الأربعاء 06 ديسمبر2006


صلاح الدين حافظ


ديمقراطية لبنانrlm;,rlm; التي تتلاعب بها الرؤوس الساخنة هذه الأيامrlm;,rlm; هل تقدم لنا دليلا صحيا علي مزايا الحريةrlm;,rlm; أم علي العكس تعطينا درسا مضاداrlm;,rlm; يستغله المستغلون لاجهاض الحلم الديمقراطي في العالم العربي بأكملهrlm;..rlm; يستغلونه ضدها وضدناrlm;!!rlm;

بداية أرجو ألا يغضب منا اللبنانيون هذه المرة أيضاrlm;,rlm; لأننا نحن الذين نغضب منهم ونغضب لهم وعليهمrlm;,rlm; لأنهم ببساطة لم يحافظوا لنا ولأنفسهمrlm;,rlm; علي لبنان المأمولrlm;,rlm; نموذجا لديمقراطية حقيقية وفريدة في صحراء الاستبدادrlm;..rlm; نحن نعجب بالديمقراطية اللبنانيةrlm;,rlm; لكننا نخاف عليها من ممارساتها الراهنةrlm;,rlm; وننكر علي اللبنانيين المنقسمين علي أنفسهمrlm;,rlm; ما يفعلونه الآنrlm;,rlm; بتحويل النموذج الديمقراطيrlm;,rlm; الي نموذج للصراع والانقسامrlm;,rlm; الذي قد يقود الي التقسيم علي أسس طائفيةrlm;,rlm; وكأن نموذج العراق وفق الديمقراطية الأمريكية لايكفيrlm;!rlm;

وما يفعله الفرقاء اللبنانيون اليوم يصدمنا مرتينrlm;,rlm; مرة بانقضاضهم علي الممارسة الديمقراطية بهذا الشكل العصبي واجهاضهم للحلم العربيrlm;,rlm; ومرة ثانية بتقديمهم مبررا للاستبداد العربي لكي يستمر في استبدادهrlm;,rlm; حين يقول لناrlm;,rlm; أليست هذه هي الديمقراطية اللبنانية التي كنتم تتفاخرون بهاrlm;,rlm; انظروا كيف فعلت بلبنانrlm;,rlm; وكيف جرته إلي الانفلات والفوضي الصارخةrlm;!rlm;؟

من هنا يأتي عتابنا علي اللبنانيينrlm;,rlm; وخوفنا علي نموذجهم الفريد وسط الأنواء التي تعصف به وبناrlm;,rlm; حين ننظر بجزع شديد وحزن كبيرrlm;,rlm; لارتداد لبنان إلي الحضن الدافئ للشمولية العربيةrlm;,rlm; القائمة تقليديا علي قاعدة الديكتاتور الأوحدrlm;,rlm; فإذا بديمقراطية لبنان تتمزق علي قواعد العديد من الديكتاتوريينrlm;,rlm; ملوك الطوائفrlm;,rlm; في فسيفساء هشة ملونةrlm;,rlm; تضمrlm;18rlm; طائفة وارثة لكل أمراض حكم القبيلة وموروثاتها في الحكمrlm;!rlm;

لبنان يغرق في أمواج حرب المظاهرات والاعتصاماتrlm;,rlm; وهي أمواج يراها البعض تعبيرا حقيقيا عن الحريةrlm;,rlm; حرية التظاهر وحرية التعبيرrlm;,rlm; وحرية تغيير النظم والحكومات عبر الشارعrlm;,rlm; ويراها البعض الآخر انقلابا علي الديمقراطية وتجنيدا للشارع الغوغائي لكي يحكم المستفيدون فوق جثة الدستورrlm;!rlm;

غير أننا لايجب الاكتفاء بنظرة سطحية أو عابرةrlm;,rlm; إلي ديمقراطية التظاهرrlm;,rlm; لنحكم علي الديمقراطية اللبنانيةrlm;,rlm; التي ظلت علي مدي نحو ستين عاما هي عمر الاستقلالrlm;,rlm; رئة للحرية العربيةrlm;,rlm; ونموذجا للتوافق العرقي والطائفي والسياسي أيضاrlm;,rlm; يقوم علي تعايش مشترك من ناحيةrlm;,rlm; وعلي ضمانات خارجية عربية ودولية من ناحية أخريrlm;..rlm;

