الثلاثاء: 2006.04.04

البدوي الأحمر

سأدخن همومي وجراحيكما لو كنت في نزهة على شاطئ البحر.
***
ووراء القضبان أعقد لقصائدي شرائط وجدائل مدرسية بيضاء وأطلقها من النافذة.
***
ثم أتابع وقع خطوات السجان وهو يذهب ويجيء أمام زنزانتي كأنها آثار قلمي.
***
وبعد أن أكتب كل ما يروى لي

أقص دفاتري على شكل زورق وأشرعة وصوار
وألقيها في عباب المجهول
ثم أنصرف الى الصحراء

لأعرف ماذا أفعل بها
أو معها؟
رأسي ممتلئ حتى آخره بالأحلام والأمنيات
ولم يعد فيه مكان لحلم جديد
وإذا ما وجدت فستدفع خلو رجل
كما في الأماكن السياحية والتجارية.

***
لقد قضيت حياتي وأنا أنتظر
حلول الليل
طلوع الفجر
الحب
تغريد الطيور

شروق الشمس
الابداع

الالهام
الهبوط
الاقلاع

إلا الذي أحبه أن يعود.
فلا
أرى له أية بارقة أمل.
***
أقسى ما في الوجود
أن لا يكون هناك ما تنتظره
أو تتذكره
أو تحلم به!!
كل ما هو وراء الأبواب المغلقة

وتحت السماء الغائمة

الزهور، الطيور، الصخور، الشعوب
هو الى الفناء
ما عدا الشعر والله
ولذلك فإن الله لا يتربع في أعالي السماء
بعيداً عن كل شيء لأسباب دينية

بل عاطفية
ولذلك أعمد الى تمزيق خيامي كبدوي
ورفع ستائري كحضري
بل وأفتح قلبي وصدري
لكل شعراء العالم

حتى الفاشلين منهم.
***
إنني أكره الياقات العالية
والقبعات المحكمة
والأزرار المقفلة
والخناجر المغمدة
وحتى الأصابع المتشابكة
في ضوء القمر
تحت ظلال الزيزفون!!
دائماً أقابل من أحب

ومن أكره

وأنا في أسوء حالاتي.
ساعدني يا إلهي..
خذ بيدي..
بل خذها
وخذ المرفق والساعد والكتف
فعندي أعضاء كثيرة لا لزوم لها!

مختارات من كتابه الأخير quot;البدوي الأحمرquot; الصادر حديثاً عن quot;دار المدىquot;، دمشق، والذي خصّ به quot;المستقبلquot; قبل نزولِه.

بدأت وحيداً.. وانتهيت وحيداً.... الماغوط (1934 - 2006)

دمشق سانا - الثورة

فقدت سورية والأمة العربية علماً من كبار الادباء والشعراء العرب بفقدها الشاعر والأديب الكبير محمد الماغوط الذي توفي بعد ظهر امس عن عمر يناهز 72 عاماً بعد صراع طويل مع المرض.

الماغوط 1934-2006 يغادرنا اليوم جسداً تاركاً ارثه الكبير للأمة, اذ يعتبر واحداً من اكبر الاثرياء في عصرنا, وارثه الكبير مملكة مترامية, حدودها الكوابيس والحزن.. والخوف.. واللهفة الطاعنة بالحرمان, وشمسها طفولة نبيلة وشرسة.rlm;

ولد الشاعر والاديب الفقيد في مدينة سلمية - حماة, وكانت سلمية ودمشق وبيروت المحطات الاساسية في حياته وابداعه.rlm;

عاش الماغوط مع الكوابيس, حتى صار سيد كوابيسه واحزانه, وصار الخوف في لغته نقمة على الفساد والبؤس الانساني بكل معانيه واشكاله.. لغته مشتعلة دائماً بقارئها, تلسعه كلماتها كألسنة النيران, ترجه بقوة, فيقف قارئ الماغوط امام ذاته, ناقداً, باكياً, ضاحكاً, مسكوناً بالقلق والأسئلة.rlm;

قال الماغوط ذات مرة بكلمات مختصرة كاد يلخص بها اسلوب حياته وادبه: بدأت وحيدا, وانتهيت وحيدا, كتبت كإنسان جريح وليس كصاحب تيار او مدرسة.rlm;

في قصائد ومسرحيات وافلام الماغوط, يقدم الشاعر والكاتب والاديب الكبير نفسه عازفاً منفرداً, وطائراً يحلق خارج السرب, لا يستعير لغته من احد, ولا يأبه إلا لنفسه في انتمائه وعشقه وعلاقته بالناس والامكنة.rlm;

الماغوط وفي لعذاباته.. قوي الحدس.. شجاع في اختراق حصار الخوف واعين الرقباء, منحاز الى الحرية والجمال والعدل.. وله طقوسه في حب الوطن وعشقه له.. وتجد في مسيرته الثرة سلمية ودمشق وبيروت محطات حميمة في دفاتره وفي حياته الشخصية والابداعية.rlm;

كتب الماغوط الخاطرة والقصيدة النثرية والرواية والمسرحية وسيناريو المسلسل التلفزيوني والفيلم السينمائي وهو في كل كتاباته حزين الى آخر الدمع.. عاشق الى حدود الشراسة, باحث عن الحرية التي لا تهددها جيوش الغبار.rlm;

يعتبر الماغوط احد اهم رواد القصيدة النثرية في الوطن العربي, وهو شاعر في كل نصوصه وفي كل تفاصيل حياته, يحتفظ بطفولة يندر مثيلها, يسافر في كل يوم الى نفسه وذكرياته, يذلل أحزانه وأوجاعه ويستعيد صور احبته واصدقائه وعذابات عمره.. ويداوي نفسه بالكتابة والمكاشفة فتولد قصائده ونصوصه حاملة صورة الماغوط وحريق روحه واكتشافاته التجريبية في الحياة واللغة.. فهو مدهش مفرد الاسلوب والموهبة, واصدقاء شعره في جيله وكل الاجيال اللاحقة يتبارون في الاحتفال والاحتفاء به شاعراً واديباً وكاتباً كبيراً.rlm;

