الخميس 14 ديسمبر2006

وارين هوج - نيويورك تايمز

الطريقة التي حصل بها quot;بان كي مونquot;، الأمين العام الجديد للأمم المتحدة على منصبه لا تخطر على بال أحد ولا تعكس ما يعرف عن الرجل من أدائه المتميز، وتفانيه في العمل، فضلاً عن ترقيته المتواصلة في السلم الوظيفي. فقبل النجاح الذي رافقه طيلة مشواره المهني تعرض quot;بان كي مونquot; للطرد من وظيفته الدبلوماسية موضحاً ذلك بقوله quot;لقد فقدت عملي لأول مرة في حياتيquot;. والأسوأ من ذلك أن الهفوة المهنية التي أطاحت به من منصبه كدبلوماسي رفيع في وزارة خارجية كوريا الجنوبية اضطرت رئيس البلاد وقتها quot;كيم داي يونجquot; إلى الاعتذار أمام الملأ. والخطأ الذي ارتكبه quot;كي مونquot; وكانت له هذه العواقب الوخيمة تمثل في تركه لإشارة إيجابية عن معاهدة منع الصواريخ الباليستية في بيان مشترك مع روسيا في وقت قررت فيه إدارة الرئيس بوش إلغاء المعاهدة. ويتذكر quot;بان كي مونquot; ساخراً: quot;عليكم أن تعرفوا الأثر السياسي الذي يخلفه اعتذار أمام الملأ في الدول الآسيويةquot;.
لكن سرعان ما انفرجت أزمة quot;بان كي مونquot; وتحولت إلى نعمة سيظل مديناً لها طيلة حياته. فبينما كان ينتظر في سيئول ليتم نقله إلى إحدى السفارات البعيدة عقاباً له على خطئه تلقى اتصالاً من quot;هان سيونج سوquot;، رئيس الجمعية العامة لعام 2001 ليقترح عليه المجيء إلى الأمم المتحدة، وتولي منصب كبير موظفيه في المنظمة الأممية. ويقول quot;بان كي مونquot; في هذا السياق quot;لو كنت انتظرت ليتم تعييني في إحدى السفارات لما تسنى لي أن أصبح أميناً عاماً للأمم المتحدةquot;. ويتضح هذا الانقلاب اللافت في الأقدار التي وقفت إلى جانب quot;كي مونquot; يوم الخميس المقبل عندما سيؤدي رسمياً القسم ليصبح ثامن أمين عام للأمم المتحدة. وسيتولى المنصب رسمياً في الأول من شهر يناير المقبل، ليخلف كوفي عنان الذي سينهي ولايته الثانية في 31 ديسمبر الجاري. وquot;كي مونquot; بابتسامته الرائقة وسلوكه المهذب البالغ من العمر 62 عاماً ليس وجهاً معروفاً في أروقة الأمم المتحدة مقارنة مع الدبلوماسي البارز كوفي عنان. وباستثناء الخطأ الذي ارتكبه في 2001 تميز المشوار المهني لـquot;بان كي مونquot; بالتفاني في العمل يشهد على ذلك ترقيه التدريجي في وزارة الخارجية بكوريا الجنوبية، حيث أمضى أكثر من 37 عاماً.
وبالإضافة إلى قدرته الكبيرة على العمل المتواصل وتحقيق النتائج يتميز quot;بان كي مونquot; بطبيعة مراوغة لا سيما في إبداء آرائه أمام وسائل الإعلام التي قد تكون وسيلة متعمدة لتجنب الإحراج، أو إثارة استياء الآخرين. ويوضح quot;كي مونquot; هذا الموقف بقوله quot;عندما كنت مستشاراً لشؤون السياسة الخارجية للرئيس quot;رو مو هيانquot;، لاحظت أن الجميع كانوا يثيرون الجدل بسبب تصريحاتهم للصحافة، لذا كنت أتجنب الأسئلة التي تنطوي على خدع وتريد الإيقاع بالدبلوماسي. فقد كان الصحفيون يطلقون علي quot;السمكة اللزجةquot; لصعوبة الإمساك بيquot;. ولأن quot;كي مونquot; رجل يقدر روح الجماعة، ويدين بالولاء لرؤسائه فقد وجه في أحد المرات 120 خطاباً اعتذارياً، كتبها بخط اليد إلى زملاء له في وزارة الخارجية أكثر منه في الرتبة بعدما تمت ترقيته قبلهم، وهو يقول في هذا الصدد: quot;لقد كانوا ممتنين جداً للحركة التي قمت بها، حيث استطعت التخفيف من الشعور بالمرارة الذي كان يحس به زملائي الأكبر مني في السلم الوظيفيquot;.
