مشاري الذايدي


لعله من مفارقات القدر أن يترافق هذا الصخب المثار هذه الايام ضد وزير الثقافة المصري فاروق حسني حول قضية الحجاب في مصر، مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، بما أن الامم المتحدة خصصت يوم 25 نوفمبر من كل سنة يوما عالميا لهذه القضية، قضية العنف ضد المرأة، التي هي بالمناسبة مشكلة تعاني منها نساء العالم كله، بصرف النظر عن دينهن وحضارتهن.

نعم، إنها من مفارقات القدر، فإذا كان العنف الجسدي هو المقصود، وهو جدير بمثل هذا التذكير، إلا أننا إزاء حالة عنف، من نوع آخر، يتعلق بالمرأة في عالمنا العربي...

هناك عنف في الجدل والنقاش حول كل تفصيلة تتصل بالمرأة، عملها، ملابسها، مشاركتها السياسية، صوتها، خروجها، دخولها، جسدها، عقلها... للدرجة التي انحرفت فيها قضيتها الجوهرية، عن مسارها الطبيعي لتتحول الى ورقة تُلعب بين التيارات السياسية المختلفة في العالم العربي، وأيضا الحكومات، الأمر الذي أهال على قضية المرأة حجابا، من نوع اخر، يحجب قضيتها الحقيقية، وتصبح قضية الحجاب نفسها، حجابا ونقابا يمنع النظر عن رؤية laquo;وجهraquo; هذه القضية!

لكن، وبصرف النظر عن أن تصريحات الوزير حسني تم تضخيم الجدل حولها وتحويلها الى laquo;أزمةraquo; سياسية عبرت حدود مصر، لنرى laquo;دعاةraquo; من الكويت والسعودية وغيرهما، يدلون بدلوهم، بل ولنرى امام مسجد في نيويورك يهاجم الوزير المصري، الامر الذي يشير الى وجود laquo;مناخraquo; باحث عن الازمات، ومقتات على هذا النوع من laquo;الانشغالاتraquo;، التي تبقي السخونة وlaquo;الطزاجةraquo; سارية في قضايا الهوية الاسلامية ووجوب الاستنفار المستمر للذب عنها، الامر الذي يبقي على حماة الهوية laquo;الاسلاميةraquo; فعالين ونشيطين وأسيادا للمشهد، فمن غيرهم يتقدم الصفوف ويمتشق سلاح الخطب والبيانات، اذا ما تم تهديد حمى الاسلام!

بصرف النظر عن كل هذه الملابسات والملاحظات، يبقى أن مشكلة المرأة الحقيقية، في تقديري، هي في تأزمنا وتورطنا بدورها وlaquo;تعريفهاraquo;، هل هي كائن مكتمل الحقوق والواجبات، هل وصلنا الى سوية ثقافية اجتماعية تجعلنا قابلين بشكل عفوي غير مستكره لأن تكون المرأة كائنا مكتملا، وطبيعي ، تفعل كل شيء يفعله الرجل في الحياة العامة، في حدود قدرتها الطبيعية، بدون ان نلقي عليها ضوابط ومعايير مطبوخة في مطبخ الرجل، ومفروضة على المرأة، ومحشورة في حلقها رغم انفها، للدرجة التي صرنا نرى فيها نساء يتحدثن بخطاب ذكوري حول المرأة، اقسى ربما من خطاب الرجل، كما نرى من النساء laquo;المتعلماتraquo; اللواتي يعززن فكرة عدم أهلية المرأة وعدم قدرتها على ممارسة العمل السياسي والعمل العام، نساء يناصرن هذا الطرح وهن متخرجات من جامعات امريكية وأوربية! لتصل الأزمة هنا الى حالة مأساوية من الهجوم على الذات!

لندع النقاش حول اختلافات الفقهاء حول الحجاب والنقاب، ولندع أيضا البحث حول الحجاب وسياقاته الاجتماعية والتاريخية وربما البيئية، وهو بالمناسبة بحث غني ومثير، ولنصوب النظر الى laquo;وضعيةraquo; النساء بشكل عام، بمن فيهن المتحجبات، في الحياة العامة، والسياسية منها على سبيل المثال.

