الإثنين: 2006.03.020


السفير عبدالله بشارة


صوتت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة على تشكيل مجلس حقوق الإنسان بأغلبية مائة وسبعين صوتاً، ومعارضة الولايات المتحدة، بعد مناقشة طويلة ومرهقة استمرت لأكثر من سنة للاتفاق على صلاحيات المجلس الذي سيكون بديلاً عن لجنة حقوق الانسان المنبثقة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والتي كان يتم انتخابها بأغلبية بسيطة من اعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي وفق ترشيحات تأتي من المجموعات الجغرافية.
وكانت اللجنة مضحكة في تشكيلها وفي مداولاتها وفي صراعاتها، كانت تضم ليبيا والسودان وكوبا وإيران وسورية، والعراق وبلغاريا ورومانيا أيام الحرب الباردة، وكانت اللجنة حلبة ملاكمة بين الائتلاف الامريكي - الاوروبي، وبين عالم الاستبداد والإبادة.
شاهدت شخصياً الكثير من حلقات الملاكمة وكلها تسير وفق اجندة سياسية لكسب النقاط، ومهما كان هزال المنظر فإن رؤية دولة مثل كوبا في لجنة حقوق الانسان او ايران، وعراق صدام حسين، فيه الكثير من مبالغة الهزل والكوميديا.. ولم تكن اجتماعات اللجنة تثير احداً سوى الذين يشاركون للدفاع عن تصرفاتهم، وانتهت اللجنة بعد ان تلاشت جديتها.
يرتفع شأن حقوق الإنسان الآن لأسباب كثيرة منها العولمة، ومنها تداخل المصالح، ومنها الدور الامريكي - الاوروبي في الشأن العالمي، ومنها التركيز على التنمية، وأهم من ذلك ارتفاع دور المؤسسات الدولية في الشأن الانساني.
سيكون المجلس العين التي تتابع من خلال الجمعية العامة، التي تنتخب المرشحين مع دراسة سلوك حكوماتهم. واشعر شخصياً بالارتياح الى الدور القادم لمجلس حقوق الانسان، واعتقد ان الدول التي لا تستطيع مسايرة التحولات العالمية ستضطر الى الدخول في مساءلات محرجة امام كاميرات العالم، مع اصابع اتهام مؤثرة تهز من مصداقيتها.
ولعل العالم العربي يتفهم اكثر مغزى القرار الجديد، ويسعى الى التعامل بايجابية مع هذا النهج الجديد في الملف العالمي لحقوق الانسان.
كيف يعالج العالم العربي الوضع المزري لحقوق الانسان؟..
هناك في الأفق شيء ايجابي نتابع تطوراته، ولنأخذ ما يدور في اربع دول عربية من حوارات واتصالات ومداخلات للخروج من الوضع الشاذ والبليد فيها:
أولاً: نتابع الحوار الوطني في لبنان، الذي توصل الى تفاهم حول السلاح الفلسطيني ومزارع شبعا ووجود حزب الله وأزمة الحكم، وجوهر هذا الحوار هو البحث عن حقوق الإنسان والمساواة في حقوق المواطنة، والبحث عن ترسيخ للسيادة اللبنانية والسعي لبناء الدولة اللبنانية الوطنية المستقلة التي لا تريد رئيساً تعينه سورية ولا حزباً تديره إيران، ولا مصيراً تدخل فيه منظمات فلسطينية، ومساواة دون طائفية، وانتماء للأرض والوطن بدلاً من الطائفة.
وربما يدخل لبنان لأول مرة في تاريخه في البحث عن حل مؤثر يجده في المفاهيم العالمية لمعنى الدولة.
مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة خطوة مهمة للمواطن اللبناني الذي يريد وطناً عصرياً دون اعباء الطائفية والكينتونات المدعومة بمسلحين من الطائفية.
وصراع لبنان هو رفض للأيادي الغربية والاجنبية، وتمرد على الطبقية، ومعارضة للشريك الاجنبي في الشأن اللبناني.
ثانياً: ما يدور في العراق هو ايضاً حالة من البحث عن الدولة الوطنية التي يتساوى فيها الجميع، والتي تقوم على التراضي والتوافق، دون احتكار لطائفة او مجموعة او حزب.
كان تاريخ العراق متسامحاً في بدايته وانتهى باحتكار قمعي لفئة لا تحترم حقوق الانسان ولا تؤمن بحقوق المواطنة ولا المساواة فيها، وتلتزم هذه الفئة بمواصفات بدائية في الولاء والطاعة، والعقاب الشديد لمن يبحث عن القيم الانسانية المرتفعة.
والواقع الحالي في العراق هو استمرار البحث عن الصيغة التي يوافق عليها الجميع دون خوف من تكرار احتكار السلطة وتأمين البقاء بالعنف والارهاب.