بل يجب أن نتفحصها عبر منظور أعمقrlm;..rlm; إذ أنها ديمقراطية قامت منذ الاستقلال وحتي اليومrlm;,rlm; علي قاعدة تقاسم المغانم والمصالحrlm;,rlm; وعلي توازن القوي وتوزيع المناصبrlm;,rlm; بين الطوائف الكثيرة التي تضم المسلمين والمسيحيينrlm;,rlm; والسنة والشيعة والدروزrlm;,rlm; والموارنة والارثوذكس وغيرهمrlm;,rlm; وهي قاعدة كما نري لم تسمح لهذه الطوائفrlm;,rlm; عبر الممارسة وبمضي السنينrlm;,rlm; بالاندماج في نسيج وطني متعايش تغلب مصالحه وأهدافه العليا علي مصالح طوائفهrlm;!rlm;

ومايجري اليوم هو ترجمة حرفية لسلبيات التقاسم الطائفي باسم الديمقراطيةrlm;,rlm; الذي أصبح بديلا للوحدة الوطنيةrlm;,rlm; وتغليبا لوحدة الطائفة ومصالحهاrlm;,rlm; علي وحدة الوطنrlm;,rlm; وإعلاء مصالح ابن الطائفة علي مفهوم المواطنة الأشمل والأعمrlm;,rlm; وهي تركيبة تصطدم بالصخر الناريrlm;,rlm; عند أول اختلافrlm;,rlm; وقد رأينا ذلك كثيراrlm;,rlm; رغم أن معظم المفسرين اللبنانيين خصوصاrlm;,rlm; يرونها نموذجا ناجحا للتعايش الطائفيrlm;,rlm; في حين تثبت التجربة بعد الأخري أنها عوقت فكرة الوطن الواحد الحافظ لحق المواطنةrlm;...rlm;
rlm;
***rlm;
وحين نتأمل مايجري في الشارع اللبناني هذه الأيامrlm;,rlm; من صراع المظاهرات الطافي علي سطح التطوراتrlm;,rlm; نجد صورة يختلف عليها كثيرون ويحار فيها العرب والعجمrlm;,rlm; إذ أن مظاهرات الشارع التي تمارس حرية التعبير عن قوي سياسية وطائفيةrlm;,rlm; كانت هي التي أسقطت في العام الماضيrlm;,rlm; حكومة الرئيس عمر كراميrlm;,rlm; وجاءت بحكومة الرئيس فؤاد السنيورةrlm;,rlm; والتي حاصرت نفوذ رئيس الجمهورية إميل لحود وشرعيته داخل قصر بعبدا فقطrlm;,rlm; وهي التي أدانت سوريا بقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الأمر الذي ساهم في إجبار سوريا علي سحب قواتها نحوrlm;35rlm; ألف جندي من لبنانrlm;,rlm; بعد عقود ثلاثة تقريبا من وجودها هناك بقرار عربيrlm;.rlm;

الآن انقلبت الآيةrlm;,rlm; حيث مظاهرات الشارع هذه الأيام هي التي تحاصر حكومة السنيورة لاسقاطها وهي التي تنزع عنها الشرعيةrlm;,rlm; وهي التي تعطل المؤسسات بمافيها البرلمانrlm;,rlm; وهي بالتالي المتهمة من حكومة السنيورة وحلفائها الكثيرينrlm;,rlm; بأنها تنقلب علي الشرعية وتخرق الدستور وتدمر الديمقراطيةrlm;..rlm;

ولم يكن ليحدث هذا الانقسام لولا مساندة من خارج الحدود علي الناحيتينrlm;,rlm; إذ أن تحالفrlm;14rlm; آذار ـ مارسrlm;,rlm; الذي يضم جماعات النائب سعد الحريريrlm;(rlm; سنيrlm;)rlm; والنائب وليد جنبلاطrlm;(rlm; درزيrlm;)rlm; وسمير جعجعrlm;(rlm; مارونيrlm;)rlm; وغيرهمrlm;,rlm; متهم بأنه يستمد شرعية وجوده في الحكم عبر رئيس الوزارة فؤاد السنيورةrlm;(rlm; سنيrlm;),rlm; من الدعم الأمريكي الفرنسيrlm;,rlm; ناهيك عن الرضا الاسرائيليrlm;..rlm;