محمد الماغوط

مجنون المدن والعصفور الأحدب

عباس بيضون ـ السفير

لا نضيف شيئا إذا قلنا ان محمد الماغوط lt;lt;شاعرgt;gt; كبير. بل اذا قلنا انه الشاعر. إذا كان الشعر سحرا واعجوبة فالماغوط هو الشاعر، وإذا كان سليقة فوارة فهو الشاعر، وإذا كان حقيقة في الحقيقة او جرحا او غناء او ارتحالا او حياة موازية، فهو الشاعر.
محمد الماغوط يرحل اليوم كما يرحل جد عظيم من اجداد القصيدة العربية. فالرجل الذي لم يطو اوائل سبعيناته ربى اجيالا من الشعراء، ونحن اليوم لا نرى شاعرا لم يأكل من خبزه او من خبز صُنع في معجنه. شاعت قصيدة الماغوط في شعرنا كالسر، ودخلت في مسامه وشغافه بدون ثقل وتشرّبها خفية عنه. حتى لقد لاح في يوم انها الشعر بالمطلق؛ الشعر الذي لا يُنمى لأحد ولا يحتاج الى صاحب. هذا شعر لم يعتّق فوجد كل فيه جديده، ولم يستعص فحسبه كلٌّ من فيضِ نفسه، وتلبّسه كثيرون وهم يحسبون انه ثوبهم الخاص، وقالوه حتى حاكى اصواتهم. هكذا سار كالشائعة، وتوزع في الخلق كالحَب في الأرض، وأثمر في حقله وغير حقله. لا نعرف شعرا رسب في شعرنا بمقدار ما فعل شعر الماغوط. بل لا نعرف شعرا اتسع عن صاحبه حتى حجبه كما فعل شعر الماغوط. انه دَين كبير وعلينا الآن ان نرده. لن نعيد الى الماغوط كل حرف اخذناه منه، ولا كل صورة، فهذا قد يلخبط تاريخ قصيدتنا الحديثة كلها. احرى بنا فقط ان نعرف انه غدا بدون علمنا احد كلاسيكيي القصيدة الحديثة. بل غدا، بدون علمنا، محل إجماع نادر في هذه القصيدة.
كثيرون يظنون، خطأ أو صوابا، ان قصيدة النثر الحديثة بدأت بمحمد الماغوط. لا لأنه طبعها باسمه فحسب، بل لأن قصيدته بدت مكتملة كأنها لم تمر بالبدايات. لقد خرجت ناضجة كأنها لا تحتاج الى تاريخ. دخلت المعترك بالقوة التي لم يستطع احد معها ان يشكك في اصلها وفصلها، او ان ينتبه الى انها بوزن او بلا وزن. لم يظهر نقصها بقدر ما ظهر كمالها. هكذا بدت مثالا اكثر منها تفاحة منشقة. طرحت على الشعراء تحديا حقيقيا لم ينتبهوا معه الى ان لها جِلْدا آخر. لقد كانت الغناء الذي يطلبونه ولا يجدونه، والصناعةَ التي يبحثون عنها، والصورة التي تتولد كالشرارة من المفارقة والتضاد. لم يسعهم ان يعيّروها بالنثر، ولو بقي الأمر لشعر الماغوط لكانت قصيدة النثر دخلت في شعرنا دخولا سلسا ولما كانت جابهت على الباب حراسَ الوزن وحراس اللغة وحراس التقليد، ولما دخلت متقصّدة ان تكون لعنة ومرضا وانشقاقا.
منذ lt;lt;حزن في ضوء القمرgt;gt;، بدا ان الشاب المولود في السلمية 1934 قد استطاع بمعجزة ما ان يكتسب لغات واصواتا لا يدري
احد كيف جمعها. كانت موجة الحداثة واللحاق بموكب عالمي مزعوم وبكوكب عائم للشعر. كانت الحداثة، وكان الحج الى الغرب، ولم يفهم احد كيف وصل هذا النبأ وتلك الأخيلة وهذه الفطرة المدهشة الى اطراف البادية، وأين عثر عليها هذا الشاب الذي احرقت أجفانَه جمرةُ الصحراء. أهو التاريخ العريق تحرك في باطن الأرض وكلّمه. أهو وحي من الغيب، أم هو ملاك الشعر وقف على فمه وساعده. لم يدر أحد كيف وصلت هذه المخيلة المهلكة، وهذا البستان العجائبي، وتلك الرؤى البروميثيسية، وذلك السِّفْر الخيالي، الى هذا الشاب الذي ظل طوال حياته شكاكا بالكتب والنظريات. لنقل ان هذه معجزة الشعر. لنقل ان ما كتبه الماغوط كان برهانا ميدانيا على جدارة مبدأ مجلوب احتاج الى وقت ليجد لنفسه موضعا وفضاء. من اين استطاع محمد الماغوط ان يصل الى دم اللغة، والى دم الشعر الحي، وان يقشّر الكلام ويصل الى عصارته ولبه النابضين. لقد فعل ذلك، ليس بالوحي وحده، بل بمعاناة عظيمة أحرقت كل التراب الذي في صدره وفي عينيه، وجعلته يصل الى الوهج الصافي. معاناة ليست لشخص فحسب، ولكن لحقبة. لقد كان هذا الشعر بحق في لحظة الانتقال الى المدينة. كان افتتانا بالرصيف والشارع والحانة والمقهى، والمبغى ايضا، بقدر ما كان رجما للحظة غادرة تجف فيها الانهار وتقوم الدول على جبل من الأكاذيب
استطاع الماغوط، بأربعة كتب فحسب، أن يصور أسطورة الانتقال هذه. لم تكن خروجا ولا شتاتا ولا ملحمة من أي نوع. لم تكن أسطورة إلا بالمعنى البعيد للكلمة. لقد كانت تسكعا وصعلكة وزمنا يتبدد في الشوارع. كانت حياة تتبدد في الشوارع وتتساقط كالحطب اليابس. لم يحب الماغوط التاريخ ولا الملاحم ولا الأساطير. قال ان رأسه مثقوب من هذه الجهة. ما رآه دائما كان حاضرا متأزما، لكنه حاضر فحسب. كان شعره، بسبب ذلك، مذكرات مدينة ويومياتها. كانت عيناه ملتهبتين بإعادة تخيل العادِيَات. إذا قالت المدينة للماغوط اشرب دموعك فلأنه يعاقب نفسه على افتتانه بها. كان الشارع دائما مرآته. لقد كره الدولة كما يفعل فوضوي حارب بيأس في كومونة باريس، أو جمهورية روسية. هو الذي لا يعرف ذلك، كان أكثر الناس شبها بعصره. حين رفض أن يراه من وراء أحاج وحذلقات وأقنعة، كان على الأقل يبشّر بالحياة قبل أن يبكي لخسارتها، وقبل أن يُدينها.
محمد الماغوط، بأربعة كتب فحسب، كتب كثيرا. ليس مهما أن نقول إنها في النهاية أربعة كتب: lt;lt;حزن في ضوء القمرgt;gt;، lt;lt;غرفة بملايين الجدرانgt;gt;، lt;lt;الفرح ليس مهنتيgt;gt;، lt;lt;العصفور الأحدبgt;gt;. هذه الكتب كانت كلمته الحية، أما الباقي فهو الموت الذي يحيطها. يمكن للعشاق أن يجدوا مجددا مواساتهم في شعره. يمكن للثوريين أيضا، وللمتسكعين وللمحتجين من كل لون. يمكن للشعراء أن يجدوا عيدهم المكسوف. يمكن للتلاميذ، وحتى للأبرياء وللأطفال، أن يجدوا شيئا لهم. لنقل ان هذا الشعر قدم أيضا نموذج حياة. من يقرأ محمد الماغوط فسيعرف السحر العظيم للتسكع؛ السحر العجيب للشارع. من يقرأ الماغوط يفهمْ أن الشعر أيضا نموذج. انه أيضا حرب المهزومين والبراءة المكسورة والقتال الفردي ضد الماكينات الجبارة. بل من يقرأ هذا الشعر يعرف أيضا نبل الشقاء وكرامته، والكره النظيف والطاهر للجبابرة والكاذبين. وإذا عنَّ لأحد أن يعود إلى دواوين الماغوط الأربعة، فسيجد المرثية المسبقة والأصفى لعصر من الأكاذيب.
الماغوط الذي وجد الشعرَ بمعجزة ووجده الشعرُ بمعجزة. الذي تكلم كل اللغات بوحي لا يُدحض. الذي رسم عصرا قبل أن يتكون ورثاه مسبقا قبل أن يبلغ نهايته. الذي اتحد اسمه وأثره بالشعر والذي هو الجد الأول، ولكن أيضا الزميل والأخ. الماغوط الذي فاض شعره عنه يرحل الآن، وسنشعر فورا بأن هواء هائلا مرق بأجنحة جحيمية، وأبواباً هائلة أطبقت، وفراغا كبيرا حل. ذلك أن شاعرا حقيقيا يصفق وراءه أبوابَ الجحيم. عندئذ ستخرج من الكتب الأربعة رؤى ومخلوقات وأحداث وتفاصيل لا يراها إلا مجنون مدن كالماغوط. وسنعلم ان أسطورة حية زالت قبل أن نَخبرها، وعالما رائعا، لم نستحقه، طار عنا.

