عماد الدين حسين

من كان يظن أنه سيأتي يوم وتتهم فيه الولايات المتحدة الأمريكية حلف شمال الأطلسي «الناتو» بأنه يحاول جرها إلى حرب مباشرة مع روسيا، بل من كان يظن أساساً أن تكون هناك خلافات بهذا الشكل داخل الحلف، وحتى إن وجدت فلم يكن متصوراً أن تخرج إلى العلن كما هو حادث الآن؟

أحدث تطوّر درامي في هذا الملف حدث الأسبوع الماضي حينما خرجت تولسي جابارد، مديرة المخابرات الوطنية الأمريكية، لتنفي تقارير أوروبية تتحدث عن أن روسيا تخطط للسيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية، وقالت إنها أطلعت المشرعين الأمريكيين على معلومات مخباراتية تشير إلى أن روسيا تسعى لتجنّب صراع أوسع مع «الناتو».

جابارد ذهبت إلى أبعد من ذلك، وهي تنفي نوايا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأنه يسعى لمحاربة أوروبا بقولها: «هذه كذبة ودعاية تثيرها تقارير صحفية نيابة عن محرضي الحرب، الذين يريدون تقويض جهود الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب في أوكرانيا، والتي أسفرت حتى الآن عن مليون ضحية».

في تقدير جابارد فإن بعض الأوروبيين يروّجون بشكل خطير لهذه الرواية الكاذبة، ويثيرون الهستيريا والخوف بين الناس، لدفعهم لدعم تصعيد الحرب، وهو ما يريده حلف «الناتو» والاتحاد الأوروبي من أجل جرّ أمريكا لحرب مباشرة مع روسيا.

تضيف جابارد أنه انطلاقاً من تحليل أداء المعارك في أوكرانيا فإن روسيا لا تملك القدرة حالياً للسيطرة على كامل أوكرانيا ناهيك عن أوروبا. المثير أن بوتين قال كلاماً مشابهاً لكلام جابارد قبل أيام وهو يرد على الاتهامات الأوروبية بأنه يريد السيطرة على أوروبا. مرة أخرى فإن السؤال الذي يثيره كلام المسؤولة الأمنية الأمريكية الكبيرة هو: كيف وصلت العلاقة بين واشنطن والحلف إلى هذه الدرجة من التردي؟

المتغير الأساسي في هذه المعادلة هو دونالد ترامب ولا أحد غيره. قبل ترامب كانت نظرة أمريكا للحلف أنه الأداة أو الذراع التي تمكنها من السيطرة والهيمنة ليس فقط على أوروبا، ولكن على أغلبية دوال العالم. أمريكا كانت تتحمّل -ولا تزال- العبء المالي الأكبر في الحلف من دون هذا التذمر العلني والحاد، ولكن ترامب ومنذ ولايته الأولى ثم في ولايته الثانية وهو يلح ويصر ويطالب الحلف أن يزيد نسبة مساهماته ليس فقط إلى 2% كما كان يطالب سابقاً بل إلى 5%، وشعاره الذي كان يرفعه دائماً مفاده: «لا يمكن لأوروبا ودول الحلف أن تتمتع بالحماية الأمريكية مجاناً، وعليها أن تدفع مقابل هذه الحماية، وإذا رفضت فإن واشنطن لن تتحرك إذا قررت روسيا التهام أوروبا».

القضية الخلافية الأساسية هي الموازنة، الميزانية التشغيلية المشتركة للحلف تبلغ 4.6 مليارات يورو، والمستهدف أن تصل إلى 5.3 مليارات في يوليو المقبل، لكن الاعتماد الأساسي على ميزانية الدفاع في كل دولة، والتي تريد واشنطن أن تصل إلى 5%.