بينما تحالف المعارضة المضادrlm;,rlm; الذي يضم حزب الله بزعامة حسن نصر اللهrlm;(rlm; شيعيrlm;)rlm; وميشيل عونrlm;(rlm; مارونيrlm;)rlm; ونبيه بريrlm;(rlm; شيعيrlm;)rlm; وعمر كراميrlm;(rlm; سنيrlm;)rlm; وغيرهمrlm;,rlm; متهم هو الآخر بأنه يستند الي النفوذ السوري الإيرانيrlm;,rlm; وبالتالي فإن النموذج الديمقراطي اللبنانيrlm;,rlm; ومصير لبنان كله قد سقط فريسة الاستقطاب الحادrlm;,rlm; بين التحالف الأمريكي الأوروبي من ناحيةrlm;,rlm; والتحالف السوري الايراني من ناحيةrlm;,rlm; وأصبح الشارع اللبناني ساحة لممارسة صراع القوي بين هذا وذاكrlm;,rlm; من خلال الأطراف الطائفية المحليةrlm;,rlm; بينما العرب بكل دولهم وطوائفهم غائبون مغيبونrlm;,rlm; ربما ابتعادا عن الصداع والصراعrlm;,rlm; وربما رغبة محمومة لوأد الديمقراطية اللبنانيةrlm;,rlm; التي تعدي وتنشر العدوي بفيروساتها المتطايرةrlm;!rlm;

ولقد أدي الفشل في تحويل التعايش الطائفيrlm;,rlm; إلي وحدة وطنية مندمجة تكفل حق المواطنة للجميع علي أسس من العدل والانصافrlm;,rlm; جنبا إلي جنب التدخل الخارجيrlm;,rlm; الاقليمي والدوليrlm;,rlm; إلي تحويل لبنان من بوتقة للحريات ونموذج للديمقراطية المعديةrlm;,rlm; إلي ساحة مفتوحة لصراعات القوي الداخلية والخارجية علي السواءrlm;,rlm; يحكمها العنف وقوة السلاحrlm;,rlm; أكثر مما يحكمها القانون وشرعية النظام الدستوري السليمrlm;..rlm;

وحين نستعرض تاريخ العقود الستة منذ الاستقلال اللبنانيrlm;,rlm; نلاحظ أن العنف واللجوء للسلاحrlm;,rlm; هو الذي سادrlm;,rlm; بل هو الذي حكم ويحكم التوازنrlm;,rlm; أو عدم التوازن بين الطوائفrlm;,rlm; بعد أن تلقي المدد والمساندة من خارج الحدودrlm;,rlm; ولم تكن الحرب الأهلية الضروسrlm;,rlm; التي اندلعت في منتصف السبعينيات واستمرتrlm;17rlm; عاما من القتل علي الهويةrlm;,rlm; سوي احدي التجليات ولم يكن اغتيال رئيسين للجمهورية بصورة متتاليةrlm;(rlm; بشير الجميل ثم رينيه معوضrlm;)rlm; وهما من الموارنةrlm;,rlm; واغتيال رئيسين للوزراءrlm;(rlm; رشيد كرامي ثم رفيق الحريريrlm;)rlm; وهما من السنةrlm;,rlm; فضلا علي اغتيال عشرات من السياسيين والصحفيين والمثقفينrlm;,rlm; دون المساس بنانسي عجرم وهيفاء وهبيrlm;,rlm; سوي اضافة لهذه التجليات المفزعةrlm;,rlm; التي تضيف للنار وقودا حارقا بالتفجيرات المدمرةrlm;!rlm;

ولايكفي هنا أن نلقي العبء كله علي التدخل الخارجيrlm;,rlm; سوريا وإيرانيا كانrlm;,rlm; أو أمريكيا وفرنسيا واسرائيلياrlm;,rlm; رغم الاعتراف بثقل هذا التدخل وتأثيراتهrlm;,rlm; لكننا نعتقد أن العبء الحقيقي تتحمله الطوائف اللبنانيةrlm;,rlm; التي تقاتل للاحتفاظ بهويتها ومصالحها وامتيازاتهاrlm;,rlm; والتي مازالت تفضل الاستقلالية الطائفية علي الوحدة الوطنيةrlm;,rlm; والتي تتمرس بأسلحتها خلف مواقعها السياسية والجغرافيةrlm;,rlm; وتسعي دوما للاستعانة بظهير ونصير من خارج الحدودrlm;.rlm;
rlm;
***rlm;
وفي حين تتفاخر هذه الطوائف المتمترسة في خنادقهاrlm;,rlm; بأنها بنت نموذج الديمقراطية اللبنانيةrlm;,rlm; علي قاعدة التعايش والتوافق وعلي قاعدة التقاسمrlm;,rlm; تقاسم المصالح والمناصب والثرواتrlm;,rlm; فإننا نعتقد أن هذا بالضبط هو سبب سقوط الديمقراطية اللبنانية في فخ العنف والاقتتال المتوالي واللجوء الي السلاح كلما لاح خلاف في الأفقrlm;,rlm; وكلما انطلقت حرب المماحكات والاحتكاكاتrlm;,rlm; مؤذنة بحرب المظاهرات والاعتصامات فالانقلاباتrlm;!!rlm;