ومن حق السنة المطالبة بتأمين المساواة عبر إنشاء مجلس للأمن القومي يتيح للسنة الوقوف على طبيعة القرارات التي تتخذها الحكومة، ومن حق الشيعة الاصرار على نظام غير مركزي لا يستبد بمصير الرقاب دون رقيب، ومن حق الاكراد الاصرار على الفيدرالية التي توفر لهم الأمان بعد حروب وتنكيل ونزاع واغتيالات.
جوهر الوضع في العراق هو البحث عن الدولة القوية العصرية التي يتعايش فيها الجميع عبر المساواة في الواجبات وفي الحقوق، والبحث عن تكريس لمفاهيم حقوق الانسان.
ثالثاً: يدخل السودان في فصل جديد في حياته بعد الاتفاق مع الحركة الشعبية للجنوب على اتفاق سلام، ويسعى الآن الى البحث عن حل لمشكلة دارفور المهددة للأمن والسلام في قارة افريقيا وبما يتجاوز قدرة حكومة السودان على التعامل معها.. مشكلة دارفور مثل مشكلة الجنوب هي افراز لعجز النظام السوداني منذ الاستقلال على التعامل مع الموزاييك البشري والعقائدي والعرقي فيه، واهمال حقوق اهل الجنوب وأهل الغرب، ومصادرة هذه الحقوق بيد جماعة الشمال المحتكرة للسلطة.
ولا يمكن ان تتنصل حكومة السودان من المسؤولية تجاه ما يدور في دارفور بما فيها المساءلة العالمية التي تتمثل في البحث عن وجود لقوات دولية تحافظ على الأمن والاستقرار، بدلاً من الوضع الحالي الذي لم يوفر الطمأنينة حتى مع وجود القوات الافريقية.
ليس في صالح السودان الاستمرار في إثارة الشارع الشمالي ضد الأمم المتحدة، وليس في صالحه التحريض المتمثل في استعراض القوى الشعبية المسلحة مع خطب رنانة بينما الوطن يتألم، علاج السودان في نظام فيدرالي ووفق دستور عملي ومرن يبحث عنه شعب السودان من اجل تحقيق التوافق الشعبي الدستوري، دون ذلك سيظل السودان مهدداً بالانفصال غرباً وجنوباً، وجوهر الوضع فيه هو مثل حال العراق ومثل حال لبنان، البحث عن الصيغة العصرية للدولة القومية التي تنال ثقة الجميع وتريح الجميع ويرتاح لها الجميع، منسجمة مع التحولات العالمية وديموقراطية تمارس عملها بشفافية وبثقة.
رابعاً نتابع الوضع في سورية التي تعاني من ازمة حكم لابد من معالجتها ليست بالخطب ولا بالشعارات البعثية العقيمة وإنما بالانفتاح الشعبي الواسع وبحوار جامع تشارك فيه كل الاطياف وكل الجماعات لوضع دستور حديث، يقوم على تداول السلطة والمساواة في المواطنة دون اعتبارات لأيديولوجيا وللطائفة وللعقيدة، من اجل تكريس الدولة السورية القومية العصرية كما نراها في دول اوروبا وفي دول آسيا، وكما نراها في محاولات بعض الدول العربية.
لا اتصور بأن سورية قادرة في ظروفها الحالية على التعاطي مع التحولات العالمية ومن ضمنها مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية التي تنشد الشفافية.
ولعل ابلغ دليل على هذا العجز هو العلاقات المتشنجة مع مجلس الأمن ومع لجنة التحقيق الدولية، ومع دول الجوار في العراق والأردن وتركيا، بسبب تصورات سورية عن دور غامض تحضره الامبريالية العالمية بمساعدة بعض دول الجوار ضد النظام السوري بسبب صموده في وجه المتآمرين وإفساده لمخططاتهم، هذا الخيال الذي يخلو من الجدية ويفتقر الى التحليل العملي السليم يؤذي سورية التي لن تفيدها المهرجانات الشعرية والخطابية التي ينظمها حزب البعث في مؤتمر الأحزاب العربية ولقاءات المحامين وتجمعات اصحاب القصائد والمنشدين.
ومع ذلك تخرج من سورية الآن اصوات واعية للمرحلة الحالية تطالب بالكياسة والواقعية والمعالجة الجدية للنظام السياسي السوري.
عندما يلتقي الزعماء العرب في الخرطوم في الاسبوع المقبل ليس المطلوب تأييد سورية في مقاومة العزلة، وليس دعم لبنان في لبنانية شبعا، ولا تأييد السودان في دارفور، وإنما متابعة التطورات الاقليمية التي فرضتها الظروف الدولية وترابطها مع الوضع الاقليمي العربي.
لابد ان يخرج الزعماء العرب من الخرطوم بدعم للجهود التي تبذل لبناء انظمة عربية حديثة منفتحة في حقوق المواطنة، ومسايرة للتطور العالمي، ومتناغمة مع حقوق الانسان وممارسة للديموقراطية والشفافية.
لا مكان لنظام يذهب للقمة باحثاً عن دعم لمشاكل خلقها لنفسه بسبب عجزه عن التطور ورفضه للانفتاح وخوفه من حقوق الانسان.