في الانتخابات النيابية، التي انتهت هذين اليومين في البحرين، لم تفز امرأة واحدة، باستنثاء واحدة فازت laquo;بالتزكيةraquo; يعني بالصدفة تقريبا! وهو إخفاق في الوصول الى البرلمان يسجل مرة ثانية للمرأة البحرينية، المرة الاولى في انتخابات 2002 والثانية انتخابات 2006 الحالية؛ والملاحظة اللافتة، حسبما يذكر تقرير laquo;الشرق الاوسطraquo;، هو ان الاخفاق هذه المرة اكثر حدة، ففي الانتخابات السابقة تمكنت المرأة من الوصول إلى الدورة الثانية وكانت لها فرصة أكبر، وخسرت بفارق أصوات قليلة، اما الآن فانها لم تصل حتى للجولة الثانية، وهو ما يعني أنها خسرت بـlaquo;الضربة القاضيةraquo;، كما يقول التقرير. والمثير أيضا أنه إذا كان عدد المسجلين في قوائم الناخبين بالبحرين يصلون إلى 295 ألف ناخب، فإن أكثر من نصفهم بقليل، هم من الناخبين النساء، ومع ذلك لم تذهب اصوات هؤلاء النسوة لبنات جنسهن، والسبب بوضوح، هو أن الناخبات إما انهن مقيدات بتوجيهات laquo;أولياء أمورهنraquo; أو أنهن فعلا، وصلن الى حالة من laquo;المأساويةraquo; لدرجة الوقوف ضد قضيتها وذاتها وانجاح ولو واحدة منهن، ولا يقال لنا: لا تبالغوا، فربما أن المرأة في مجتمعاتنا تنتخب الأصلح في برنامجه، بغض النظر عن جنسه، إذ أن هذه درجة عالية من النضج الانتخابي والوعي السياسي لا أظن اننا قد نجحنا في الوصول اليها! وهذه الحالة في البحرين تكررت في الكويت في الانتخابات النيابية الاخيرة، التي كانت أول انتخابات تخاض بعد السماح للمرأة بحقي الترشيح والتصويت، ومع ذلك فقد كانت النتيجة: صفرا!

لماذا؟! لماذا المرأة ملغاة ككائن في المتن السياسي والاجتماعي في الحياة العامة لدينا؟ إذا كانت المشكلة، وهي مشكلة بالفعل، في بعض البلدان العربية، هي عدم وجود القوانين التي تتيح للمرأة ممارسة حقها السياسي، فلماذا حينما حصل هذا الحق في بلدان اخرى، ووجدت التشريعات، لم يتغير الأمر؟!

قد يقال ايضا: لا تستعجلوا، فالامر في أوله، والتجربة تحتاج الى وقت. لا نختلف على هذا، ونرجو ان تثمر التجربة ثمرا زاهيا لا ورقا يابسا، ولكن نحن اخترنا فقط ميدان الانتخابات النيابية، وإلا فلو رحنا الى مجالات اخرى، متاحة من قبل، مثل الانتخابات البلدية او الطلابية او النقابية، او حتى مجال وظائف العمل العام، لوجدنا نصيب المرأة العربية، لا الخليجية وحسب، هزيلا.

يوجد نساء وصلن لبعض المناصب المرموقة في العالم العربي، أيضا هذا صحيح، ولكننا نعرف أنهن في الغالب لم يصلن بروافع اجتماعية تحتية وحقيقية، بل برغبات سياسية عليا، وقرارات من فوق، كما حصل للقاضية البحرينية منى الكواري، التي عينها ملك البحرين قاضية في المحكمة المدنية الكبرى، لكنها، أعني المرأة البحرينية، لم تفلح وعبر دورتي انتخاب نيابي في الوصول الى البرلمان!

ونفس الشيء في قطر، فقد عينت امرأة عميدة لكلية الشريعة، ولكنها في العمل السياسي المفرز عن انتخابات شعبية، لم تصل الى شيء، وقل مثل ذلك عن الكويت، وسيكون نفس الشيء في الامارات، وطبعا، وبلا ريب، في السعودية.

