الثلاثاء 26 ديسمبر2006

شمس الدين الكيلاني

دخل العراق مع الاحتلال الأميركي في قوس الخطر، انقسمت بدلالته، وبتشجيع منه، الحياة السياسية العراقية على قاعدة الطائفية، نظرت قيادات الأحزاب الطائفية (الشيعية) الموالية لإيران بالإضافة الى القيادات الكردية، الى هذا الاحتلال على أنه تحرير، بينما تباين موقف القيادات السنية ما بين الحذر والعداء.
لم يستمع الأميركيون للدعوات التي وجهتها شخصيات وطنية عراقية بعقد مؤتمر وطني عراقي تنبثق عنه حكومة وطنية عراقية تهيئ الظروف لتطبيع الوضع، ولإجراء انتخابات تشريعية، والاتفاق مع الاحتلال على جدول زمني لانسحاب قواته، ذهبت خيارات الاحتلال باتجاه آخر، استقواء بالقيادات الطائفية ـ الشيعية والكردية، فقوضوا مؤسسات الدولة العراقية وفي مقدمتها الجيش ليحلوا مكانها مؤسسات أخرى على أسس طائفية، مغذين الريبة داخل المجتمع، وبجوار ذلك، لم يشجعوا العراقيين على إعادة صياغة حياتهم السياسية على أساس (عقد سياسي جديد) يشترك فيه الجميع على قاعدة مفهوم (المواطنة) الحديث، بعيداً عن الانقسامات الطائفية، بل استخدمت هذه الانقسامات ليضعوا الشيعة والأكراد في مواجهة (السنة)، إذ تعامل الاحتلال مع العراقيين كمجموعة من الطوائف والملل، لا يجمعهم رابط المواطنة والثقافة والتاريخ، ودفع الأطراف السياسية، التي قبلت الانخراط بما سمي العملية السياسية على الاشتراك في نظام (المحاصصة الطائفية) كصيغة لبناء الدولة الجديدة، معتمداً في ذلك على ومتوافقاً مع توجهات القيادات الكردية، وعلى قيادات الأحزاب الطائفية الشيعية (الحكيم ـ الجعفري)، الموالين لإيران، فكان من نتائج هذا الوضع التحالفي، أن ولد، وهيأ الأرضية المناسبة لانفجار المشاعر الطائفية، ولتحول التخوم الطائفية الى حدود دموية، لا سيما أن الاحتلال نشر الأوهام والوعود، حول وظيفة كل طائفة في العهد الجديد، بأن يحتل الشيعة والأكراد الموقع الأول في الدولة على حساب السنة، والمفارقة غير المفهومة هنا، هي أن من تحالف معه الاحتلال من قيادات شيعية، هي القوى نفسها التي استندت اليها إيران في خططها، وتصوراتها لعراق مفكك وضعيف فكان أن دفع ذلك (السنة) الى التوجس، واعتبار كل ما يجري، في ظل الاحتلال، إنما يتم على حساب دورهم، وموقعهم، وأيضاً على حساب الهوية العربية للعراق.
تصاعدت المقاومة المسلحة في العراق، من داخل الطائفة السنية، التي أرهقت بالنهاية قوات الاحتلال وأدت الى تعثر المشروع الأميركي، وأربكت السياسة الأميركية اقليمياً وعالمياً، إلا أن هذه المقاومة لم تستطع الارتقاء الى مصاف المقاومة الوطنية العراقية، التي تجمع العراقيين على اختلاف مذاهبهم، فبقيت مقاومة، على فعاليتها، محصورة جهوياً في المناطق السنية.
على هذه الخلفية العامة، (إرباك قوى الاحتلال)، برزت مشاريع أخرى تنافس المشروع الاميركي في العراق، وتصاعدت خطورتها، وابرز تلك المشاريع وأخطرها quot;المشروع الإيرانيquot;، الذي ما فتأ يغذي النزعات الطائفية، والمشاريع الطائفية التقسيمية، بمساندة الأطراف الشيعية، وفي مقدمتها: الحكيم والجعفري، ثم الصدر، بالمال والسلاح، والوضع المفارق وغير المفهوم هنا، أن هذه القوى نفسها هي حليفة للاحتلال، ويقف هذا المشروع وراء خطط تقسيم العراق الى أقاليم، تمهد لقيام دولة شيعية في الجنوب، الى جانب ذلك المشروع، وبالتساوق معه، برز مشروع جماعة (القاعدة)، الذين غذوا النزعات الطائفية الى حدودها القصوى، وانتهوا تحت (راية الجهاد) الى مشروع (الإمارة الإسلامية)، في المناطق السنية، ملتقين بالنتيجة مع المشروع الإيراني، الذي عبرت عنه أطروحات الحكيم والائتلاف الشيعي، ومع أحد سيناريوات الاحتلال.
أصبح العراق، والحالة هذه، يواجه ثلاثة مشاريع كبرى خطرة، مترابطة من زاوية النتائج، ومتصارعة حول الهيمنة، وهو ما يجعل سقوط أي منها يصب في مصلحة الاثنين الآخرين، وبالتالي، فإن هزيمة المشروع الأميركي لا تقود بالضرورة الى استقلال العراق ووحدته، بل قد تفضي الى تضافر نجاح مشروعي التقسيم الآخرين.
فهناك: المشروع الاميركي، والمشروع الإيراني ـ الحكيم، ومشروع quot;القاعدةquot;، مشاريع تبدو متصادمة في الظاهر، وملتقية من حيث النتيجة: تقسيم العراق، والتعامل معه كركام من الطوائف. ويبدو المشروع الأميركي، في هذا المشهد، ليس أكثر خطراً من المشروعين الآخرين، اللذين يستندان على قاعدة اجتماعية في العراق، وفي الاقليم نفسه، وسيظل العراق أسيراً لهذه المشاريع الثلاثة وخياراتها، طالما أن العراقيين لم ينجحوا الى الآن في تكوين ائتلاف وطني حقيقي، له وزنه، يخترق الحواجز الطائفية، على قاعدة الوطنية العراقية الحديثة.