اهم مؤلفات الماغوط:rlm;

1- حزن في ضوء القمر- شعر (دار مجلة شعر- بيروت 1959).rlm;

2- غرفة بملايين الجدران- شعر (دار مجلة شعر- بيروت 1960).rlm;

3- العصفور الأحدب-مسرحية 1960 (لم تمثل على المسرح).rlm;

4- المهرج- مسرحية (مثلت على المسرح 1960- طبعت عام 1998 من قبل دار المدى- دمشق).rlm;

5- الفرح ليس مهنتي- شعر (منشورات اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1970).rlm;

6- ضيعة تشرين- مسرحية (لم تطبع- مثلت على المسرح 1973-1974).rlm;

7- شقائق النعمان -مسرحية.rlm;

8- الأرجوحة- رواية 1974 (نشرت عام 1974-1991 عن دار رياض الريس للنشر).rlm;

9- غربة- مسرحية (لم تطبع - مثلت على المسرح 1976).rlm;

10- كاسك يا وطن- مسرحية (لم تطبع- مثلت على المسرح 1979).rlm;

11- خارج السرب - مسرحية (دار المدى- دمشق 1999 مثلت على المسرح باخراج الفنان جهاد سعد).rlm;

12- حكايا الليل- مسلسل تلفزيوني (من انتاج التلفزيون السوري).rlm;

13- وين الغلط- مسلسل تلفزيوني (انتاج التلفزيون السوري).rlm;

14- وادي المسك- مسلسل تلفزيوني.rlm;

15- حكايا الليل- مسلسل تلفزيوني.rlm;

16- الحدود- فيلم سينمائي (انتاج المؤسسة العامة للسينما السورية, بطولة الفنان دريد لحام).rlm;

17- التقرير- فيلم سينمائي ( انتاج المؤسسة العامة للسينما السورية- بطولة الفنان دريد لحام).rlm;

18- سأخون وطني- مجموعة مقالات (1987- اعادت طباعتها دار المدى بدمشق 2001).rlm;

19- سياف الزهور- نصوص (دار المدى بدمشق 2001).rlm;

- اعماله الكاملة طبعتها دار العودة في لبنان.rlm;

- اعادت طباعة اعماله دار المدى في دمشق عام 1998 في كتاب واحد بعنوان (اعمال محمد الماغوط) تضمن: المجموعات الشعرية: حزن في ضوء القمر, غرفة بملايين الجدران, الفرح ليس مهنتي, ومسرحيتي: العصفور الاحدب, المهرج ورواية الارجوحة.rlm;

ترجمت دواوينه ومختارات له ونشرت في عواصم عالمية عديدة اضافة الى دراسات نقدية واطروحات جامعية حول شعره ومسرحه.rlm;

كرم اديبنا العاشق والمحب للوطن في دمشق 2002 بالتزامن مع صدور كتاب (حطاب الأشجار العالية). مختارات من كتابات الماغوط عن السلسلة الشهرية المجانية كتاب في جريدة- اليونسكو 60 وذلك بمبادرة من مؤسسة تشرين للصحافة والنشر المساهمة في مشروع السلسلة.rlm;

