الأربعاء13 ديسمبر2006

خالص جلبي

في الواقع لقد أعدم صدام بحكم التاريخ، ويبقى الدفن البيولوجي. وأنا شخصياً تمنيت أن يعامل مثل ميلوسوفيتش فيحكم بالمؤبد، حتى يودع العراق حكم الدم، ولكنه العراق أرض الدم والانتقام منذ أيام الحجاج.

وأكبر عجبي كان من احتشاد القانونيين العرب للدفاع عن صدام، ما يذكرنا بقصة السامري من قوم موسى، فقد جعل لهم عجلاً جسداً له خوار، فقال هذا إلهكم وإله موسى فنسي. وكذلك فعل القانونيون العرب في عجل صدام، ويبدو أن quot;الظاهرة الصداميةquot; ثقافة، كما ذكر القرآن عن العجل: quot;وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم، قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنينquot;.
مع هذا فنهاية صدام ضبابية أمام نهاية قادة مستبدين آخرين في العالم العربي وخارجه، وفي القرآن تأتي النهاية مرعبة لطائفة حين يقطع دابرهم، كما حدثني جودت سعيد عن نهاية الملك فاروق في مصر، فقد قرأ الناس الآية وكأنها تتنزل للتو، quot;فقطع دابر القوم الذين ظلموا وقيل الحمد لله رب العالمينquot;، ولكن المصيبة الناصرية بعد ذلك، ومثلها quot;البعثquot; السوري والعراقي، جعلت الناس تترحم على فاروق وإليزابيث وكلمنصو... وهذا من أعظم الفتن والعبر!
هناك تفاوتات في نهاية المستبدين، quot;فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا. وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمونquot;. هكذا يرسو مصير بعضهم بين طلقة في الرأس مع جرعة quot;سيانيدquot; في انتحار مضاعف، كما انتهى هتلر وعشيقته إيفا براون، وبين مصير فرعون الذي غرق في اليم هو وجنوده أجمعين، أو الإمبراطور الروماني (دوميتيان) الذي قتل مع 14 من أهل بيته دفعة واحدة طعناً بالخناجر، وتشاوسيسكو الذي أعدم بين طرفة عين وانتباهتها..! لقد تنوع مصيرهم جميعاً بين من دارت عليه الدائرة بعد طول جبروت، ليعلق في ساحة عامة، كما حصل لـ(موسوليني) وعشيقته (كلارا بيتاتشي)، أو إمبراطور الحبشة (هيلا سيلاسي) الذي أودع دورة المياه وردم فوقه بالإسمنت المسلح!
والآن مع الحكم بالإعدام على صدام، نرى بعض أشباهه وهم يدفعون الجزية في كراس مترنحة، وقد حافظ عليهم الغرب ليكون مجرد مثل أو عبرة للعرب، كما يحافظ على بعض الأنواع المنقرضة.
هكذا فالتاريخ يفاجئنا بصورة مبتسرة، بل وأحياناً مقلوبة الظل، حيث مات (ستالين) بكل طغيانه وعنفوانه وشيع في جنازة مهيبة. ومات (فرانكو) طاغية إسبانيا مكرماً، ووضع جثمانه في ضريح عظيم على سفح جبل، فوقه أكبر صليب في العالم! أما (لينين) فمات وهو يرسل الناس إلى الموت بإشارة وكلمة! التاريخ إذن يظهر صورتين متباينتين: طغاة يَقتلون ويُقتلون مثل صدام وميلوسوفيتش، وطغاة يَقتلون ويُحملون على محفة عسكرية بكل مظاهر التكريم إلى قبورهم مثل بول بوت وستالين...
وعلى العكس من ذلك نرى نهاية بعض العلماء والفلاسفة الذين عذبوا وشردوا وقتلوا بدون قبر؛ فـ(سقراط) انتهى بتجرع سم الشوكران. وطعن (سبينوزا) بسكين في رقبته، وأحرق (جيوردانو برونو) في ساحة عامة. وحبس (ابن تيمية) حتى الموت في سجن القلعة بدمشق. ونحر (سعيد بن جبير) بين يدي الحجاج وهو يشخب في دمه ويصيح الحجاج: بل أنت شقي بن كسير!
الصورة كما نرى ضبابية، فبقدر النهاية التي تحمل العبرة في سقوط الجبارين، وأن الكبرياء سبقت السقوط دوماً، بقدر نجاة الكثير من الطغاة بجلودهم في عزة وشقاق. أو بمصرع كثير من المصلحين حرقاً أو ضرباً بالرصاص أو صلباً؛ مثل سبارتاكوس، أو شنقاً مثل سيد قطب والمعمم الأزهري يقول له انطق بالتوحيد، والرجل أمضى حياته في شرح التوحيد!