وقد كانت الفرصة التاريخية متاحة أمام التجربة اللبنانيةrlm;,rlm; لتحقيق انجاز الوحدة الوطنية علي قاعدة حق المواطنة المتساويةrlm;,rlm; حين تعرضت للعدوان الاسرائيليrlm;,rlm; وخاضت ضده مقاومة باسلة في ثلاث حالات مشهودةrlm;,rlm; أولاها حين غزت إسرائيل لبنان عامrlm;1982,rlm; وثانيتها حين أجبرت المقاومة الوطنية إسرائيل علي الانسحاب من جنوب لبنان عامrlm;2000,rlm; وثالثتها حين تمكنت المقاومة ممثلة في حزب الله من الصمود علي مديrlm;33rlm; يوما أمام الهجوم العدواني الإسرائيلي هذا العامrlm;,rlm; فأعادته منكسرا إلي ما وراء الحدودrlm;!rlm;

لكن للغرابةrlm;,rlm; حول فرقاء الطوائفrlm;,rlm; هذه الفرص التاريخيةrlm;,rlm; الي وليمة لاقتسام المغانم من ناحيةrlm;,rlm; وللهروب من المغارم من ناحية أخريrlm;,rlm; وراح كل فريق يفرض شروطه علي الآخرينrlm;,rlm; مرة عاشرة استنادا الي دعم وتشجيع خارجيrlm;,rlm; وأصبح لبنان مقسما بين الموالي والمعارضrlm;,rlm; وأصيبت المؤسسات السياسية والاقتصادية بالشللrlm;,rlm; فاتحة الباب لمزيد من التدخل الخارجي لانقاذ المواقفrlm;,rlm; أو ربما لانقلاب عسكري لحماية البلد من الفوضيrlm;!!rlm;

من هنا يأتي غضبنا من اللبنانيين وعليهمrlm;,rlm; فقد حرمونا حتي من الحلم الديمقراطي الحقيقيrlm;,rlm; وأغلقوا أمامنا آخر باب للأمل في أن تتأسي النظم العربية المستبدةrlm;,rlm; بالديمقراطية اللبنانيةrlm;,rlm; بعد أن قدموا لهذه النظم كل المبررات لكي تبقي علي حالها من الفساد والاستبدادrlm;,rlm; مستفيدة من إجهاض الطوائف للتجربة الديمقراطية العربية الفريدةrlm;!!rlm;

المؤكد ان لبنان ستهدأ ساحاتها المضطربةrlm;,rlm; غدا أو بعد غدrlm;,rlm; بمبادرة داخليةrlm;,rlm; أو بتدخل خارجيrlm;,rlm; لكن الخوف كل الخوف أن تعود الطوائف الي تعايشها الهشrlm;,rlm; علي حساب وحدة الوطن وقوة الدولةrlm;,rlm; وان يعود ملوك الطوائف الي سيرتهم الأوليrlm;,rlm; محتمين بالسلاح خلف المتاريس العشائرية والقبليةrlm;,rlm; دفاعا عن قوة الطائفةrlm;,rlm; لا عن وحدة الدولةrlm;...rlm;

فليتفهمنا الفرقاء اللبنانيون إن قلنا انهم خذلوناrlm;,rlm; في وقت كنا ننتظر منهم أن يساندونا في التقدم نحو الديمقراطية الحقيقيةrlm;!rlm;
rlm;
***rlm;
rlm;**rlm; خير الكلامrlm;:rlm;

يقول الشاعر اللبناني خليل مطرانrlm;:rlm;
اخمدوا الأنفاس هذا جهدكم
وبه منجاتنا منكم فشكراrlm;..rlm;