الأحد: 2006.03.012

محمد خليفة


قال رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو برلسكوني إن التاريخ مسار طويل نحو العدالة، مسار سلكته دول كثيرة، في الشرق وفي الغرب، وهذا المسار لم يكتمل بعد بكل تأكيد.. لم يكتمل. ويصف برلسكوني في لقاء مع قناة ldquo;الجزيرةrdquo; أنه كان هناك ظلم في تاريخ الإنسان، فقد ظلم العرب والمسلمون الأوروبيين، فسيطروا على إسبانيا لمدة 800 سنة، وسيطروا على صقلية لمدة 300 سنة، وسيطروا على البلقان لمدة 200 سنة. فهو يقرّ ويعتبر المسلمين كافة طائفة واحدة وأمة واحدة، ويقصد أن المسلمين ومنذ بداية البداية كانت لهم خطط استعمارية، وأنهم قهروا الشعوب التي احتلوها وظلموها رغم معرفة رئيس الوزراء الإيطالي السياسية والتاريخية بالدين الإسلامي وبالمسلمين وخاصة عندما أشار إلى أن هناك ثقافة مختلفة في أوروبا. ويعني هذا أنه يتجاهل المسلمين الذين أسهموا المساهمة الفعّالة في كل مجالات حضارة الإنسان. ولا يتذكر إلاّ انتشار الإسلام في أوروبا، ونسي أن الإسلام يحارب الإرهاب ولا يقرّه سواء كان الإرهاب الفكري أو الإيديولوجي. ولا ريب أن برلسكوني سياسي له وزنه، وهو قادر على مناقشة القضايا المعقّدة عندما أشار إلى أن الغرب ليس فقط قوة سياسية ذات كيان مادي، بل هو قوة تقوم قبل كل شيء على وحدة الضمير والثقافة والهدف. ومن حيث الواقع، يعتبر الغرب أمة واحدة ذات منبع واحد واتجاه واحد، وذات بُعد ثقافي ديني واحد حرّ مستمد من ثقافة الثورة الفرنسية. وربما ما كان يقصد برلسكوني هو أن الثقافة الإسلامية ثقافة أصولية ورجعية. ولكن الواقع التاريخي غير ذلك تماماً، فالعرب المسلمون عندما انطلقوا بفتوحاتهم في القرن الأول الهجري/السابع الميلادي، كانت لديهم رسالة سماوية أُمِروا بإيصالها إلى الشعوب الأخرى. وقد حمل العرب هذه الرسالة بأمانة، وكانت فتوحاتهم في معظم الأحيان تشكّل إنقاذاً للشعوب التي كانت خاضعة آنذاك لإمبراطوريتين كبيرتين هما: الإمبراطورية الفارسية في الشرق، والإمبراطورية الرومانية البيزنطية في الغرب. وكان الفرس والرومان على السواء، يسومون الشعوب التي كانت خاضعة لهم سوء العذاب والقهر. وكانت الشعوب تنتظر الخلاص من ظلم هاتين الدولتين، لذلك ما أن انتصر العرب على الفرس في معركة القادسية عام 15 للهجرة، وعلى الرومان في معركة اليرموك عام 16 للهجرة، حتى دخلت شعوب البلاد المفتوحة في دين الله أفواجاً. ولم يكن العرب يفرضون الإسلام على أحد، بل كانت شعوب البلاد المفتوحة تخيّر بين الإسلام أو البقاء على أديانها الأصلية. فإذا طلبت البقاء على دينها تعيّن عليها أن تدفع ضريبة للدولة الإسلامية نظير حمايتها وحماية ممتلكاتها. وكان العرب المسلمون أرحم الفاتحين على مرّ التاريخ، ولعل في وصية أبي بكر للمسلمين عندما أنفذ بعثة أسامة بن زيد، خير دليل على تلك الرحمة التي اتسمت بها الفتوحات العربية. فقد شيّع أبو بكر هذا الجيش إلى خارج المدينة، ولما همّ بالعودة، وصّى الجيش فقال :rdquo;لا تخونوا، ولا تغلّوا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا طفلاً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تقعروا نخلاً وتحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيراً إلاّ لمأكله، وسوف تمرّون بأقوام قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم لهrdquo;. وبمثل هذه الأخلاق، اندفع العرب في الفتوحات، فما كانوا يظلمون ولا يبغون ولا يلزمون قوماً بالقوة على الدخول في الإسلام، مع أنهم كانوا قادرين على فرض الإسلام على شعوب البلاد المفتوحة. وقد توغلوا في آسيا بعد تدمير الإمبراطورية الفارسية حتى وصلوا إلى الصين. كما أنهم دخلوا إفريقيا بعد تقويض الإمبراطورية الرومانية، ووصلوا إلى شاطئ المحيط الأطلسي، ومن هناك قرروا الدخول إلى أوروبا لنشر الإسلام فيها. وتولّت شعوب المغرب العربي نشر الإسلام في أوروبا. فقام طارق بن زياد وهو من قبيلة زناتة وافتتح الأندلس عام 92 للهجرة /710 للميلاد، وانتشر الإسلام في إسبانيا. لكن الكنيسة الكاثوليكية التي خافت من أن يهدم الدين الجديد مجدها الذي بنته على أنقاض الإمبراطورية الرومانية الغربية التي انهارت عام 476 للميلاد، هبّت للوقوف في وجه المسلمين، وراحت تحرّض الأوروبيين البسطاء لخوض حرب لا هوادة فيها ضد الفاتحين المسلمين. ولم يلبث أن تطور الموقف بين الجانبين فوقعت معركة ldquo;تورrdquo; و ldquo;بواتييهrdquo; في قلب فرنسا، بين الجيش الإسلامي بقيادة الفاتح الكبير عبد الرحمن الغافقي (نسبة إلى قبيلة غافق باليمن)، وجيش الفرنجة بقيادة شارل مارتل، أي شارل المطرقة، عام 114 للهجرة / 732 للميلاد. وكانت تلك المعركة فاصلة، لأن المسلمين انهزموا فيها بعد استشهاد القائد عبد الرحمن الغافقي وجمع كبير من أعوانه وانكفأوا في ldquo;إسبانياrdquo;، ولم يعودوا إلى غزو أوروبا من جديد لما لاقوه من مقاومة شرسة لدى الأوروبيين ضدهم وضد الدين الجديد.