غير أن إصراره على عدم إثارة حفيظة زملائه ضده، وتشديده طيلة الشهور السابقة، التي كان يخوض فيها حملته للأمانة العامة أثار بعض الشكوك حول مدى صلاحيته للمنصب. فكيف يمكن لشخص يتجنب الصدام ويؤثر عدم الظهور أمام الملأ قيادة منظمة أممية بصدد إجراء إصلاحات جوهرية، ويميزها التنافس الحاد بين أطرافها، فضلاً عن المطالب الكثيرة والمتباينة أحياناً التي تخضع لها سواء من قبل قوى العالمية، أو الدول النامية؟ وفي معرض رده على هذه المخاوف طالب quot;كي مونquot; في خطاب القبول أمام الجمعية العامة في 13 أكتوبر الماضي الأطراف المعنية في الأمم المتحدة بالنظر إلى سلوكه المتواضع على أنه صفة أخلاقية، وبأن لا يساء فهمه على أنه يفتقر إلى الحزم في اتخاذ القرارات، قائلاً quot;إن التواضع مرتبط بالسلوك، وليس بالرؤية، أو الأهداف العامة ولا يعني ذلك أبداً الافتقار إلى الالتزام، أو صفات القيادةquot;. وقد ركز quot;كي مونquot; خلال حملته على دوره باعتباره quot;بانٍ للجسور والتوافقاتquot; يسعى إلى تبديد أجواء عدم الثقة السائدة في الأمم المتحدة.
ويُشار إلى أنه مع كل ترشيح جديد لمنصب الأمين العام، تطرح أسئلة حول ما إذا كان الشخص سوف يكتفي بدوره الإداري البارز على رأس الأمم المتحدة، أم أنه سيكون قائداً يسعى إلى دور أكبر. وبالنسبة لـquot;جون بولتونquot;، المبعوث الأميركي لدى الأمم المتحدة الذي سيغادر منصبه قريباً عقب استقالته، لا يوجد أدنى شك فيما تطمح إليه الولايات المتحدة من الأمين العام الجديد الذي دعمته واشنطن بقوة. فقد صرح quot;جون بولتوquot;ن بأن ميثاق الأمم المتحدة واضح بشأن تحديد دور الأمين العام الذي لا يخرج عن كونه quot;كبير الموظفين الإداريين في الأمم المتحدةquot;.
ولد quot;بان كي مونquot; في 13 يونيو 1944 في إحدى القرى الزراعية بكوريا الجنوبية، التي كانت وقتها خاضعة للاحتلال الياباني. وعندما فقد والده التجارة التي كان يتكسب منها بسبب الإفلاس أمضى quot;كي مونquot; سنواته الأولى في السلك الدبلوماسي يختار الأماكن التي سيخدم فيها وتمكنه من ادخار بعض المال لبعثه إلى أسرته. وفي 1962 قام quot;كي مونquot; الذي كان مازال وقتها طالباً بزيارته الأولى إلى أميركا، بعدما فاز بمسابقة في اللغة الإنجليزية رعاها الصليب الأحمر، حيث التقى بالرئيس quot;جون كينيديquot; بالبيت الأبيض، وهو ما حفزه لاختيار طريق الدبلوماسية في مشواره المهني. وعندما يسأل quot;كي مونquot; عن هواياته التي يمارسها خارج أوقات العمل يجيب الأمين العام الجديد قائلاً quot;إنه سؤال يصعب علي الإجابة عنه، إني أنظر إلى حياتي الماضية وأتحسر أني لم أستطع تنمية هوايات في أوقات الفراغ مثل التنس، أو كرة القدمquot;.

مراسل quot;نيويورك تايمزquot; في الأمم المتحدة