlm; الأمر الذي يتبع الآن مع سورياrlm;.rlm;

rlm;*rlm; استخدام الهيئات الدولية واحترام قراراتها والإصرار علي تنفيذها بطريقة انتقائية كوسيلة ابتزاز وضغط علي النظم المراد اصطيادها بدلا من تجاهلهاrlm;,rlm; تم غزو العراق بتجاهل الشرعية الدوليةrlm;,rlm; ويتم الآن اصطياد النظام السوري باستخدام قرارات مجلس الأمن بعد مقتل رفيق الحريريrlm;,rlm;

rlm;*rlm; أصبح تدخل الولايات المتحدة في الشئون الداخلية للدول أكبر وأعمق وعلي عينك يا تاجرrlm;,rlm; فقد أقامت من نفسها رجل الشرطة العالميrlm;..rlm; كوريا الشمالية ممنوعة من دخول النادي الذريrlm;,rlm; بينما تحتل إسرائيل مقعدا مريحا هناكrlm;..rlm; محظور علي إيران تخصيب اليورانيومrlm;,rlm; محاكمة أيمن نور تسيءإلي العلاقاتrlm;,rlm; ما تم في الانتخابات المصرية غير مرضي عنهrlm;,rlm; بينما الانتخابات العراقية التي تمت تحت أعلام الاحتلال وخروج المظاهرات المحتجة علي ما تم فيها من تزوير نموذجيةrlm;..rlm; كل هذا التدخل يتم دون اعتراض كما كان يحدث في الماضيrlm;!rlm;

rlm;*rlm; حينما ظهرت ادعاءات واشنطن ولندن الكاذبة بخصوص أسلحة التدمير الشامل ولستر ذلك كانت المطالبة بفرض الديمقراطية في العراق وفي دول الشرق الأوسط الكبيرrlm;,rlm; فسارعت أغلب الأنظمة إلي تغيير سلوكها لإقامة نظم جديدة ظاهرها ديمقراطي وحقيقتها بقاء الأوضاع نفسهاrlm;,rlm; أي أن الدولة العظمي تريد أن ترسم المناطق علي حسب ما تريدrlm;!rlm;

الأمن العالمي لم يتحققrlm;,rlm; فعلي الرغم من أن التحديات مشتركة لا تفرق بين دولة وأخريrlm;,rlm; فإن جداول أعمالها متباعدةrlm;,rlm; الكل متفق علي أن العدو المشترك هو الإرهابrlm;,rlm; لكن لم يتفق الكل علي التمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعةrlm;,rlm; الكل يتحدث عن تضييق الثغرة بين الذين يملكون والذين لا يملكونrlm;,rlm; إلا أن الدول الغنية ـ كما ظهر في مؤتمر هونج كونج الأخير ـ لم توافق علي إلغاء الدعم التصديري علي الصادرات الزراعية إلا تدريجيا وحتي عامrlm;2013,rlm; ومعني ذلك أننا ـ والدول النامية الأخري ـ نحاول تحقيق أمننا القومي في ظل نظام عالمي لا يؤمن بالأمن المتبادل وينفذ الشرعية الدولية بطريقة انتقائيةrlm;,rlm; ولا يريد تحقيق العدالة للدول الناميةrlm;..rlm; عالم طبقي يريد للفقراء أن يزدادوا فقراrlm;,rlm; ويريد للضعفاء أن يبقوا فريسة للصيادrlm;..rlm; والعلاج في الوحدة والشراكةrlm;,rlm; لكن أني لنا بهماrlm;..rlm;؟rlm;!!rlm; فبدلا من الاتحاد علي المستوي الإقليمي نزداد فرقةrlm;,rlm; وبدلا من التماسك علي المستوي القطري نزداد تشتتاrlm;!!rlm;

ولذلك يظل أمننا القومي مستباحا لأننا لا نتغير وكل ما حولنا يتغيرrlm;..rlm; أقصد التغيير إلي الأفضل وليس التراجع إلي الوراءrlm;!!rlm;