تغريد إبراهيم الطاسان
في لحظة إعلامية حساسة، تتقاطع فيها سرعة النشر مع سطوة المنصات، جاءت تصريحات وزير الإعلام سلمان الدوسري لتضع النقاط على الحروف، وتعيد تعريف الخط الفاصل بين حرية التعبير والمسؤولية المهنية. تصريحات لم تكن عابرة، ولا موجهة لظرف مؤقت، بل حملت رسائل واضحة لكل من يعمل أو يتصدر المشهد الإعلامي، بأن المرحلة القادمة لا تحتمل العبث ولا المجاملة.
حين يؤكد وزير الإعلام أن القوانين في المملكة تكفل حرية التعبير، فهو لا يدافع عن مبدأ نظري، بل يرسخ حقيقة قائمة. فحرية الرأي في السعودية لم تكن يومًا محل تشكيك، لكنها كانت - ولا تزال - مرتبطة بسقف النظام واحترام المصلحة العامة. غير أن الإشكالية اليوم لا تكمن في الحرية ذاتها، بل في سوء استخدامها، وتحويلها من حق مشروع إلى أداة لإثارة الفوضى أو تحقيق مكاسب شخصية على حساب الوعي العام.
الخطاب الشعبوي، كما وصفه الوزير، لم يعد مجرد أسلوب إعلامي سطحي، بل أصبح ظاهرة مقلقة، تستثمر في العاطفة، وتغذي الانقسام، وتبحث عن «الترند» ولو على حساب الحقيقة. وهذا النوع من الخطاب لا يخدم المجتمع، ولا يعكس نضجًا إعلاميًا، بل يكشف فراغًا مهنيًا يحاول أن يتخفى خلف شعارات الحرية.
ما يلفت في تصريحات وزير الإعلام هو وضوحها وحزمها. فالتأكيد على «عدم التهاون» مع من يستخدم حرية التعبير لخلق فوضى في الفضاء الإعلامي، يعكس وعيًا مؤسسيًا بأن الإعلام لم يعد شأنًا ثانويًا، بل قوة مؤثرة في تشكيل الرأي العام، وصناعة الفكر المجتمعي، وقد يكون - إن أسيء استخدامه - سببًا مباشرًا في زعزعة الثقة ونشر التشويش.
تأجيج الرأي العام، كما أشار الوزير، ممارسة إعلامية ممنوعة، لأنها تتجاوز النقد البناء إلى التحريض، وتتجاوز نقل المعلومة إلى توجيهها بشكل مضلل. وهنا يصبح الإعلامي أو صانع المحتوى شريكًا في الخطأ، لا ناقلًا محايدًا. فالمهنية لا تُقاس بجرأة الطرح فقط، بل بسلامة الهدف، ودقة المعلومة، واحترام عقل المتلقي.
في زمن المنصات المفتوحة، لم يعد كل من يملك حسابًا مؤثرًا مؤهلًا لقيادة النقاش العام. المسؤولية اليوم مضاعفة، لأن الكلمة تنتشر أسرع من التحقق، والانطباع يسبق التصحيح. ومن هنا تأتي أهمية إعادة ضبط البوصلة الإعلامية، ليس عبر التضييق، بل عبر ترسيخ مفهوم أن الحرية لا تعني الفوضى، وأن الاختلاف لا يعني التحريض.
تصريحات وزير الإعلام يمكن قراءتها بوصفها دعوة صريحة لإعلام ناضج، لا ينجر خلف الإثارة، ولا يتاجر بمشاعر الناس، ولا يختبئ خلف شعار «حرية التعبير» لتبرير التجاوز. هي رسالة بأن الدولة التي تحمي حق الرأي، تحمي في الوقت ذاته استقرار المجتمع، وتحفظ للخطاب العام توازنه.
في النهاية، الإعلام ليس ساحة صراع، ولا منصة لتصفية الحسابات، بل أداة وعي وبناء. وحين تُرسم له الحدود بوضوح، كما فعل وزير الإعلام، فإن الهدف ليس تقييده، بل حمايته من نفسه، وحماية المجتمع من ضجيج لا ينتج معرفة، ولا يصنع وعيًا، ولا يخدم وطنًا.
















التعليقات