تحويل الحياة بأسرها

إسكندر حبش ـ السفير

تعاودني المشاهد الأخيرة كأنها تجري الآن بالضبط. لا يريد هذا الشريط أن يتوقف، إذ يستعيد معه العديد من الحوارات والكلمات والنكات التي كنّا نتبادلها معا، كأي شخصين يجلسان خلف طاولة في مقهى. لنقل إن المشهد الأخير كان كذلك: أخرجُ مع محمد الماغوط من مقهى فندق الشام، نقف على الباب الخارجي مقابل lt;lt;المكتبة العامةgt;gt;. يضع قبعته على رأسه، lt;lt;سماعات الوكمانgt;gt; في أذنيه، نلقي التحية على أمل اللقاء. يأخذ الطريق إلى الجهة اليمنى، ليذهب إلى بيته الواقع في حيّ المزرعة سيرا على الأقدام. أشاهد كتفيه العريضين، قبل أن أجتاز الشارع إلى الجهة المقابلة، لأنتظر سيارة تقلني إلى مساكن برزة. كنّا قبلها قد جلسنا لفترة طويلة، في هذا المقهى، نتبادل فيها الكلام، على جاري العادة كلّما كنت في دمشق. لم نكن على موعد في أي من الأيام، كان يكفي فقط، أن آتي إلى مقهى الفندق حيث اعتاد أن يجلس صباحا. أراه هناك، وبعد التحية والأسئلة المعتادة، يدور حديث يشبه حديثاً انقطع ذات يوم لكنه يبدو وكأنه لا يزال يقف عند نقطة معينة، بانتظار لحظة ما لكي نستعيده.
الكتفان العريضان يذهبان في رحلتهما اليومية. لا يغيبان إلا ليعودا في اليوم التالي. لم أره غداة ذلك اليوم. بالأحرى لم أشاهده مجدداً طيلة السنوات الماضية، تماماً منذ الفترة التي كتبت فيها عن حواراته مع خليل صويلح التي صدرت في كتاب يحمل عنوان lt;lt;اغتصاب كان وأخواتهاgt;gt;. ربما لأتفادى نقاشا جديداً معه، إذ لم يعجبني إلحاحه الدائم على lt;lt;مهاجمةgt;gt; أدونيس (في الكتاب) فقط، لأنه شخص مثقف. هذه الفكرة قد تكون في صلب تفكير الماغوط، بل تبدو إحدى مكوناته الرئيسية: lt;lt;الشعور بحساسيةgt;gt; ما، من كل ما هو ثقافي. وكأن كلّ الشعر والمسرح والمقالات التي كتبها لا تندرج في هذه الخانة الثقافية. من هذا الحيّز يأتي جلّ ما كتبه محمد الماغوط: الكتابة بعفوية lt;lt;شعبيةgt;gt;، إذ كان يرى أن lt;lt;طريقتهgt;gt; هذه تكون أسهل في الوصول إلى شريحة كبيرة من الناس. هو واحد من الذين اعتقدوا فعلا أن الكتابة تكون لهذه الشريحة الواسعة، الشعبية، لكن ما فاته ربما، أن الأزمنة اختلفت كثيرا عمّا كانت عليه منذ أن بدأ الكتابة. ربما أنه لم تعد هناك حقا من شريحة lt;lt;شعبيةgt;gt; واسعة تتابع الثقافة، حتى بمفهومها الأول. هل لذلك لم يعد ينشر الشعر في الجزء الأخير من حياته؟
من الصعب إيجاد مبررات لتوقف محمد الماغوط عن النشر، لأنه لم يتوقف عن الكتابة بالتأكيد. هذه الكتابة التي علينا أن نعترف بأنها حقاً واحدة من أجمل كتابات الحداثة العربية الجديدة التي بدأت في الخمسينيات. تعالوا لنقم بلعبة صغيرة: ماذا لو أحصينا مئات الأسماء التي نشرت في مجلة lt;lt;شعرgt;gt;، كم من واحد بقي لغاية اليوم عالقا في الذهن؟ أسماء قليلة بالتأكيد ومن بينها محمد الماغوط من دون أدنى شك. هو واحد من أكثر مواهب تلك الشريحة التي لا غبار عليها. إلى اليوم لا يزال نصه الشعري يملك هذا التماسك الذي لن تجده عند أي شاعر آخر. هو أيضا أحد الذين فهموا ومن دون أي مراجع ثقافية، كان يفضل الابتعاد عنها ما معنى قصيدة النثر وفق ما توارثناه من المفهوم الأوروبي الصرف، (وبالتأكيد لا نستطيع إغفال أنسي الحاج). هذا الفهم، لم يكن ليتم بدون هذه الموهبة الحقيقة، الخام، البعيدة عن كل تأثيرات القراءات lt;lt;الخارجيةgt;gt;. موهبة وكأنها تكونت لوحدها، وهذا ما يعطيها هذه الأهمية الاستثنائية والفريدة في مسارات الشعر العربي الجديد.
هذه المسارات الشعرية أكملها محمد الماغوط بمساراته الحياتية المتشعبة. حياة لم تعرف الراحة منذ بداياتها، ربما من هنا قوله مؤخرا، في أحد أحاديثه الصحافية وهي أحاديث قليلة في جميع الأحوال من أن الجسد خانه. ما لم يكتبه الماغوط على الورق، كتبه عبر هذا الجسد في رحلته الدائمة، في توتره الدائم، في ثورته المستمرة التي لم تهدأ. كان يريد تحويل الحياة بأسرها. ليس الوحيد من راوده هذا الحلم الرمبوي (نسبة إلى رَمبو، الشاعر الفرنسي)، لكنه بقي الأكثر إخلاصا له بمعنى من المعاني. لكن، ومثلما هي الحال دائما هي الحياة من كان لها الكلمة النهائية.
من الصعب دائما أن ندخل في هذه المتاهة، في دوامة هذا الصراع الذي نظن أنه بالإمكان الفوز به. ومع ذلك نعتقد أشياء كثيرة، وبأن الكلام يمكن له أن يقف في مواجهة، كل شيء. ربما هذا هو معنى الكتابة في نهاية الأمر: أن تكون مواجهة ما وتحد وإلا ما معنى هذا الحلم الواهي في أننا نستمر وفي أننا نؤمن بأننا سنفوز بشيء ما. قد لا يكون الماغوط قد فاز بالشيء الكثير، لكن الأهم، فاز بمحبة الكثيرين، باحترامهم. بأنه شاعر لحق كثيرا بأحلامه ولم يرغب في أن يعترف بهزيمته أمام الحياة، إذ حاول أن يبدو دائما وكأنه أكبر منها، بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
لا يزال المشهد يأتيني مثلما كان عليه في آخر مرة: الكتفان العريضان يسيران في رحلتهما اليومية. كتفان عريضان، لا ليحمل عليهما lt;lt;سلافgt;gt; وlt;lt;شامgt;gt; فقط، بل ربما ليحمل عليهما أيضا كل هذا الألم الذي لم يعرف كيف يطرده، وإن نجح في كثير من الأحيان من ترويضه، من تأجيله إلى أيام أخرى. لكن هذه الأيام التي حلم بها، لا أظنن أنها أتت. بل بقيت مجرد اشتهاء بأن عالماً ما قد يسع كل الإحباطات، التي أصبنا بها، كل الأحلام التي اعتقدنا بأنها ممكنة التحقق.
بالتأكيد إن موت شاعر، لا بد أن يغيّر شيئاً ما في هذا العالم المتداعي فوق رؤوسنا، فكيف بالأمر والشاعر هذا ليس سوى الماغوط نفسه؟

