الأربعاء:18. 01. 2006

داود الشريان

يبدو ان حل ازمة الحكومة اللبنانية تجاوز مسألة عودة الوزراء الشيعة الخمسة عن قرارهم تعليق حضور جلسات مجلس الوزراء، فحضور الوزراء لم يعد هو القضية بعد انكشاف الاسباب الحقيقية للأزمة بين الطرفين، وبعدما تبين ان ازمة وزارة السنيورة مجرد مؤشر الى مشكلة أخطر وأكبر وأعمق عنوانها التخلص من الوجود العسكري لـ laquo;حزب اللهraquo;، وتحديد العلاقة المستقبلية بين الغالبية النيابية والشيعية السياسية في لبنان.

الحديث عن سلاح المقاومة ليس جديداً، بدأ منذ اليوم الاول للانسحاب الاسرائيلي من الجنوب اللبناني، لكن الجديد انه لم يعد شأناً لبنانياً داخلياً، والجديد ان نزع هذا السلاح لم يعد امنية سياسية لاطراف داخلية وخارجية، بل مطلباً اميركياً ودولياً، ووسيلة لاستمرار الدعم الدولي للحكومة اللبنانية لمواصلة تنفيذ قرارات الامم المتحدة ومواصلة التحقيق في اغتيال الحريري، بحسب السفير الاميركي في بيروت الذي قال لشخصيات لبنانية: laquo;آن الاوان للتخلص من laquo;حزب اللهraquo; وقد تفهمنا ظروف المرحلة السابقة لكن على الحكومة أن تفعل ذلك الآن حتى تحظى بدعمنا الكامل وستكون واشنطن الى جانب الحكومة في هذا القرارraquo;.

تؤكد التصريحات والانتقادات المتبادلة بين laquo;حزب اللهraquo; والغالبية النيابية ان سياسية التكاذب التي غلفت مواقف الطرفين منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لم تعد ممكنة، فالجماعة ضربوا صفحاً عن المجاملة وقرروا نزع الاقنعة وتسمية الاشياء بأسمائها. فنواب الغالبية عبروا عن قلقهم من الحملة التي شنتها الشيعية السياسية ضد النائب وليد جنبلاط، واعلنوا في شكل مباشر تأييدهم لمضمون ما قاله جنبلاط تحت شعار ضرورة المصارحة، وraquo;حزب اللهraquo; رد على هذا الاصطفاف الى جانب جنبلاط معلناً بوضوح وللمرة الاولى وقوفه الى جانب سورية، رافضاً كل التصريحات والتلميحات ضدها ومطالباً الحكومة بتزويده بإثبات واحد على ان سورية ضالعة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كأنه بهذه العبارة أراد ان يقول انه ضد كل ما جرى ويجري منذ اغتيال الحريري.

لا شك في ان الازمة الراهنة تشير الى ان الحل السياسي ليس قريباً. فحكومة السنيورة لا تستطيع ان تستمر في الحديث عن حل داخلي لقضية سلاح الحزب لأن هذا الطرح اصبح مرفوضاً اميركياً، كما انه يتعارض مع رغبة المجتمع الدولي الذي يقف معها في قضية كشف الحقيقة في اغتيال الحريري. وحزب الله من جانبه لا يستطيع الاستمرار في مسايرة حكومة السنيورة والسكوت على هيمنة تيار laquo;المستقبلraquo; على قرارات الحكومة لأن هذا التوجه يوصله الى حيث يكره محلياً واقليمياً، ويلغي مكاسبه في نهاية المطاف. اذاً فالحل السياسي مستحيل من دون تنازلات، والتنازلات يصعب احتمالها لكلا الطرفين. لذلك فإن الازمة مرشحة لدخول مناطق خطرة في الايام المقبلة. حزب الله يدرك تماماً أن هناك من يسعى الى توريطه بمعركة داخلية وصولاً الى تشويه صورته ثم تسويغ ضربه، وهو سيقاوم جرّه الى فخ الفتنة الداخلية، ولهذا لجأ الى اسلوب التظاهر للتعبير عن الغضب، واستعراض القوة، لكن النزول الى الشارع في لبنان لا يشبه النزول الى الشارع في البلدان الاخرى، فالسلاح موجود في أيدي الناس واستبداله بالعصي ليس امراً صعباً، ومقاومة رغبة الآخرين في جره الى فتنة داخلية ستبقى رهناً بموقف هؤلاء الآخرين من هذا السلاح، فضلاً عن ان الامين العام لحزب الله لم يستبعد اللجوء الى القوة في الدفاع عن هذا السلاح حين شبهه بـ laquo;العَرْضraquo;. وهو قال اول من امس laquo;نحن نتحمل ان نستهدف في كل شيء: الشتائم وسورية وايران والحزب لكن موضوع سلاح المقاومة موضوع مقدس وقد استشهد لنا أعز الحبايب، وهو بالنسبة إلينا مثل العرض ونحن لا نتحمل ان يمس احد بعرضناraquo;. وعلى هذا الاساس فإن استمرار تحرشات وليد جنبلاط او غيره من نواب الغالبية بـ laquo;عرضraquo; حزب الله يعني ان الاقتتال الداخلي غير مستبعد.

لبنان على ابواب ازمة عاصفة قد تعيده الى زمن الحرب. وتأتي خطورة هذه الأزمة من جهتين، الاولى خروج سورية بتلك الطريقة وغيابها كوسيط بين الفرقاء اللبنانيين، فقد اعتاد اللبنانيون على تدخلها في ازماتهم الداخلية ومنع وصولها الى ابعد من السياسة، والأمر الآخر ان هذه هي المرة الاولى في تاريخ لبنان الحديث التي تجري فيها مواجهة سياسية بين الشيعة السنة، ولو ان المشكلة بين تيار laquo;المستقبلraquo; وraquo;حزب اللهraquo; حدثت قبل التغيرات الراهنة في المنطقة لربما بقيت في اطارها السياسي المحلي، أما اليوم مع ما يجري في العراق بين السنة والشيعة، فإن ما يحدث في لبنان لن يكون بمعزل عما يجري حوله.

في السنوات الماضية دفع لبنان ثمن الازمة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين وفقد عشرات الآلاف من ابنائه في حرب كافرة، ويبدو اليوم انه يستعد للاعلن عن انضمامه للحرب الطائفية بين السنة والشيعة التي يجري التحريض عليها في العراق. وهنا لا بد ان نستذكر قدرة الرئيس الراحل رفيق الحريري في لجم هذه النزعة بين المسلمين في لبنان. لكن يبدو ان اغتياله بتلك الطريقة الرهيبة كان له اهداف بشعة أبرزها ادخال السنة الى ناد الطوائف اللبنانية التي جربت الاقتتال الطائفي، وتحويله من طبقة اجتماعية الى طائفة سياسية.