laquo;زيّـانraquo;

يوم وداع بيار الجميل كان مشهوداً وحافلاً بالكثير من المعاني والمواقف السياسية ذات الطنة والرنة، والتي في مقدمها الاعلان عن quot;خطوات عملانيةquot; تتخذ قريبا بالنسبة الى ازمة رئاسة الجمهورية وانتخاب رئيس جديد.

مثلما كان مناسبة لمصارحة اللبنانيين انه لم يعد من الجائز الاكتفاء بتشييع الشهيد تلو الشهيد، واعلان الحداد ليومين ثلاثة، واقفال الاسواق قبل الظهر او بعده.
لقد طفح الكيل وطفحت الساحات بدماء الأبرياء، وطفحت الصدور بالقهر والأحزان. فطفحت الهتافات والأناشيد واللافتات بالتعبير عن الرفض القاطع لواقع أليم يشل البلاد والعباد منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ألوف مؤلّفة من اربع رياح الارض، سابقت امس طلوع الشمس في تدفقها الى quot;ساحة الحريةquot;، وقد توحّدت الشعارات والهتافات في سبيل لبنان سيّد حر مستقل. ومن اجل احقاق الحق والحقيقة، والمحكمة الدولية، دون اغفال التأييد لحكومة السنيورة.
بالمختصر المفيد، كان يوم تشييع الشهيد الجديد يوم لبنان، ذلك اللبنان الذي لا يزال حُلما، ولا يزال دعوة، او رغبة، او مطلبا طال انتظار استجابته وتحقيقه. بل يكاد يصبح، لألف سبب وسبب، كمن يقبض على الماء.
وكان يوم تجديد العهد لشهداء الاستقلال الثاني، يوم فجر لبنان الحرية، لبنان الأمل، يوم رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني، والشهداء الاحياء مروان حماده والياس المر ومي شدياق.
الكلمات المعبّرة لوليد جنبلاط، وسعد الحريري، وسمير جعجع، وامين الجميل توحي ان اركان الرابع عشر من آذار صاروا قاب قوسين او ادنى من مرحلة جديدة، تتمحور كلها حول تغيير الاوضاع المهترئة، واخراج لبنان من عنق الزجاجة.
هذا اللبنان الذي لا يزال يتخبّط وسط العاصفة، ولا يزال معرضا للاعاصير والموجات العاتية، وحتى الزلازل.
أمر آخر اثبته يوم quot;ساحة الحريةquot;. لا يستطيع هذا الفريق او ذاك ان يحتكر الشارع، او ينكر على الفريق الآخر وجوده وحجمه وشعبيته، او ان يصفه مثلا بـquot;الاكثرية الوهميةquot;.
فالألوف المؤلّفة التي هبّت من كل حدب وصوب، ملبية نداء سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع، انما هي الوف حقيقية واكثرية حقيقية. ولا أوهام في الأرقام والساحات.
لكن ذلك على ما يعنيه ويفسّره، لا يلغي احدى اهم الحقائق اللبنانية التي تقول اذا كان لهذا البلد ان يخرج من عنق الزجاجة، من قلب الاعاصير والعواصف، لا طريق له الا الحوار.
ولا مفر من التفهّم والتفاهم والتوافق بالحسنى، لا بالاكراه والقهر والقوة. ولا بد من ان يعترف الناس بعضهم بالبعض، فيتبادلون، عندئذ، اوراق الاعتماد ضمن صيغة العيش المشترك.
وعلى اساس ان لبنان مؤلف من مجموعة اقليات، لا أفضلية لأقلية على حساب أقلية أخرى، ولا امتيازات لهذه دون تلك، ولا أبناء ستّ وأبناء جارية.
فترة تأمّل، استراحة محاربين، فترة سماح تنتهي بفتح صفحة جديدة ورئيس جديد.
هل تحتاجون الى مَن يذكّركم بما فعل الجدل البيزنطي بتلك الامبراطورية وأهلها؟