الشاعر العصفور .... في قفص الغياب...الماغوط .. وعملاق آخر يترجل..

اتحاد الكتاب العرب ينعي الماغوط

ان اتحاد الكتاب العرب ينعى الشاعر محمد الماغوط هذا الشاعر الذي ينتمي الى مدينة سلمية مولدا ولكنه ينتمي الى الثقافة العربية نسبا وانتماء فقد عمل في الصحافة الادبية طوال حياته حتى وداعه الاخير.rlm;rlm;


واضاف لقد كان الماغوط صاحب زاوية مميزة وكان واحدا من كتاب قصيدة النثر المعدودين والمشهورين في الوطن العربي وأحد رواد مجلة شعر اللبنانية التي كانت على شهرة واسعة في اواخر الخمسينيات وكتب للتلفزيون مسلسلات ومسرحيات عديدة.. ومثل ذلك فعل مع المسرح والف في الرواية والشعر والمقال الادبي وله رسائل متبادلة مع عدد من الادباء المشهورين في الوطن العربي كالشاعر العراقي المرحوم بدر شاكر السياب ولهذا لا عجب بعد ذلك كله ان تكتب حول ادبه دراسات نقدية وادبية كثيرة.rlm;rlm;

وقال.. ان هذا الادب المتميز جعله يستحق وسام الاستحقاق من الدرجة الاولى في القطر العربي السوري الذي قدمه له السيد الرئيس بشار الأسد وكذلك استحق جائزة سلطان عويس لعام 2..5 فإذا كان اول نتاج له ديوان شعر بعنوان حزن في ضوء القمر فإننا نقول ان الحزن يتجدد بفقده الىوم فقد خسر المثقفون والكتاب والادباء والحركة الادبية بفقده رائدا من روادها الكبار.rlm;rlm;

واضاف جمعة نحن في اتحاد الكتاب العرب فقدناه كفارس من فرسان جمعية الشعر ولا يسعنا الا ان نقول تغمد الله فقيدنا الماغوط بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه والهمنا جميعا الصبر والسلوان.rlm;rlm;

حنا مينه: جنون العبقريةrlm;rlm;

وصف الاديب والروائي الكبير حنا مينه الراحل الكبير محمد الماغوط بانه كان شاعرا كبيرا ومسرحيا كبيرا وعبقريا له في جنون العبقرية غزل مجنون وانه في المبضع الاصيل الجارح كان يفقأ الدمامل للذين لايعملون لمصلحة الوطن والشعب اللذين نفديهما بنور العيون.rlm;rlm;

واضاف مينه في تصريح للوكالة العربية السورية للانباء سانا كان الراحل الكبير محمد الماغوط شاعرا عبقريا نادرا في العبقريات تصرخ في قافلته المدماة المجنحة الكبرياء قائلة انا هنا. رجوة حق في تباب حق غلابا يوخذ وغلابا يسمو وهذه الصرخة المتضرمة المدوية المجلجلة المنضرة العنيفة الغضوم هي صرخة شاعرنا الكبير الحبيب المرحوم محمد الماغوط.rlm;rlm;

واضاف ستستمر هذه الصرخة مااستمر عطاء الشاعر العبقري وهذا العطاء سيستمر في ان تكون له الصحة والعافية ولكن القدر شاء ان يأخذ به الى الملا الاعلى تاركا وراءه الكثير الكثير من الاصدقاء والاحباء في سورية خصوصا وفي الوطن العربي الكبير عموما وفي العالم كله.rlm;rlm;

وقال مينه رحم الله العبقري الكبير المرحوم محمد الماغوط الذي اختطفه الموت فجأة وتركنا نحن اصدقاؤه في حيرة من أمرنا لانملك الا التسليم بقضاء الله وقدره.rlm;rlm;

واضاف مينه لقد اهتمت سورية بفقدان هذا الشاعر الكبير والمسرحي الكبير اهتماما مشكورا كما اهتمت اهتماما كبيرا مشكورا برحيل هذا الاديب الكبير النادر امثاله من اصحاب العبقريات.rlm;rlm;

الرحمة لفقيدنا الكبير العزيز الذي نفديه بالدموع.rlm;rlm;

ونسال الله ان يتغمده بواسع رحمته وان يسكب الصبر والسلوان على جراح ذويه واحبته جميعا.rlm;rlm;

فاروق شوشة: انتهاء صفحة غير متكررةrlm;rlm;

عبّر الشاعر والاعلامي المصري فاروق شوشة رئيس مجمع اللغة العربية عن حزنه العميق وحزن الاوساط الثقافية والاعلامية المصرية لرحيل الشاعر والاديب الكبير محمد الماغوط وقال ان الماغوط واحد من شعراء الامة الكبار الذي تنتهي برحيله صفحة غير متكررة في تاريخ الادب والمسرح العربي.rlm;rlm;

واضاف شوشة ان الراحل الماغوط رائد قصيدة النثر في كل الوطن العربي وانه مبدع متفرد في الادب والمسرح واستطاع من خلال كتاباته ان يعتصر خلاياه المبدعة وخلايا الوطن بكل الاحزان والامال والتطلعات والرفض حالماً بعالم جديد تسود فيه المحبة والانسانية.rlm;rlm;

ورأي اشاعر شوشة ان الماغوط سيظل نسيج وحده في كل ماكتبه من شعر وادب ومسرح .rlm;rlm;

وليد اخلاصي: الخسارة الكبيرةrlm;rlm;

