محمد صادق الحسيني
رغم laquo;الهزةraquo; النووية الكبرى التي أحدثها ويمكن أن يحدثها قيام كوريا الشمالية بتجربتين نوويتين متتاليتين في مجموع العلاقات الدولية، إلا أن العقوبات الجماعية التي بات يتعرض لها الفلسطينيون بشكل منظم وبإرادة laquo;المجتمع الدوليraquo; الواعية ورعايته لما بات يشبه أفران الغاز النازية التي لطالما حاكموا الضمير العالمي وحكموا عليه بسببها، لا تزال هي جوهر ما تعاني منه العلاقات الدولية من اختلال وانعدام توازن بالإضافة إلى سقوط أخلاقي مريع لم يشهد له العالم على الإطلاق.
فقرار تجويع الشعب الفلسطيني بسبب خياراته السياسية والفكرية واضح للعيان وليس بحاجة إلى دليل أو برهان!
وقرار إسقاط laquo;الدولة العراقيةraquo; وإخراجها من معادلة القرار العربي والإسلامي بصورة نهائية لا رجعة عنها لم يعد خافياً على أحد بعد كل الذي laquo;طبخوهraquo; ونضج اليوم من مؤامرات للعراق.
وقرار وضع أفغانستان في عهدة مافيات التوازنات الدولية حتى التوافق على أسهم تقسيم عوالم النفوذ بين القوى الدولية المتصارعة على المياه الدافئة جنوباً بثرواتها الهائلة ومياه بحر الخزر شمالاً بمقدراته الدفينة شمالاً لم يعد سراً في أوساط النخب العارفة ببطون ما يجري حول أفغانستان.
وقرار إعلان التعبئة الشاملة ضد إيران المتحفزة باتجاه لبنان وفلسطين والتحالف الاستراتيجي مع سوريا الممانعة لم يعد بحاجة إلى تفسير أو ترجمة من العبرية بعد إفصاح سيدة الدبلوماسية للامبراطورية الأعظم في العالم عن نوايا بلادها لحشد كل laquo;البنائينraquo; بوجه laquo;الهدامينraquo; في العالم، والجميع يعرف من laquo;يترأسraquo; ويتزعم laquo;الهدامينraquo; هؤلاء بعد أن وصفت الدبلوماسية الأميركية إيران أكثر من مرة بأنها laquo;المصرف المركزيraquo; للإرهاب!
حتى laquo;النفير العامraquo; ضد كوريا الشمالية دون الإقدام على ما يطمئن العالم من الخطر الحقيقي الذي يقلق الجميع، أي وجود دولة نووية متسلحة بكافة أنواع أسلحة الدمار الشامل في قلب الكرة الأرضية مدعومة بكل أشكال الفيتو الذي يحميها حتى من مجرد الإدانة اللفظية والسطحية، لا يعني سوى أن ما بات يعرف بالمجتمع الدولي وبقيادة الامبراطورية الأعظم لم يعد صادقاً في شيء، ويكاد يفقد مصداقيته في أية قضية يعرضها على الرأي العالمي مهما كانت صغيرة تافهة أو كبيرة وخطيرة.
فما معنى أن تتوقف وتتجمد وتتحنط كل المعايير والقيم والمقاييس وقواعد الاشتباك والحل والعقد عند بوابة الدولة العبرية الأكثر رعاية على الاطلاق في الحظيرة الدولية؟
كيف يمكن لدولة غاصبة للأرض والحقوق وخارجة على كل الأعراف والمعايير ومالكة لترسانة نووية مدمرة أن تصبح laquo;معتدى عليهاraquo;؟ ومعرضة للخطر الداهم باستمرار من أفغانستان ومن العراق ومن لبنان ومن فلسطين بالطبع، وهي الدويلة التي تجلس على بركان من الأخطار التي تستطيع تصديرها للعالم متى تشاء.
فيما تصبح دولة المعاناة التاريخية والحصار المزمن والظالم مثل كوريا الشمالية دولة مارقة وخارجة على القانون وتهدد النظام العالمي، وهي دولة فقيرة نائية لا تملك من أمرها شيئاً سوى أن تقول لا لأميركا، وكل ما فعلته مؤخراً هو لجوؤها إلى ما هو مشاع ومتداول لدى قيادات المجتمع الدولي من أدوات ترهيبية وترويعية وتدميرية بأضعاف المرات.
ليس دفاعاً عن القنبلة النووية نقول ذلك، ولا حتى الاصطفاف إلى جانب كوريا الشمالية ونحن الذين لم نعد نملك في العالم العربي والإسلامي حتى قرار الاصطفاف إلى جانب أنفسنا، بل من أجل وضع الهرم على قاعدته الصحيحة في قانون ترتيب وتنظيم العلاقات الدولية.
هل سأل أحد نفسه لماذا لجأت كوريا الشمالية إلى هذا الخيار؟ أو ماذا قدمت الامبراطورية الأعظم من حلول للكوريتين يشجعهما على عدم اللجوء إلى مثل هذا الخيار غير الحصار والاحتقار والإهانة والتجويع؟
إنه السلاح نفسه الذي تواجه به هذه الامبراطورية التوسعية التي لا تشبع، شعبنا المقاوم والممانع والممتحن في كل من فلسطين ولبنان! أليس كذلك؟ بالمقابل فإن اليد المطلقة للعبث بكل الأعراف والتقاليد والحقوق الدولية والخاصة بكل شعب من شعوب المنطقة والعالم هو جزاء الدولة الوحيدة الخارجة على القانون والمطلقة العنان لتفعل ما تشاء.
في هذه الأيام العزيزة على قلوبنا نحن المسلمين وهي أيام وليال عظيمة عند الله، ليال نزل فيها القرآن هدى للناس ورحمة للعالمين، وأيام يثاب عليها الإنسان حتى في نومه لأنه عبادة، ونحن نعيش اليوم العالمي للقدس، أليس من حقنا أن نسأل: أيهما أخطر على العالم وأمنه وعلاقاته الدولية ولقمة عيشه: كوريا الشمالية أم إسرائيل؟
وأي البلدين والنظامين يجب أن يعاقب ويشدد الحصار عليه خوفاً من الخطر المحدق الذي يتهدد أمن العالم بسببه كوريا الشمالية أم إسرائيل؟
أليس من حقنا أن نعيد للهرم الدولي قاعدته السليمة؟ وأن نعبئ الجهود من أجل عالم خال من أسلحة الدمار الشامل فعلاً ولكن انطلاقاً من المكان الأخطر والبقعة الجغرافية الأخطر والدويلة الأخطر والنظام الشرير الأخطر بكل المقاييس والأعراف والمعايير الدولية؟
وتأسيساً على ذلك تالياً التضامن العملي والفعلي مع شعب فلسطين الضحية الأكبر جراء هذا الخلل الأساسي المحيط بالعلاقات الدولية وأن يكون همنا الأكبر هو فك الحصار، حصار المال والغذاء وحتى السلاح عن الضحية الملقاة على قارعة خارطة طريق الجبارين والمستكبرين والناهبين لمقدرات العالم والسراقين لحقوق الإنسان وحرياته باسم حقوق الإنسان وحريته، فلتتجه أنظار العالم إلى فلسطين إذاً، وليس إلى كوريا الشمالية لأن الوجع الحقيقي كما الخطر الحقيقي هناك، أي ها هنا في القلب.
- آخر تحديث :
التعليقات