الأحد: 2006.02.25

ناصر الظاهري

ما يجري في العراق اليوم من أحداث عبثية تطغي بظلالها السوداء على كل الأشياء الجميلة في ذلك البلد الذي كان جميلاً، مستنقع العراق إلى أين يمكن أن يطرح أسئلته؟ وهل يمكن أن يمتد إلى خارج مياهه الإقليمية؟ هل يستدعي الجيران المختلفين على ما يجري فيه، ليوطدوا أمنه ويحفظوا سلامته؟ أم تكون دعوة للتدخل والدخول إلى تلك المياه الآسنة؟ هل يكون بداية تورط حقيقي وقاسي للجنود الأمريكيين وتجربة معارك الهوية والطائفة والانتماء وغنائم الحرب وفرص الفوضى؟ هل تنجح إيران في تحويل المواجهة إن اضطرت إليها إلى أرض غير أرضها لكنها تعتبرها ساحتها الحقيقية والخالية والمتاحة، بعيداً عن تعقيدات المجتمع الإيراني الداخلي وحراكه الاجتماعي وتململه العقائدي؟ هل يشهد انسحاباً بريطانياً تفرضه الانتخابات والصراعات السياسية الحزبية وسطوة البرلمان؟ هل تتكرر تجربة قوات الردع وهذه المرة لن تكون عربية صرفة، بل إسلامية، فالعراق غير لبنان ذي الحساسية الدينية والطائفية المغايرة، كما أنه ليس هناك دولة قوية تتبنى الفكر القومي كما كانت سوريا أيام قوات الردع العربية في السبعينيات.
هكذا تبدو القراءة الأولى لما يجري اليوم في العراق خاصة بعد التطورات الأخيرة التي أضرت بالأماكن الدينية والمزارات المقدسة والذي يمكن أن يكون لعباً خبيثاً على الفسيفساء المذهبية في العراق وتأجيج القوى المتصارعة، لتتحول لقوى متحاربة، فسامراء ذات أغلبية سنية مطلقة، والمراقد وإن كانت ذات صفة شيعية، لكنها تتبع الوقف السني، والجميع من مصلحتهم أن تبقى المشهدية الدينية والتاريخية لهذه المدينة والاستفادة من السياحة الدينية، من فجر ذلك المبنى ليفجر نعرات وحزازات موطنها القلوب والذاكرة البعيدة؟ الأصابع تشير إلى قوى خارجية مستفيدة من اللعب في العراق، وأخرى تقول أن هذه الأحداث يراد من خلالها إخراج القوى التي تعمل في الطوابق السفلية للعلن، وزير الدفاع يقول أن المساجد التي تضررت من الطرفين لا تزيد عن 23 مسجداً وليس 50 مسجداً، كما ذكرت وسائل الإعلام، وكأن العدد هو المهم، وبالأمس جاء تفجير مسجد سلمان الفارسي، ولا ندري هل الاختيار كان خاطئاً لشخصية سلمان الفارسي أم كان بوعي لا يخلو من دهاء؟ فالرجل تنقل من بلاد فارس إلى بلاد الروم والعرب، وتنقل من المجوسية والمسيحية واليهودية فالإسلام، فهو شخص أممي، ولم يتبع عصبية ولا شعوبية في يوم من الأيام، فالسنة يحبونه والشيعة كذلك لقول الرسول الكريمquot;سلمان منا آل البيتquot; وهو نفسه بقي طاهراً ولم يتلطخ بالدم السياسي الديني.
ولو تذكرنا قبل سنة حين طالت الأسلحة رموزاً حضارية وتاريخية في العراق وكأن النعرة الطائفية والنظرة الشعوبية تريد أن تلغي الآخر وتعزز الذات، فكان الضحية شارع quot;أبو نؤاسquot; وتمثال أبي جعفر المنصور، واليوم إن بدأت في مرقد فلن تنتهي إلا بالغلبة لطرف دون الآخر أو بالتقسيم حسب مناطق النفوذ.
المواطن العراقي البسيط اليوم هو حبيس جدران بيته، يكظم الغيظ، يطحنه الفقر وقلة الحيلة، منتظراً أن يهدم بيته على رؤوس أهل بيته، والمليشيات المسلحة تتصارع في الشوارع وفي الأمكنة الدينية والتاريخية، منتظرة حصتها من الحرب الفالتة والاستحقاقات التي يجلبها السلاح وفراغ الدولة واختلال النظام والنذر بحرب أهلية.. .