الموت متوقع للناس جميعاً, ولا يمكن تصور أن يصل الى موهبة كموهبة محمد الماغوط.rlm;rlm;

بالرغم من هذا الظلام غير المنطقي والعقلاني فإن السؤال هل كان محمد الماغوط منطقياً وعقلانياً, ففي اعماله الشعرية والمسرحية, بالاضافة الى مقالته التي شكلت جنساً ابداعياً جديداً اذا ما قسناها الى المقالات المنشورة بالعربية, سنجد مدى تفوق هذا الرجل علينا وعلى نفسه.rlm;rlm;

الخسارة كبيرة, ولكن الخسارة اكبر عندما تتصور انه من الصعب ان يوجد شخص آخر يشابه الماغوط.rlm;rlm;

وهذا سيدفعنا الى تذكره بصورة مستمرة كواحدة من افضل حالات الابداع العربية.rlm;rlm;

محمد الماغوط .. كاهن الحبر والمفارقات

حسين عبد الكريم

بالأمس مات صاحبي

عيناه نجمتانrlm;

بكيته بلهفة..بكى معي المكانrlm;

الحي, المزرعة, والأم دمشق , والطفل الذي تحارب مع الشيخوخة واحزان العمر, والكوابيس محمد الماغوط..rlm;

هاجس الحبر عنده كرغبة متوغلة في النفس, ظل متمسكاً به من رأسه حتى آخر رعشة الحلم..rlm;

محمد الماغوط صاحب امبراطورية الكوابيس المتصالحة مع التمرد, يغادر هذه المرة من غير حبر واوراق بيضاء, وخشية تستقر, او تشاغب في العقل والانامل..rlm;

سنمر طويلا الى جوار بابه الخشبي وبحة صوته المرمية على قارعة الايام والمفارقات..rlm;

محمد الماغوط بنى مملكة ضخمة مترامية من الصدامات الفريدة من نوعها مع الزيف والخيبة ولم تترهل عفوية هذا الطائر العابث بالزرقة والآفاق.rlm;

قدر المحبة ان تصدعها الوداعات العاتية كرياح عتب من جهات التوق وجغرافيا الهواجس المتمرسة بالانسانية والوجع.rlm;

لا تنفصل المحبة عن الوداع والوجع..rlm;

منذ احزان وخيبات ومحمد الماغوط يصافحنا, والى جواره يجلس التعب وهم التواصل مع احداثيات الحياة وتفاصيل العيش والغائبين والحاضرين.rlm;

والحبر بقي كواحد من اصدقاء قليلين لم ينس ملامحهم واقسماتهم.rlm;

بيته, شبابيكه, اللهفة الطفلة للأصدقاء والمعفرين بشحوب الفقد والآتين الى وجدهم.rlm;

لا نمر اليوم او بعد السنين دون ان تصافحنا صورة محمد الماغوط وانامله المتورطة بالحبر والتحيات والعزف على وتر البراءة والعفوية.rlm;

ظل طوال عمره يتنفس هواء الالفة رغم عراكه المرير مع الكتابة والقطيعة والوحدة الموحشة.rlm;

عاش الى جوار احلامه وغيابات عجيبة ولم يفترق عن الحبر والكوابيس التي يحرسها كدمعة العين, ويحتمي بها من هجمات الأسف..rlm;

غيابه كأنه الدهشة المضافة الى نصوص غير مكتملة..rlm;

ستردد دلالاتها الامكنة التي الفت ان تلتقي بمحمد الماغوط كصديق مختلف وعاتٍ ومحترف كبير للاحزان والعزلة المبدعة.rlm;

مقهى الشام وقبله مقهى ابو شفيق في الربوة يحتفظان بخشونة صوت الماغوط ونكهة تأملاته الهاربة من وجه (الروتين) والتكرار الباعث على الملل..rlm;

لم يألف ان يعيش في كل حياته عاديا او مرتبكا بترتيبات وتدابير لا تتشابه مع الطفولة والتمرد..ورحيله جاء كحياته, نصاً مغايراً للوداعات الركيكة والمركونة جانبا كحانة مهجورة.rlm;

الكتابة فعل حضور في مواجهة الغيابات المرتقبة وكتابة محمد الماغوط اكثر جرأة على الاختلاف الجدير بالادهاش في كل عناوينه واوراقه, من حزن في ضوء القمر الى غرفة بملايين الجدران, الى الفرح ليس مهنتي, الى سياف الزهور, الى شرق عدن غرب الله, الى سأخون وطني, وخارج السرب.rlm;

ومسرحياته وافلامه ونصوصه الاخيرة المحتفية بحضوره والمنتظرة ان تحتفي.. لمحمد الماغوط حبرٌ جريء على المفارقة والاختلاف ولغته ومفارقاته محرضة على ان يظل حاضراً ومدهشاً ومقروءاً.rlm;

بيته في المزرعة سيبقى يصافح الظهيرة وحفنة من شوق لم يصب بالبرودة.rlm;

شهادات

إعداد: غازي حسين العلي

رؤية جارحة.. أبعد من التشاؤمrlm;

إن حزن الماغوط لم يكن حزن الرومانسيين المتثائبين على جسر التنهدات, لقد كان يضع احداقه في الدم الفائر فيطفر على احداقه وهذا ما جعل كتابته تفتح ارضا غير التي فتحتها مجلة (الآداب) اوالتي ذهبت اليها مجلة (شعر) كان محمد الماغوط كائناً وحشياً (طافراً) من غابة تغرس جذورها على اجسادنا وارواحنا دون ان يعبأ او يكترث بالكلام عن البدائل بمعنى انه لا يطرح خطابات احلام كما كان يفعل شعر الآخرين, الامر الذي لفت نظر الشعراء العرب محاولين ان يجدوا في عالمه نافذة على افق مغاير.rlm;rlm;rlm;

وكنت عندما أجلس إلى كتاب (غرفة بملايين الجدران) أشعر برهبة غامضة لفرط المسافة التي كان يجب عليَّ ان اقطعها بعد (انشودة المطر) او (اوراق في الريح) او ( اباريق مهشمة) او (احلام الفارس القديم) لكي اصل الى الارض التي يحرثها نص الماغوط بعظام اطراف الكائن البشري.rlm;rlm;rlm;


