د. رغيد الصلح
يسير إيهود أولمرت على خطى معمله ارييل شارون. انه يعرف ان إذلال الفلسطينيين والعرب هو اقرب طريق إلى قلب الناخب ldquo;الإسرائيليrdquo; المتطرف. لقد أذل شارون الفلسطينيين والعرب عندما اقتحم الأقصى.
فاستولى بذلك الاقتحام على الأكثرية الناخبة ldquo;الإسرائيليةrdquo; واستل رئاسة الحكومة من إيهود باراك. أولمرت يكرر في سجن اريحا نفس الأسلوب مع الاختلاف في التفاصيل. فهنا يجري اختطاف زعيم احدى منظمات المقاومة الفلسطينية التاريخية، وهنا يلقي ldquo;الإسرائيليونrdquo; القبض على من حمل مسؤولية قتل وزير ldquo;إسرائيليrdquo; وجنرال سابق في الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; وليس مجرد ldquo;إسرائيليينrdquo; عاديين وابرياء من الاطفال والعجز. وهنا يلقى القبض على المسؤول عن قتل شخص حظي باحترام شديد في أوساط الاصوليين الصهاينة اذ كان أمينا لمبادئ هذه الحركة مخلصا لأهدافها في التطهير الديني والعرقي ولفكرة طرد الفلسطينيين، كل الفلسطينيين من ارض فلسطين.
إذلال الفلسطينيين لم يقتصر على اختطاف احمد سعدات من سجنه فحسب ولكنه شمل ايضا تجاهل السلطة الفلسطينية تجاهلا كامل. والإذلال شمل، فضلا عمن سبق، تمريغ كرامة عناصر الشرطة الفلسطينيين باجبارهم على نزع ثيابهم واقتيادهم بأسلوب مهين إلى المعتقلات. كل ذلك سوف يترك آثاره في الانتخابات، فيسهل على الذين صوتوا في الانتخابات الاخيرة إلى حزب ليكود باعتباره حزب التصلب ضد العرب وصاحب المشروع الأمني الانجح والافعل، يسهل عليهم الانتقال إلى صف مؤيدي حزب ldquo;كاديماrdquo;، وتثبيت أولمرت خلفا لشارون.
بمقدار ما يعني اختطاف زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الناخبين ldquo;الإسرائيليينrdquo;، فإنه يعني ldquo;الناخبينrdquo; العرب الذين سيجتمعون في قمة الخرطوم بعد ايام قلائل. فالقادة العرب هم الذين ينوبون عن المواطنين في التعامل مع هذه الاحداث، وهم في نفس الوقت لا يستطيعون تجاهل ردود الفعل الشعبية عليها. ومن المرجح ان يكون رد فعل ناخبي الخرطوم شبيها برد فعلهم على زيارة شارون إلى المسجد الاقصى: اتخاذ قرارات بإدانة العدوان ldquo;الإسرائيليrdquo; على السيادة الفسطينية، مطالبة مجلس الأمن والولايات المتحدة وبريطانيا بالتدخل من اجل اعادة سعدات إلى وضعه السابق، واخيرا لا آخرا التذكير بضرورة احياء عملية السلام التي تكفل وضع حد لمثل هذه الانتهاكات والأعمال المهددة للامن الاقليمي والدولي.
البعض قد يقلل من اهمية هذا النوع من المقررات، ويعتبرها فاقدة لأية جدوى. ولكن هذه النظرة خاطئة، وهي نفسها غير مجدية. فالصراع السياسي يبقى وسيلة مهمة من وسائل رد العدوان، واداة رئيسية من ادوات حماية الأمن الوطني.
ان ما ينقص هذه القرارات هو احيانا الرغبة أو القدرة على تنفيذها أو الاثنان معا. هذه الحالات شائعة في المنطقة العربية. ففقدان الرغبة يقترن عادة بفقدان القدرة على الرد على الاعتداءات ldquo;الإسرائيليةrdquo;. المعضلة ليست هنا، فكثير من الدول تعاني من حالات مشابهة سواء في حماية ارضها من العدوان أو مصالحها من المنافسين. ولكن الحكومات الجادة في حماية حقوقها ومصالحها، تسعى إلى سد الفجوة بين الرغبة والقدرة عن طريق تنفيذ استراتيجيات تعزز من قدراتها وطاقاتها. وتتجه هذه الجهود عادة إلى ترشيد استخدامها لطاقتها الذاتية واستثمارها على افضل وجه، مع العمل في نفس الوقت على التعاون مع الحكومات الحليفة والصديقة والشقيقة من اجل تحقيق مثل هذه الغايات المشتركة.