وفي الأندلس ازدهرت الحضارة الإسلامية فظهر الكثير من الفلاسفة والأطباء والعلماء الذين انتقلت علومهم إلى أوروبا وكانت سبباً في بزوغ النهضة العلمية الأوروبية في القرن الرابع عشر، ومن ثم ظهور الحضارة الأوروبية في مرحلة لاحقة. لكن الأوروبيين قابلوا الإحسان بالإساءة، فطردوا العرب والمسلمين من الأندلس عام 1492. ومن ثم بدأوا بشنّ الغارات على العالم العربي والإسلامي، حتى وقع تحت سيطرتهم، فاستعمروه بأبشع صور الاستعمار في التاريخ. فقسموا البلاد العربية والإسلامية وأقاموا الدولة القطرية في كل مساحة جغرافية رسموها بأيديهم. وأشعلوا الصراعات بين هذه الدول القطرية، وزرعوا ldquo;إسرائيلrdquo; في أرض فلسطين لتكون علامة على تفوقهم وعلى ذلّ العرب والمسلمين. وكل المشاكل التي يعاني منها العرب والمسلمون هي بسبب الاستعمار الغربي الذي ما زال مستمراً بأشكال مختلفة. وأبشع ما يقوم به هذا الاستعمار الآن هو فصم عرى الأمة من خلال خلق الكيانات الطائفية والعرقية فيها لتفتيتها ودفعها إلى الهلاك الأبدي.

* كاتب من الإمارات

[email protected]

www.mohammedkhalifa.com