جيفري كمب


سيضطر الرئيس بوش عما قريب إلى إحاطة الشعب الأميركي علماً بحقيقة حرب العراق، خصوصاً إذا ما فقد الحزب quot;الجمهوريquot; سيطرته سواء على مجلس النواب أو مجلس quot;الشيوخquot;، في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي تجري في نوفمبر القادم. وفي مثل هذه الظروف، سيكون الضغط على بوش هائلاً بحيث يجد نفسه مضطراً للاعتراف بأن الأهداف الأصلية للغزو لم تعد قابلة للتحقيق، وأن العراق على حافة حرب أهلية، وأن على إدارته تقديم استراتيجية خروج موثوق بها من ذلك البلد.

وإذا ما استمر معدل الخسائر الأميركية الحالية في العراق في اتجاهه الحالي، فإن عدد القتلى الأميركيين سيصل عما قريب إلى 3000 قتيل وأربعة أضعاف هذا العدد من المصابين بإصابات خطيرة. وقد أدت كل هذه العوامل إلى فقدان قادة القوات المسلحة الأميركية في العراق وخصوصاً البرية إلى ثقتهم في القيادات المدنية لوزارة الدفاع، وعلى رأسهم دونالد رامسفيلد. في هذه الظروف يجد بوش أنه لم يعد أمامه سوى ثلاثة خيارات:

الخيار الأول، والأقل استساغة من الناحية السياسية هو إحداث زيادة كبيرة في عدد القوات الأميركية في العراق من خلال سحب قوات من أوروبا ومن شرق آسيا. وهذا الإجراء سيؤثر على أعداد القوات التي قد تدعو إليها الحاجة في شبه الجزيرة الكورية أو اللازمة لمواجهة الوضع الآخذ في التدهور في أفغانستان، كما أنه سيستلزم الاستمرار في احتلال العراق لفترة طويلة، وسيتطلب زيادة ميزانية الدفاع، وهو ما لن يتمكن بوش من تحقيقه دون السيطرة على الكونجرس.

الخيار الثاني، ويتمثل في إعادة تعريف الأهداف الأميركية في العراق، وأن يكون التركيز في المقام الأول على تحقيق الاستقرار في هذا البلد لإتاحة الفرص لانسحاب أميركي مرحلي، وأن يكون الهدف هو بقاء العراق كدولة واحدة حتى وإنْ لم يتحول إلى النموذج الديمقراطي العلماني، الذي كان بوش يأمله. هذا الخيار لا يتضمن تحديد موعد محدد للخروج، علاوة أن معظم القتال في المدن سيلقى على عاتق العراقيين. غير أن منتقديه يقولون إنه غير واضح الملامح كما أنه غير محدد زمانياً.

الخيار الثالث: إعلان واضح وصريح بأن القوات المسلحة الأميركية ستقوم خلال 18 شهراً أو نحو ذلك بالانسحاب من المناطق الرئيسية في العراق، بصرف النظر عن الظروف السائدة، على أن يتم إعادة نشر جزء من هذه القوات في بعض دول الخليج الصغيرة مع إمكانية إبقاء حامية صغيرة بصفة مؤقتة في إقليم كردستان. هذا السيناريو سيعني أن دور الولايات المتحدة السياسي والعسكري في العراق سينتهي إلى حد كبير، وهو ما قد ينظر إليه على أنه علامة على هزيمة أميركية من قبل البعض وخاصة القوى الراديكالية في المنطقة. مع ذلك قد يوافق البعض على أن هذا النهج سيشجع العراقيين على الاضطلاع بمزيد من الأدوار لضمان أمن بلادهم، حتى إذا ما أدى ذلك إلى نشوب حرب أهلية، لأن تلك الحرب ستنتهي في النهاية بانتصار طرف على آخر، مما يعني أن هناك نوعاً من الأمن سيتحقق في نقطة معينة في المستقبل. علاوة على أن أي فلول من quot;القاعدةquot; متبقية في البلاد، سيتم طردها من قبل العراقيين أنفسهم الذين لا يرغب معظمهم في المشاركة في مشروع بن لادن المتعاظم ضد أميركا والغرب.

هل ستستفيد القوى الإقليمية من تحديد موعد نهائي للانسحاب الأميركي في تعزيز وضعها في العراق؟ ربما، ولكن يتعين القول إن أياً من القوى الإقليمية في المنطقة لا ترغب في رؤية حالة من الفوضى في العراق، وهو ما يتيح الفرصة للولايات المتحدة لتوقيع اتفاقيات مع تلك القوى لتجنب حدوث ذلك النوع من الفوضى. ستكون تلك استراتيجية خطرة ولكنها من نوع الاستراتيجيات التي يبدو أن الأميركيين مستعدون لتحملها.

الخيارات الثلاثة صعبه، ولكن مع المشكلة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والمواجهات الأوسع نطاقاً مع الراديكاليين، فإن الخروج من العراق سيمنح فرصة للولايات المتحدة المرهقة لالتقاط أنفاسها، وتعديل أوضاعها، وحشد طاقتها مجدداً. وأميركا دولة قوية وذات حيوية وهي قادرة على استعادة عافيتها بسرعة أكثر مما يعتقد معظم المتشائمين.