لقد واجهت هذه المهمات والمعضلات حكومات عديدة في اماكن متفرقة من العالم فتعاملت معها بهذا الأسلوب. واجهت التحديات الأمنية أوروبا الغربية وجنوب شرق آسيا وهي تواجه أمريكا اللاتينية اليوم، فتعاملت دول هذه الاقاليم الجغرافية معها اول الامر عن طريق بناء تحالفات امنية ثم وجدت ان هذه التحالفات لا تكفي لحماية سيادتها الا إذا اتسعت هذه التحالفات لكي تشمل سائر الميادين الوظيفية من اقتصاد وثقافة وعلم.
ان المنطقة العربية ليست استثناء. فالمقررات السياسية التي تصدر عن القمم العربية وعن قمة الخرطوم المقبلة والتي تدين الاعتداءات الإسرائيلية لن يكون لها المفعول الكافي إذا لم يرافقها تطوير للقدرة العربية على تنفيذ هذه المقررات. ومثل هذا التطوير لم يعط الاهتمام الكافي وبقي موضع تجاهل وتجهيل، الا انه بدأ يفرض نفسه على مؤتمرات القمة العربية منذ مطلع هذا العقد. وابتداء منذ قمة عمان المنعقدة عام 2001 تحديدا. فقد خصص القادة العرب ثلث مقررات هذه القمة تقريبا لقضايا التعاون الوظيفي بين الدول العربية. وبدا هذا المنحى في قرارات القمة وكأنه يفتح الباب أمام تطوير التعاون الاقليمي من الحيز السياسي المحدود والمحصور في التعامل العابر والسريع مع ldquo;القضايا الطارئةrdquo;، إلى تعاون اقليمي يشمل الجوانب الوظيفية والأهداف الاستراتيجية.
من مراجعة مقررات قمة عمان ومقررات القمم التي تلتها والتي دعت إلى تنمية التعاون الاقليمي العربي في مجالات الاندماج الاقتصادي وصولا إلى تحقيق الاتحاد الجمركي، وتنمية البيئة الاستثمارية العربية، وخطوط المواصلات وتقنية الاتصالات والمعلومات المشتركة والربط الكهربائي والسياحة البينية العربية، مع مراجعة هذه المقررات نجد انه لم يتحقق منها شيئا يذكر. ولعل ابلغ الامثلة على القصور هنا هو ما آل اليه القرار المتعلق بالدعوة إلى قمة اقتصادية عربية عام ،2001 فهذا القرار البالغ الاهمية لم ينفذ لا في ذلك العام ولا في الاعوام التالية له.
لقد اناطت القمة العربية بالامانة العامة لجامعة الدول العربية مهمة متابعة تنفيذ هذه المقررات، الا ان جهود الامانة العامة في هذا المضمار تبدو محدودة للغاية. فليس هناك ما يدل على انها اهتمت فعلا بمتابعة عقد القمة العربية الاقتصادية، ولا بتحضير المناخ الملائم لانعقاده.
ولربما كانت الامانة العامة تجد نفسها مضطرة إلى التركيز على القضايا العربية الساخنة لئلا ينسى الرأي العام العربي الجامعة وتتراجع مكانتها الاقليمية والدولية. ولكن ليس للاهتمام بالقضايا الساخنة ان يصرف المؤتمنين على حاضر ومستقبل النظام الاقليمي العربي عن المتابعة الدؤوبة لتطور مشاريع التعاون العربي. ولا يكفي ادراج هذه المشاريع وبصورة مبتسرة على جدول أعمال القمة العربية. ان هذه المشاريع تحتاج إلى عمل حثيث يحولها هي في حد ذاتها إلى مادة رئيسية لاهتمام الرأي العام العربي.
ولعلنا في هذا السياق نسمع في تقرير الامانة العامة للجامعة عن مصير القمة الاقتصادية العربية وعن الصعوبات التي عرقلت تنفيذه، ونسمع ايضا بعض المقترحات الرامية إلى تنفيذه في المستقبل القريب. ان عملا من هذا النوع جدير بأن يوفر اطارا مناسبا للتزاوج بين الرغبة في صيانة الأمن والمصالح العربية مع القدرة في تحقيق هذه الرغبة.
* كاتب لبناني
التعليقات