الثلاثاء 26 ديسمبر2006

جاكسون ديلـ واشنطن بوست

بدأ العام الحالي بما عرف بأزمة الطاقة الأوروبية وذلك عندما قامت روسيا بقطع إمدادات الغاز لأوكرانيا بسبب تولي حكومة ليست على هوى quot;فلاديمير بوتينquot; لمقاليد الحكم هناك. ونظراً لأن إمدادات الغاز لأوروبا تمر عبر أوكرانيا فإن تأثير تلك الأزمة كان محسوساً في باريس وفيينا وروما، حيث أدرك الأوروبيون فجأة أنهم يعتمدون في توفير احتياجاتهم من الطاقة والدفء على دولة لديها الاستعداد لاستخدام الطاقة كأداة لتحقيق أغراض إمبريالية.

وعلى ما يبدو أن العام سينتهي بمثل ما ابتدأ به حيث نرى الآن أن جورجيا وأذربيجان -وهما دولتان جارتان لروسيا اختارتا عدم الخضوع لمشيئة فلاديمير بوتين- تهرولان لتأمين احتياجاتهما من الغاز قبل الأول من يناير لتعويض القرار الروسي بخفض الإمدادات، أو لتجنب الزيادات الباهظة في الأسعار.

وينطبق هذا أيضاً -وهو ما يدعو للدهشة- في الحقيقة على

روسيا البيضاء وهي من الدول التي ظلت حتى الآن موالية لموسكو، غير أنها جرؤت مؤخراً على عدم الامتثال لطلب من الكرملين بنقل ملكية خط غاز رئيسي يمر بأراضيها إلى روسيا.

علاوة على ذلك، نجد أيضاً أن شركات الطاقة الغربية التي تستثمر في روسيا وجدت نفسها في الآونة الأخيرة ضحية لحملة quot;بلطجةquot; روسية فجة لإجبارها على التخلي عن ملكية الحصة الأكبر من الأسهم التي تملكها في مشروع استثمار الغاز والبترول لشركات ومؤسسات يتحكم فيها الكرملين. وسيكون من السار أن نسمع خلال الشهور القادمة أن الحكومات الأوروبية الغربية قد اتخذت الخطوات التي تضمن أن روسيا التي تقوم بتوريد نسبة تتراوح ما بين 30 في المئة من احتياجات دولها من الغاز، ونسبة كبيرة من احتياجاتها النفطية،وبالتالي لن تكون موسكو قادرة على استخدام إمدادات الطاقة كأداة للابتزاز السياسي والاقتصادي. هذا ما نتمناه ولكن الحقيقة هي أن ما يحدث في الواقع عكس ذلك، وهذا ما يرجع للأسف إلى حقيقة أنه على الرغم من أن موضوع quot;أمن الطاقةquot; كان دوماً من موضوعات المناقشة المفضلة في قمم الاتحاد الأوروبي والقمم الأطلسية، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي خطوات عملية بشأنه حتى الآن.

يرجع السبب في ذلك إلى أن إيجاد حل لهذه المشكلة ليس بالأمر الميسور.. لماذا؟ لأن إضعاف القبضة الروسية على إمدادات الطاقة لأوروبا يتطلب اتخاذ إجراءات صعبة، والقيام بعمليات مكلفة منها على سبيل المثال بناء محطات جديدة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، أو مد خطوط أنابيب لنقل البترول والغاز من آسيا الوسطى والقوقاز إلى أوروبا.

وهناك مشكلة أخرى تقع مسؤوليتها الأساسية على الاتحاد الأوروبي وتتمثل في فشل دول الاتحاد على الاتفاق على استراتيجية طاقة موحدة، أو حتى على سياسة موحدة للتعامل مع العدوانية المتزايدة التي أصبحت السياسات الروسية تتسم بها. بعض الساسة مثل وزير الخارجية الألمانيquot; فرانك- والتر شتاينمايرquot; يقترح صوغ سياسة جديدة تقوم على التقارب مع روسيا، ويتم من خلالها إغراؤها بتحقيق المزيد من التعاون مع أووربا، وتتضمن أيضاً القيام بتقديم عروض للشراكة الاقتصادية والاستراتيجية معها. في نفس الوقت نجد هناك ساسة آخرين يرفضون رفضاً باتاً تجديد المعاهدة الاقتصادية الموشكة على الانتهاء مع روسيا، ما لم تقم الأخيرة بإيقاف المحاولات التي تقوم بها لاستغلال إمدادات الطاقة لأوروبا كأداة سياسية.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة من الدول المعنية بهذا الموضوع، إلا أنها كانت غائبة في معظم الأحيان عن المناقشات التي تدور حوله. وهذا ما يدفعني للقول إن الكلمة الأخيرة التي ألقاها quot;ريتشارد لوجارquot; السيناتور quot;الجمهوريquot; عن ولاية إنديانا، والرئيس المنصرف للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، كانت لافتة للنظر. ومن المعروف أن quot;لوجارquot; كان هو راعي أكثر المبادرات الأميركية من ناحية بُعد النظر فيما يتعلق بالتعامل مع الدول التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي السابق ومن أشهرها quot;برنامج نان- لوجارquot; الخاص بتأمين وتفكيك الأسلحة والمواد النووية التي كانت موجودة في هذه الدول.

في تلك الكلمة التي ألقاها أمام أعضاء مؤتمر صندوق مارشال الألماني الذي عقد على هامش قمة quot;الناتوquot; الأخيرة في العاصمة اللاتفية quot;ريجاquot; دعا quot;لوجارquot; إلى ضرورة قيام حلف quot;الناتوquot; رسمياً بتبني quot;سياسة لأمن الطاقةquot;، واعتبار هذه السياسة واحدة من مهامه المركزية. وقال quot;لوجارquot; في معرض تناوله لهذه النقطة: quot;لقد اعتاد الناتو أن يفكر في الحروب التقليدية التي تندلع بين الدول، ولكن يجب ألا يغيب عن باله أن الطاقة أيضاً يمكن أن تكون سلاحاً من الأسلحة التي تختار إحدى الدول استخدامها ضد دول أخرى من أجل تحقيق أهدافهاquot;.

وأضاف quot;لوجارquot; في كلمته المهمة quot;إن قطع إمدادات الطاقة في ذروة فصل الشتاء في أوروبا يمكن أن يؤدي إلى حدوث خسائر بشرية واقتصادية تقترب من تلك التي قد تتعرض لها أوروبا في حالة شن هجوم عسكري عليهاquot;. وأشار quot;لوجارquot; إلى أن الناتو قد اعتاد إجراء تمارين ومناورات للاستعداد للتحديات اللوجستية والتموينية التي يواجهها في حالة تعرضه لهجوم سوفييتي، وأنه يتوجب عليه الآن أن يقوم بإجراء تمارين على كيفية تقديم العون لدولة أوروبية في حالة تعرضها لقطع إمدادات الطاقة عنها في عملية ابتزاز جيو-استراتيجية.

ونحن نتفق مع دعوة quot;لوجارquot; لأن تهديد الطاقة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالغرض الأساسي الذي من أجله تم إنشاء الحلف وهو quot;الدفاع عن أوروبا الغربية ضد أي هجوم تقوم به قوة أوتوقراطية عدوانية على الجبهة الشرقيةquot;.

وكما أشار quot;لوجارquot; فإن: quot;استخدام الطاقة كسلاح صريح لا يمثل تهديداً نظرياً من تهديدات المستقبل.. وإنما هو تهديد يتجسد أمام أوروبا الآنquot;.