فإذا, كانت المسألة التي تتصل بالشكل ليست تجربته وحده بل هي تجربة جيل بأسره, جيل مسكين خدع منذ الصغر بالشعارات السياسية الفكرية البراقة ولم يكتشف انه مخدوع الا وهو يدق ابواب الشيخوخة بقضات واهنة فعلم آنذاك انه قد اضاع اجمل سنيَّ عمره هباء.rlm;rlm;rlm;

زكريا تامرrlm;rlm;rlm; : رجل القضايا الخاسرةrlm;rlm;rlm;

لقد كان محمد الماغوط دائما يظن انه رجل القضايا الخاسرة المخفقة, ولكن الوقوف مع الناس ابان محنهم لم يكن في اي من الايام قضية خاسرة, انما هو امتحان عسير للاديب ولا سيما الكتابة في وطن الطغاة أقل أماناً من النوم مع الافاعي في فراش واحد.rlm;rlm;rlm;

ينجح محمد الماغوط في الجمع على ارض واحدة بين الليل والنهار, بين الأمل واليأس, بين مرارة الهزائم وغضب العاجز, ليقدم صورة لما يعانيه الانسان العربي من بلاء من سياسييه ومثقفيه وجنده وشرطته واجهزة اعلامه مكثفاً ذلك البلاء الكثير الوجوه في بلاء واحد هو فقدان الحرية.rlm;rlm;rlm;

والحرية حتى في مملكة الحيوان تحمى بالمخالب والانياب وتهرق الدماء في سبيل الحفاظ عليها, اما في مملكة البشر فالحرية مبرر الوجود والاستمرار واذا فقدت غدت الحياة الوجه الثاني للموت.rlm;rlm;rlm;

ومحمد الماغوط الذي عاش اكثر من نصف قرن وعرف ما على القمة وما في الهاوية (ولا يزال حياً) يرصد في كتاباته تجربته القاسية المرة مع الحياة في الوطن العربي ولكنها دائما واخشى انها لم تتوقف عليه ابداً لان الروح الجديدة عند الماغوط هي ما ميزته بقوته ومرة واحدة عن رفاقه وهنا تكمن اهمية التجربة الشعرية للماغوط.rlm;rlm;rlm;

قاسم حدادrlm;rlm;rlm;: المتمردrlm;rlm;rlm;

محمد الماغوط واحد من الشعراء الاكثر اقناعاً في تمرده على اشكال الكتابة الموروثة او السائدة او المبشر بها, وقد تكون كتاباته في شعرنا العربي الحديث الدليل الاكثر تماساً على ان الشعر يتجدد ويتألق في المغامرة بعيداً عن الحدود والضوابط على انواعها, لقد كان الماغوط في طليعة المغامرة الشعرية التي اطلقت الكتابة من القيود المتبقية لهاعلى اثر انطلاق القصيدة الحديثة في منتصف القرن العشرين.rlm;rlm;rlm;

لقد حاول الكثيرون ان يجعلوا قصيدة النثر ظاهرة او تياراً او مدرسة,فحاولوا ان ينصبوا الماغوط او غيره رائداً (او روّاداً) في هذا المجال, الا ان الماغوط ظل حالة شديدة الفرادة في شعرنا الحديث.rlm;rlm;rlm;

ظل لحناً شارداً لا تستوعبه جوقات العازفين المنشدين من دعاة النثر ودعاة الوزن على السواء.rlm;rlm;rlm;

جودت فخر الدينrlm;rlm;rlm;: مثل نسر في الفضاءrlm;rlm;rlm;

منذ ان وطأت قدماه ارصفة بيروت في منتصف الخمسينيات متأبطاً قصيدته الطويلة (القتل) التي كتبها خلف قضبان السجن, احدث اسم محمد الماغوط بلبلة في المشهد الشعري العربي, ليس بين صفوف شعراء التفعيلة فحسب بل داخل صفوف جماعة الحداثة انفسهم, اذ كانت مجلة (شعر) تعد نفسها حاملة مشروع الحداثة وقصيدة النثر على وجه الخصوص.rlm;rlm;rlm;

هكذا داخل الماغوط غاضبا ومتمردا على كل انواع القيود, ليس القوافي والاوزان فحسب, بل قيود الحياة نفسها, هذه الحياة التي لفظته باكراً خارج جدرانها ليجد نفسه صديق الارصفة الازلي وامير التسكع.rlm;rlm;rlm;

واذا كانت جماعة (شعر) عدته مجرد بدوي سوف ينشد بضعة مواويل ويمضي, فإنها اخطأت الحساب, ذلك ان محمد الماغوط لم يكف عن الحداء والسخط ابدا متجاهلا كل الاطر التي كانت تتحكم بمشروع الحداثة, اذ لم يكن لديه (مانفيست) سوى ابجدية الجوع والصراخ والحزن.rlm;rlm;rlm;

هكذا جاءت مجموعته الشعرية الاولى (حزن في ضوء القمر) بمنزله بيان تطبيقي عما يريد التصريح به, رافعاً راية الحرية منهجاً لكل ما يكتب.rlm;rlm;rlm;

وحين احس بأن باب مجلة (شعر) ضيق على منكبيه, هجر رفاق الدرب دون عودة او ندم عائداً الى ارصفته ومقاهيه وعتباته الاولى ليحلق مثل نسر في الفضاء ثم يلتقط طرائده من حطام الحياة اليومية ومن دماره الروحي ومن حزنه التاريخي الذي لم ينضب ابداً.rlm;rlm;rlm;

وهو بعد نصف قرن من الاحتجاج والسخط لم يغادر خندقه الاول, اذ ظل متمرساً بأدواته نفسها وبمعجمه الهجائي وبنبرته نفسها ولم تغيره الشهرة ولا الاستقرار لا بل ازداد ضراوة وضجراً وكأنه لم يغادر غرفته القديمة التي شهدت آلامه واوجاعه الاولى, تلك الغرفة الصماء (غرفة بملايين الجدران) وكأنه لم يغادر ايام التشرد والتسكع والخواء, ما زال يردد (اختصاصي الوحيد الحرية) و (الفرح ليس مهنتي).rlm;rlm;rlm;

خليل صويلحrlm;rlm;rlm;:اللغة المشتعلةrlm;rlm;rlm;

