من سقراط وافلاطون الى ماكس فيبر، نظر الفلاسفة والمفكرون نظرة شك واستخفاف لفكرة الديمقراطية بمعنى حكم الشعب بواسطة الشعب. اعتبروها حكم الشعب بواسطة الغوغاء والجهلة.
يتطبق ذلك بصورة واضحة على الدول المتخلفة. ولكننا نلمس ذلك ايضا حتى في تجارب الدول المتطورة كما حصل عندما صوت الالمان لهتلر وصوت الامريكان لجورج بوش ورفعوا رونالد ريغان واسقطوا جيمي كارتر.
آمنت طيلة حياتي بضرورة حصر الانتخابات بالمتعلمين، اي في ان يضاف لشروط الناخب حصوله على حد ادنى من التعليم المتمثل بشهادة الدراسة المتوسطة. طبقت الولايات المتحدة مثل هذا الشرط في القرن التاسع عشر ثم تخلت عنه كما تخلت عنه اوروبا بعد فرض التعليم الالزامي الى مستوى الدراسة المتوسطة. اصبح المفروض في كل مواطن ان يكون قد اجتاز هذه المرحلة.
حتى نحن حملة الشهادات العالية نتحير في الادلاء بأصواتنا وكثيرا ما نندم على ما فعلنا، فكيف بالمواطن الأمي وهو يواجه هذه الخيارات الصعبة في هذا العالم البالغ التعقيد وكل هذه الايديولوجيات والاجتهادات السياسية والاقتصادية والعسكرية؟ لاحظ مراسل اجنبي جمهورا من الناخبين العراقيين متجمعين بجوار مركز انتخابي فسألهم لماذا لا تدخلون وتقترعون؟ قالوا ننتظر الأوامر. فيمن علينا ان ننتخب! وكما اتصور جاءهم بالأوامر بعد قليل من هو لا يقل عنهم جهلا وأمية.
اعطاء حق التصويف للغوغاء والجهلة من اهم اسباب فشل الديمقراطية في العالم الثالث. علينا ان نواجه هذه الحقيقة بعقل وشجاعة ولا نقلد الغرب المتطور تقليدا اعمى او نصغي لمقولاتهم السفسطائية عن حقوق الانسان في هذا الاطار.
في الندوة التي نظمها المنتدى العراقي في لندن لوفد المسرحيين العراقيين، جرى حوار بشأن مستقبل المسرح والسينما في العراق وما قد سيتعرضون له من تضييق على حرية عملهم بعد ان يمسك الائتلافيون بناصية الحكم. قال احد اعضاء الفرقة المسرحية (ولا اذكر اسمه حرصا على مستقبله وربما خوفا على حياته) عندئذ لا يبقى لنا غير ان نهاجر من البلاد، اضاف فقال انتم في لندن تركتم العراق هربا من صدام حسين، نحن سنتركه هربا من العهد الجديد. هذا ما ذكرته في السابق عن احتمالات هجرة جديدة للعقول النيرة من وطأة النفوس المظلمة. ستقدم الفرقة مسرحيتها المعادية للحرب على مسرح الاولد فك بلندن 26 يناير ـ 4 فبراير. شاهدوها قبل ان يجري تحريم المسرح في العراق. وستقدم باللغتين العربية والانجليزية. واعتقد انها ستقدم في العراق باللغتين الفارسية والعربية.
ربط حق الاقتراع بالتعليم تشجيع كبير لاشاعة التعليم وتشجيع المواطنين على التعلم والدرس. ولا شك ان فيه ايضا تشجيعا على اتقان حرفة التزوير وتطويرها من مجرد تزوير قسائم الاقتراع الى تزوير شهادات الدراسة. وقد اصبحت صناعة التزوير الصناعة الوحيدة الآخذة بالنمو والازدهار في هذه الآونة.
بالطبع ستعترض الامم المتحدة والدول الغربية على حصر حق الانتخاب بالمتعلمين فلا احلى عليهم من ان يروا جهلاءنا يفوزون. الديمقراطية بالنسبة لهم تعني فتح اسواقنا لبضائعهم وتقنيتهم وعرض ثرواتنا وحاصلاتنا لنهبهم.
هذه مسؤولية على عاتق المثقفين العلمانيين في النضال من اجل فرض شرط التعليم على حق الاقتراع. بتحقيق ذلك سيؤدون خدمة كبرى لكل الشعوب المتخلفة وينقذون الديمقراطية من تخبطها وفشلها.
التعليقات