الصادق المهدي

مشروع اتفاقية السلام لدارفور التي قدمها الاتحاد الإفريقي لطرفي التفاوض، نصت على احترام حقوق الإنسان كما في المواثيق الدولية. وعلى أهداف الألفية التي أعلنتها الأمم المتحدة. وعلى العودة لحدود دارفور في عام 1956 بين دارفور وأقاليم السودان الأخرى، وعلى الاهتمام بالتنمية في دارفور وعلى الاعتراف بحقوق القبائل في أراضيها التقليدية المسماه laquo;حواكيرraquo;، هذه النصوص مقبولة وهي تحصيل حاصل لا تحتاج لتفاوض.

المشروع ينطلق من اعتماد اتفاقية نيفاشا laquo;يناير 2005raquo;، والدستور المؤسس عليهما كمرجعية. وهذا مرفوض من القوى السياسية السودانية ورفضته حركتا تحرير السودان والعدل والمساواة، عندما عرض عليهما ضمن إعلان المبادئ. واعتماد هذه المرجعية يمنح امتيازات حزبية لطرفي اتفاق نيفاشا ويحجم دور الآخرين.

بعد كل النزاع والتضحيات والخسائر التي لحقت بدارفور، فإن الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل كأساس لاتفاق سياسي هو:

أن يعود الأمر كما كان بشأن الإقليم الواحد. مشروع الاتفاقية المطروح يقوم على استمرار الولايات الثلاث إلى ما بعد انتخابات عامة، ثم يجري استفتاء ليختار أهل دارفور ما بين الإبقاء على الولايات الثلاث أو العودة للإقليم الواحد. إن تقسيم الإقليم إلى ثلاث جرى بقرار فوقي اتخذه نظام انقلابي دون مشاورة أهل الإقليم ولا يحتاج إلغاؤه لاستفتاء.

كان لدارفور تمثيل دستوري في رئاسة الدولة، وهو حق ينبغي رده لا في شكل مساعد أو مستشار، فهذه وظائف زخرفية لا تدخل في هيكل الدستور وتجارب النظام السوداني تدل على أنه يعتبرها زخرفية.

ينبغي النص على نصيب لأهل دارفور في كل مستويات السلطة، وفي الثروة، وبحجم نسبتهم في سكان السودان.

الأنصبة الحالية خاضعة لسقوف اتفاقية نيفاشا ولدستورها فيما يتعلق بالتمثيل السياسي. أما الثروة فقد اكتفت الاتفاقية بالنص على عطايا تدفعها الحكومة المركزية لا صلة لها بنسبة السكان ولا باحتياجات الولايات ـ laquo;عطية مزينraquo;.

نص مشروع الاتفاق على قيام سلطة إقليمية في دارفور انتقالية يقودها المؤتمر الوطني، ويمنح حركتي تحرير دارفور والعدل والمساواة، نصيبا غير محدد. ولكن الصلاحيات الدفاعية، والشرطية، والأمنية، والإغاثية سوف تكون تحت الحماية الدولية تمارسها بعثة الاتحاد الأفريقي. هذه الصلاحيات سوف تتبع للمفوضية المشتركة، ولمفوضية وقف إطلاق النار.

المفوضية المشتركة رئيسها هو ممثل بعثة الاتحاد الافريقي. ومفوضية وقف إطلاق النار سيكون رئيسها هو قائد القوات الأفريقية. وسوف تشرف على تنفيذ اتفاقية انجامينا لوقف إطلاق النار، واتفاقية أديس أبابا لنفس الهدف وحماية المدنيين، وبرتوكول أبوجا وثلاثتها أبرمت في 2004. هذه المهام سوف تزداد كما ونوعا بحيث تشمل: إشرافا دفاعيا على حصر قوات الحكومة والحركات المسلحة في مناطق محدودة.

حصر الأسلحة الثقيلة في رئاسات تلك القوات، ومنع حركتها وتخزين ذخائرها هناك.

تحديد مناطق معينة منزوعة السلاح.