قد يكون محمد الماغوط واحداً من اكبر الاثرياء في عصرنا, ارثه مملكة مترامية, حدودها الكوابيس..والحزن..الخوف..واللهفة الطاعنة بالحرمان, وشمسها طفلة نبيلة وشرسة.rlm;rlm;rlm;

عاش الماغوط مع الكوابيس حتى صار سيد كوابيسه واحزانه, وصار الخوف في لغته نقمة على الفساد والبؤس الانساني بكل معانيه واشكاله..لغته مشتعلة دائما, تمسك بقارئها, تسلعه كلماتها كألسنه النيران, ترجه بقوة, فيقف قارئ الماغوط امام ذاته ناقدا باكيا ضاحكا مسكونا بالقلق والاسئلة.rlm;rlm;rlm;

في قصائده ومقالاته ومسرحياته وافلامه, قدم محمد الماغوط نفسه عازفاً منفرداً, وطائراً خارج السرب, لا يستعير لغته من احد, ولا يشبه الا نفسه: في انتمائه ..وعشقه..وعلاقته بالناس والأمكنة.rlm;rlm;rlm;

وفيّ لعذاباته, قوي الحدس, شجاع في اختراق حصار الخوف واعين الرقباء منحازاً الى الحرية والجمال والعدل, وله طقسه النادر في حب الوطن..ورسم صور عشقه له التي تقدمه مغايراً للمألوف في قيمه وعواطفه وانكساراته واحلامه.rlm;rlm;rlm;

علي عبد الكريمrlm;rlm;rlm;

ريمون جبارة
(مخرج مسرحي)


أهم من الحياة نفسها
محمد الماغوط شاعر عبثي.
شاعر كبير عرفته قبل المسرح، وهو مسرحي كبير نجح كثيراً والثنائي دريد لحام.
هو أصلاً على ما أعتقد لم يكن قابضاً يوماً الحياة على محمل الجد، وهؤلاء الرجال هم برأيي أهم من الحياة نفسها.
خسرنا شاعراً كبيراً
وخسرنا مسرحياً كبيراً.
رجل مديني، quot;كنت أهكل همو كثير حين يكتب واقول لأصحاب مدري وين عايش هالرجل... عم بيروحوا الكبار والمبدعون، يا ريت الرب يخفف شوي عن المبدعين ويروح بطرفو نحو المجرمين..quot;.


يعقوب الشدراوي
(مخرج مسرحي)


بيغرغر من الوجع والضحك
محمد الماغوط شاعر حداثي كبير، اعتقد انه واحد من الكبار بالحداثة الشعرية كما انه مسرحي كبير بيغرغر من الوجع والاضحاك وشخصياته مدروسة بشكل دقيق جداً.
الأهم انه يحكي بصدق ولا يعرف الكذب اطلاقاً. يجب علينا أن نتأمل كثيراً في شخصيته ولدينا وقت كبير لندرسه ونعرفه جيداً.
التقيته ليس بعيداً، وزرته في منزله الدمشقي الجميل، وسألته حين اخبرته عن جائزة السلطان العويس لماذا تأخروا، فرد عليّ ضاحكاً سأصرف الجائزة كلها وسريعاً.. وحكينا، وضحكنا كثيراً حتى الوجع.


انطوان كرباج
(مخرج وممثل مسرحي)


من الذين عملوا quot;مجلة شعرquot;
محمد الماغوط أحد أكبر شعراء العالم العربي وخاصة فيما يتعلق بالقصيدة الحديثة. وكان من كوكبة الشعراء الذين عملوا مجلة شعر في مطلع الستينيات وعلى رأسها يوسف الخال، والتي ضمت معظم الشعراء الدين أحدثوا ثورة من خلال مجلة شعر على صعيد القضية النثرية.
يوسف الخال ومن حوله الماغوط وأدونيس وفؤاد رفقه وشوقي أبي شقرا ونذير عظمة وليلى بعلبكي ولور غريب.
المجلة أحدثت ثورة على صعيد قصيدة النثر وكان من المبرزين بينهم محمد الماغوط، وهو رائد القصيدة الحديثة في العالم العربي. تطرق اضافة الى الشعر الى المسرح وكان لي شرف أنا ويعقوب الشدراوي ان نطلع مع محمد الماغوط في مسرحية quot;المهرجquot;، ومسرحية quot;المارسيز العربيquot; وقد عُرضت الأخيرة في بيروت وتوقفت في 13 نيسان 1975.
بقيت على اتصال مع محمد الماغوط، وموته شيء مؤسف جداً. سألني آخر مرة متى تزورني، وسألته هل عندك مسرحية لي جديدة. فقال لي بالتأكيد. كنت على وشك أن أطلع اليه أواخر هذا الأسبوع. فاجأني الخبر المفجع..
محمد الماغوط، خسارة كبيرة للشعر والأدب والمسرح خسارة لا تعوّض.


زاهي وهبي
(شاعر وإعلامي)


عالم لا يجيد الاحتفاء بالشعر والشعراء
رأيته قبل أيام في دبي مثقلاً بتعب السنين والمرض يصعد الى المسرح كفارسٍ هرم لاستلام جائزة سلطان العويّس، وما أن تحرك عن كرسّيه حتى ضجت الصالة بالتصفيق لهذا العملاق الذي ظلّ شاباً نضِراً كما القصيدة. وظل حاضراً في حياتنا ويومياتنا رغم نأيه وابتعاده واختياره ما يشبه العزلة احتجاجاً على هذا العالم الذي لا يجيد الاحتفاء بالشعر والشعراء إلا وهم على مشارف الوداع.
أحببته قبل أن أعرفه. وبعد أن عرفته، في حياته وفي موته شاعراً يستحق التصفيق الحار.


غسان جوّاد
(شاعر)


دهشة العادي
لحظة صادمة أن يرحل محمد الماغوط.
خسارة كبيرة خاصة لجيل الشباب العربي وأنا واحد من هذا الجيل قرأت محمد الماغوط وأحببته.
كان شعره أقرب الى روح الشباب. هذه اللغة الواقعية السحرية، والتي فيها الكثير من العبث والخبطات الشعرية العالية.
محمد الماغوط ذو أثر كبير على الشعر العربي الحديث وتحديداً شعر الشباب وتحضرني دائماً منه أبيات منها بيت quot;منهزماً كجيشٍ يجلس القرفصاءquot;..
إنها الصورة الماغوطية المبهرة على سهولة وعلى دهشة العادي.

عن المستقبل