رسالة حب وعهد إلى جبران من نايلة تويني
نايلة تويني
حبيبي جبران،
صباح الخير يا ابي...
هاتِ قبلة، قبلتين، ثلاثاً، لأن هذا هو عهدي لك، تعرفه ويعرفه جدي!
في اول مقال أكتبه بعد رحيلك، دعني ابدأ بأن أروي لك كيف، ككل يوم مذ ذاك، أستيقظ، أنتظر دفء يدك لأنهض، أنتظر حنان ابتسامتك لأرى النور.
امس انتظرت قبلتك لأنام، تنقلت عيناي آلاف المرات بين صورتك وباب الغرفة و... لم تأتِ يا ابي.
يقتلني شوقي الى قبلتك، وتخنقني دموع الانتظار.
يا نور عيني ودفء روحي.
تكفيني كلمة، أرسِلْها اليّ من بعيد، قل لي انك لم تتألم في الرحيل، قل لي انك غادرت على عادتك مبتسماً. عدني بأن الفراق لن يطول. عدني بأننا سنلتقي بعد قليل، فأنا لا ارى في الوقت سوى ممر اليك!
يا حرقتي كل صباح، ويا وجعي في ليل انتظارك الطويل.
لا أقبل ولا أفهم انك رحلت!
لا اصدق ما افعل. أكتب عن غيابك؟ وكيف يغيب جمال مثل جمالك، وحنان مثل حنانك، وجرأة مثل جرأتك؟ اني مأخوذة بك وبأحلامك.
أبحث عنك في كل مكان، ادخل مكتبك، انظر الى وجوه الزملاء، اطلّ على ساحة الحرية، وافتقد عاصفة وجودك وحركتك في أدق الامور وأكبرها. لم تعد حياة المدينة كلها كما كانت قبل ان ترحل.
***
يا صاحب الحق، يا عاشق هذا البلد واهله، يا حامل مشعل حريته، يا مؤمناً بشبابه، يا قدوة العطاء ومثال الفداء والتضحية. يمر الوقت ثقيلاً، حياتي ترزح تحت حِمْلين قاسيين: فاجعة غيابك والمسؤولية التي يرتّـبـها علي هذا الغياب.
لا شيء يعوّضني غيابك. أنكفىء على ذاتي، انطوي على نفسي، اود لو ادخل الى بريق عينيك، ابكي بصمت، لا شيء يعينني على الألم، ولا شيء يمنـحـنـي الأمل الا المسؤولية التي يرتبها عليّ ارث قلمك. سأنهض من تحت هذا الركام، سأنهض من اجلك، من اجل ثقتك بي.
quot;النهارquot; هي بيتك يا ابي، وهي بيت جدي، وبيت جد ابي، وهي بيت لبنان، وبيتي. واذا كنتَ قد اقسمتَ قسمك امام الله الواحد الأحد، من أجل لبنان العظيم الموحد، فإني لأقسم برحمتك يا ابي ان ترابك ليس اقل قيمة عندي من تربة لبنان، وان الاقدار تملي علينا ان يتضافر أهل ترابنا، ويتآخوا، لكي نحيا جميعنا تحت فيء اخضر لبنان.
لا شيء يشغلنا عن هذه الاهداف. لا الألم العظيم الذي تسبب به غيابك، ولا الفراغ، ولا التحديات العظمى التي تواجه استقلال لبنان وتثبيت اركانه في دولة عصرية تكون دولة للقانون ولكرامة الوطن والانسان.
انظر يا ابي الى والدك، جدي، والينا، واليّ، تر البوصلة مستقرة رغم الخضمّ الاهوج. لا تقلق. واذا انعمتَ ناظرَيْك الى الأبعد قليلا، فسترى الميناء، والجريدة، والشبيبة، والشعب، ولبنان، أجمعين.
وأنا سأراك، وستكون في الطليعة، هناك، يا ابي، يا ذا الطلة البهية والقلم النقي والصوت الهادر في الجموع وأعماق الضمير.
قد كنت مأخوذا بقدر هذا اللبنان، وبمصير الشبيبة فيه، وبجريدة هي quot;النهارquot; تكون بوصلة لتوجيه السفن التائهة في الخضم الاهوج، ولايصالها الى ميناء الحرية والتنوع والأمان والحداثة والثقافة في لبنان.
واذا كنتُ اصبّحك بالخير يا ابي، فلكي اشهد أمامك، واطمئنك الى ان المشاغل، مشاغلك، تشغلنا جميعنا، وخصوصاً أباك، جدي، ونحن، وأنا ورفاق الدرب، والزملاء. واشهد أمامك، وأطمئنك الى ان البوصلة لن تضيّع السفن، جميع السفن، وبدون استثناء بربابنتها وركابها، مسلمين ومسيحيين، وأن السفن لواصلة حتماً، وإنْ بعد شقاء قد يبدو طويلاً، ولكنه سيتقاصر، وهي سترسو بأمان في الميناء الأمين.
علموا أنك لن تنحني فقتلوك، وبقي صوتك هادرا بالحق والحرية.
أستأذنك بالكتابة مجددا، استأذنك بريشة صغيرة من قلمك، أكمل بها رسالتك.
أستأذنك ببعض من جرأتك، وقوتك، واندفاعك، وتوثّبك.
استأذنك بكثير من حبك للبنان وquot;النهارquot;.
سوف أسير على دربك خطوة خطوة، كلمة كلمة، وقلمك النبيل مثالي الى الأبد: quot;النهارquot; تستمر كما اردتها انت، quot;جريدة الغساسنةquot;.
التعليقات