إنها مشكلة حقيقية تتركز في تصحيح مسار، وإصلاح قضية المرأة برمتها، فكلنا مأزومون بها، وليس فقط التيارات الاصولية، بل المجتمع كله. كل شيء يمس مسألة المرأة يثير الجميع، وأذكّر بأزمة الدكتورة سعاد صالح، المرأة المتخصصة بالفقه الاسلامي، التي قالت قبل اسابيع، ان laquo;النقابraquo; ليس واجبا على المرأة، ولم تعرفه نساء الصحابة، فثارت ثائرة laquo;حماة المرأةraquo; ضد الدكتورة سعاد في مصر، لاحظوا! امرأة متخصصة في الفقه الاسلامي، وليس فاروق حسني الذي يتندر مهاجموه عليه بعدم اختصاصه بالفقه، المسألة ليست مسألة اختصاص او عدم اختصاص بالفقه، بل هي laquo;منعraquo; الحديث عن المرأة إلا وفق سقف محدد، وايضا أذكّر بمواقف واجتهادات الشيخ الازهري المرحوم عبد الحليم ابو شقة، في موسوعته الحافلة عن laquo;تحرير المرأة في عصر الرسالةraquo;، التي برهن فيها على أن المرأة كانت في العهد النبوي سافرة الوجه، مختلطة في المجتمع، وليس كما يراد لها الآن ان تكون من قبل البعض: معزولة، مشغولة ببضع قضايا لا تخرج عن شواغل الاسرة وربة البيت...

وكم كان مثيرا للعجب، أن نرى امرأة مثقفة، هي من سلالة عهد التنوير المصري الذهبي، اعني الدكتورة زينب رضوان وكيلة مجلس الامة المصري، التي دفع بها الحزب الحاكم لهذا الموقع ضد مرشح الاخوان، تقول حينما سئلت عن تعليقها على هجوم نواب حزبها على الوزير حسني، في تنافس سياسي واضح مع الاخوان.

وسئلت تحديدا عن شعورها عن ذلك وهي laquo;السافرةraquo; فقالت: laquo;إنهم كانوا يعبرون عن وجهة نظرهمraquo;. وعن البيانات التي أصدرها مثقفون وجمعيات حقوقية تنتقد أسلوب نواب البرلمان في مناقشة الآراء التي أعلنها الوزير حسني، قالت: laquo;كل واحد حر في رأيهraquo;. وعما إذا كانت قد شعرت بالحرج كونها غير محجبة قالت الدكتورة زينب: laquo;إن السفور لا يعتبر اتهاما، لأنك لا يمكنك أن تتهم الرجل غير المطربش بـlaquo;السفورraquo; لأنه لا يرتدي الطربوش!raquo;.

طبعا الجواب ينم عن حرج الوكيلة، وعدم قدرتها على الخروج بجواب يخلصها من هذه المشكلة، فجاءت بهذا الجواب laquo;المطربشraquo;، الذي لاعلاقة له بمحل السؤال.

هنا، يصبح الحديث عن أولية الاصلاح الاجتماعي والفكري والتربوي، حديثا محقا ومتقدما على كل شيء آخر، إذ أنه هو سيد الاصلاحات، ولعلنا نرى في قابل الايام: كيف سيكون موقف جماعة laquo;كفايةraquo; ودعاة المجتمع المدني الذين وقفوا في خندق واحد مع الاخوان في المعركة السياسية ضد النظام، وهم يرون حلفاءهم الاخوان يقودون الشارع والبرلمان والصحافة، ونواب الحزب الحاكم ايضا!، الى موقف يتعارض مع موقفهم التنويري في مسألة المرأة ـ او هكذا نفترض ـ فماذا سيفعلون؟!

المرأة.. المرأة، عنوان كبير من عناوين الاصلاح العميق والحقيقي في المجتمعات العربية والمسلمة.. فمتى ستنجز هذه المهمة الكبرى؟


[email protected]