تحديد مناطق معينة عازلة.

نزع سلاح الجنجويد.

إشراف شرطي لحماية المدنيين وحماية أنشطة الإغاثات. وحماية معسكرات النازحين.

الإشراف على أمن النازحين العائدين لقراهم طوعا.

هذه المهام الواسعة تحت حماية البعثة الأفريقية.

كانت البعثة الأفريقية قد عجزت عن القيام بالمهام قبل زيادتها، لذلك نصت الاتفاقية على الآتي: laquo;أن يطلب أطراف النزاع من البعثة الأفريقية وشركائها الدوليين، توفير الإعداد والعتاد والموارد اللازمة للقيام بالمهام المزيدةraquo; (مادة رقم 236).

القوات الأفريقية جزء من تدبير دولي يعترف به هذا النص وقابل للزيادة. كثيرون لا يرون مانعا في هذا التدويل الدفاعي، والشرطي، والأمني، والإغاثي حرصا على أمن وسلامة أهل دارفور في المقام الأول. أما المؤتمر الوطني الذي أعلن جعل دارفور مقبرة للقوات الدولية، فإنه بموجب هذه الاتفاقية قد تخلى تماما عن السودنة وعن السيادة الوطنية في دارفور. وكما هو معلوم فإن البعثة الأفريقية وحلفاءها الدوليين ملزمون بكافة قرارات مجلس الأمن رقم 1556 ـ 1564 ـ 1591 ـ 1593 وهي قرارات محاسبة ملزمة.

المؤتمر الوطني قبل هذه الترتيبات المبددة لدعاويه للمحافظة على مكاسبه الحزبية التي حصل عليها بموجب اتفاقية نيفاشا.

نصت الاتفاقية على الدعوة لاجتماع جامع لأهل دارفور بدون صلاحيات حقيقية، بل لدعم الاتفاقية والعمل على تنفيذها. إنه اجتماع زخرفي.

اتفاقية سلام دارفور هذه أبقت على كل عيوب اتفاقية نيفاشا التي سردناها وتكشفت في عامها الأول وزادت عليها عيوبا أخرى.

الاتفاقية لم تستجب لجوهر مطالب أهل دارفور المشروعة في المجال السياسي والاقتصادي وتعرض على الحركات انخراطا محدودا في حكومة نيفاشا انخراطا يغرس الفرقة بينهم ويدق إسفينا بينهم وبين العناصر المغيبة من أهل دارفور.

قيادة الاتحاد الأفريقي حققت عملا مفصلا في فرض الرقابة الدفاعية، والشرطية، والأمنية، والإغاثية هذه الإجراءات يرجى أن تساهم في زيادة أمن وسلامة إنسان دارفور، وأن تمهد للإشراف الدولي بعد شهر سبتمبر القادم.

أما فيما يتعلق بمطالب أهل دارفور السياسية، والاقتصادية فإن الوساطة الأفريقية أثبتت قصر نظر يكتفي بالتوقيعات، والمباركات، والاحتفالات دون اعتبار للجدوى والمصداقية. لا يرجى لمثل هذه الاتفاقية أن تحقق سلاما واستقرارا. وسوف يظل باب السلام والاستقرار الشامل مغلقا في غرب السودان، وشرقه، وفي جسم الحركة السياسية السودانية ما دام الوهم مستمرا بأن اتفاقية نيفاشا هي اتفاقية السلام الشامل.

لقد صارت هي ودستورها سببا في استقطاب وطني حاد في السودان، ومانعا من إبرام أية اتفاقيات سلام مع أطراف النزاع الأخرى.

السلام الشامل العادل، والتحول الديمقراطي الحقيقي قادمان في السودان عندما يفرض الشعب السوداني، ملتقى جامعا لأهل دارفور ولكل مناطق النزاع لقاءات يعقبها مؤتمر قومي دستوري يخلص السودان من عبثية الاتفاقيات الثنائية والأنانية الحزبية القصيرة النظر، التي تحاول الابقاء على امتيازاتها على حساب المصلحة الوطنية.