السبت: 2006.10.14



حمزة عليان ـ القبس


البعض ممن تضيق صدورهم بالحريات واصدار صحف جديدة يرسم صورة لمستقبل الصحافة في الكويت متخيلا نفسه واقفا امام العشرات من الصحف موزعة على الأرفف في المكتبات العامة واكشاك البيع وفيها كل ما يخطر على البال من عناوين وموضوعات و اهتمامات، وربما لن يكون الوضع بعيدا اذ ما وجدت صحيفة تختص بجواخير كبد مثلا..!
بالطبع هذا الاستشهاد يدخل في باب التهويل والتخويف وربما الايحاء بأن فتح المجال لأي مواطن بالحصول على رخصة صحيفة يومية سيحول البلد الى مجموعة من المنابر تعرض ما يحلو لها من أفكار وخلافه!
المعترضون على فتح المجال لاصدار صحف يومية يقولون ان الكويت لا تحتمل زيادة بعدد الصحف واذا حاورت احدهم يضع امامك عددا من الفرضيات التي تتراءى له منها قلة عدد السكان وكثرة التجمعات السياسية والحزبية والقبلية وهو ما من شأنه اغراق الكويت بعدد من المطبوعات والاتجاهات تباعد بين ابناء الشعب... هذا الطرح يقابله رأي مضاد يستند الى مبدأ دستوري وقانوني اعطى بموجبه المشرع الحق للمواطنين وللشركات باصدار صحيفة يومية طالما استوفت الشروط القانونية المطلوبة.. وانه من منطلق كسر الاحتكار وعدم ابقاء الساحة الاعلامية وقفا على عدد محدود من الاشخاص ومن منطلق تحقيق المساواة بين المواطنين وإيمانا بحرية الرأي والتعبير، يصبح الامر من المسلمات التي لا تحتاج الى مساجلات او نقاشات او فذلكات.
الموضوع كله قائم على الاحتمالات، وبالتالي فالآراء التي تتداول بين الناس تبقى في حكم التقدير والتنسيب فقانون المطبوعات اعطى الحق القانوني لكل مواطن بالحصول على رخصة صحيفة ووزير الاعلام صرح بالقول انه سيعطي ترخيص لكل من يتقدم بطلب ما دامت الشروط تنطبق عليه، إذن نحن امام معطيات جديدة على الارض والذين تقدموا بطلبات وصلوا الى 107 اسماء ما بين شخص وشركة والان تتم اجراءات ادارية وفق دفتر الشروط الى حين اتمام الموافقة بشكل رسمي.
الرواتب والإعلان
وفي هذه الاجواء يعلو الحديث في الاوساط الاعلامية وبشارع الصحافة وكواليسه عن الاسماء المتداولة في بورصة التعيين سواء من داخل الكويت او من خارجها ومنهم من قطع شوطا بالتحضير واختيار الاسم والمقر ايضا.. ذو الشأن والخبرة في مجال الصحافة ينظرون للموضوع من زاوية مهنية بحت باعتبار أن الرخص أصبحت بمتناول اليد، ويتساءلون، ليس المهم من يصدر صحيفة المهم هو من يبقى ويكون قادرا على توفير العنصر البشري الكفؤ والقادر على المنافسة.
والعنصر البشري بات اليوم عملة صعبة، لا سيما ان الاسواق القريبة والقادرة على تصدير هذا العنصر هي مصر ولبنان والأردن، وضمنا فلسطين، وفي هذه العواصم تتوافر للكوادر البشرية مجالات عمل مختلفة وبرواتب مرتفعة في الإعلام المرئي والمسموع باعتبار ان هذه المدن تستقطب، وبحسب الظروف الاقتصادية لكل بلد محطات فضائية ووكالات انباء عالمية ودعاية ومدنا إعلامية واسعة. ولهذا فالسوق تغلب عليه قاعدة العرض أكثر من الطلب، وهنا نتحدث عن الكفاءات صاحبة الخبرات وليس عن الخريجين الجدد من الجامعات، ولذلك سيكون السؤال التالي: كيف سيتم التعويض عن رواتب لجهاز تحرير مرتفع الكلفة؟ هل بالإعلان أم بماذا؟ العارفون بحجم السوق الإعلاني في الكويت والمنطقة غير متفائلين بهذا الجانب كون الحصص موزعة ومعروفة المسارب والقنوات.
وبالتالي، هناك صعوبة بالغة للداخلين الجدد بالاستحواذ على النصيب الوافي في الإعلان في المرحلة الأولى من الصدور.
تجربة مصر والبحرين
هناك من يعيد طرح السؤال: هل عدد الصحف يرتبط بعدد السكان للدولة أم بدخل الفرد أم بعوامل أخرى؟ بالمقارنة بين الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي من حيث عدد الصحف قياسا لعدد السكان سنرى وفق الجدول المعد والمنشور ان السعودية فيها 16 صحيفة يومية وبعدد سكان يصل الى 27 مليون نسمة، وتكون النسبة صحيفة واحدة لكل 6.1 مليون نسمة. وفي البحرين 8 صحف لعدد سكان اجمالي يصل الى 700 ألف نسمة والنسبة فيها تكون صحيفة واحدة لكل 87 ألف مواطن، وفي مصر 9 صحف لعدد سكان يصل الى 72 مليون نسمة والنسبة فيهاهي صحيفة واحدة لكل 8 ملايين نسمة.
ماذا تعني هذه الأرقام والنسب؟
اذا استبعدنا الفرق بين كمية الطبع وكمية التوزيع واعتمدنا اجمالي عدد النسخ التقريبية المطبوعة، فإننا امام حالة قياس غير منطقية اذا نظرنا الى معادلة ان لكل ألف مواطن طبيبا واحدا فمن البديهي ان هؤلاء سيستفيدون من الطبيب، بينما من غير الممكن ان يقرأ 8 ملايين شخص صحيفة واحدة، اذن هنا تنتفي تماما فكرة قياس عدد الصحف بعدد السكان وتكون الخيارات الأخرى هي الطريقة الأمثل للقياس، ومنها: المستوى التعليمي للمواطنين ومخرجات التعليم والقراءة، ودخل الفرد والانتاج الفكري الالكتروني والانتاج الفكري في الدولة (عدد الكتب) والى ما هنالك من قياسات.
الواقع ان إصدار صحف جديدة مرحلة تخطتها الدولة والمجتمع والحديث لم تعد له جدوى، مادام جرى إصدار قانون يعمل به ووافق عليه مجلس الأمة.
ما يجري النقاش في شأنه هو جملة التحديات التي ستواجه أصحاب المشاريع القادمة في الصحف وكيف ستبرز الزميلات القادمات ومدى الاستمرارية والتأثير والصمود!
ان ضمانة الصحف تأتي بما انتهى اليه تقرير التنمية البشرية حول إقامة مجتمع المعرفة في البلدان العربية عبر خمسة أركان واحد منها يتحدد باطلاق حرية الرأي والتعبير والتنظيم وضمانها بالحكم الصالح، وهذا مايعمل به الآن.