الثلاثاء: 2006.07.011


السير سيريل تاونسند

ساد جو من الاستغراب العام لدى إعلان وزيرة الخارجية البريطانية الجديدة والعادية جداً مارغريت بيكيت في 15حزيران (يونيو) موافقة المملكة المتحدة على سجن رئيس ليبيريا السابق تشارلز تايلور في حال أدانته المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

وقبل الدخول في حيثيات القضية العالمية، لم تتردد الصحف البريطانية في الإشارة إلى ازدحام السجون البريطانية وإلى قيام وزارة الداخلية أخيراً بإطلاق سراح عدد من السجناء الأجانب من دون أن تسعى حتى إلى ترحيلهم إلى الدول التي قَدِموا منها.

قبل أعوام عدة قمت بجولة في مبنى الحراسة المشددة في سجن بلمارش الواقع جنوب شرق لندن، حيث سيودع تشارلز تايلور. وكان هذا المكان الآمن كما بدا لي بزنزاناته الضيقة المطلّة على أسطح السجن من نوافذ صغيرة، قد شُيّد لاستيعاب كبار سجناء الجيش الجمهوري الايرلندي وتجار المخدرات العالميين. صراحةً، أكره حتى مجرّد التفكير في قضاء ليلة واحدة هناك.

وممّا لا شكّ فيه أنّ قضية تشارلز تايلور جدّ معقّدة، إذ لم يتوقّع أحد طوال أعوام أن يمثل أمام محكمة على غرار أسياد الحرب الأفارقة الآخرين. ففي العام 2003، دانته محكمة سيراليون الخاصة التي أنشأتها الأمم المتحدة لجرائم الحرب والانتهاكات الصارخة الأخرى للقانون الدولي التي ارتكبت خلال سني الحرب الأهلية الإحدى عشر في سيراليون. وستبقى هذه الحرب دوماً في الذهن بصورة حرب شديدة العنف والدموية، إذ قام المتمردون أثناءها بتقطيع أوصال الرجال والنساء والأطفال في محاولة منهم لترهيب الشعب.

وكان شارلز تايلور قد أُقصي من الحكم في آب (أغسطس) 2003، فقدّم له الرئيس النيجيري أوليسيغون أباسانجو آنذاك اللجوء في بلاده حيث نعم بالرخاء قبل أن يوافق الرئيس أباسانجو في آذار(مارس) من هذا العام على ترحيله إلى ليبيريا إثر الضغوط الهائلة التي مارسها المجتمع الدولي عليه بعد المعاملة الحسنة التي لقيها تايلور في بلاده. ولمّا أنذر تشارلز تايلور بقرار ترحيله حاول هذا الهرب عبر الحدود النيجيرية إلى ليبيا بحسب اعتقاد البعض، لكن قبض عليه في هذه الأثناء واقتيد إلى سيراليون.

ولدى وصوله إلى فريتاون، اكتشف ان تسعة من قادة الميليشيات المتمردة وتلك الموالية للحكومة مثلوا أمام المحكمة الخاصة التي أدركت حجم المهمة الملقاة على عاتقها. وما زال المعجبون بتشارلز تايلور أوفياء له في أفريقيا الغربية ولاسيما في ليبيريا. فهل سيقود وجودُه هذه المنطقة التي أنهكتها الحروب إلى عدم الاستقرار مجدداً؟ وفي خطوة حكيمة، اتصلت المحكمة بالحكومة الهولندية لتسألها نقل محاكمة تشارلز تايلور إلى لاهاي فواقفت هولندا. غير أن المحاكمة في لاهاي مكلفة. فمن سيدفع الفرق؟ لا إجابة واضحة بعد. وهل سيتمكن ضحايا تشارلز تايلور وأقرباؤهم من حضور المحاكمة؟

إدراكاً منها للمسؤوليات المترتبة عليها جراء وجود المحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة على أراضيها، ولكن استشعاراً منها بوجود بعض المشاكل، جعلت الحكومة الهولندية موافقتها رهناً باستيفاء شرطين أساسيين: على مجلس الأمن أن يجيز رسمياً نقل تشارلز تايلور، ووجوب نقل الأخير لدى انتهاء المحاكمة إلى بلد ثان سواء دين أم لا.

في البداية، لم يتقدم أي بلد لاستقبال تايلور إلى أن أبدت المملكة المتحدة ربما بعد ضغط شديد من الأمم المتحدة، استعدادها لوضعه في زنزانة لديها في حال ادانته. ولكن إن لم تتم إدانته، فسيكون على الحكومة الهولندية والأمم المتحدة أن تجدا له مأوىً جديداً.

أنا أؤيد خطوة وزارة الخارجية البريطانية التي يمكن أن تكلّف ميزانيتها حوالي 75،000 جنيه إسترليني سنوياً اذا أودع تايلور سجناً بريطانياً. فبريطانيا تحمّلت مسؤولية سيراليون من العام 1808 أي منذ ضمّت مستوطنة العبيد المحررين والهاربين في شبه جزيرة فريتاون إلى أراضيها وحتى 1961، تاريخ استقلال سيراليون الكامل ضمن الـ laquo;كومنولثraquo;.

تفخر بريطانيا عن حق بمساهمتها في إنهاء الحرب الأهلية في هذا البلد، كما تفخر ببسالة جنودها ومدى احترافهم.

أنا أعي كاملاً تحفظات العالم العربي عن دور المحكمة الجنائية الدولية. إذ ينظر إليها البعض على أنها عدالة دولية يفرضها الغرب أو أميركا بينما هي غريبة عن التقاليد الإسلامية. لكن من ناحية أخرى، اعترضت الولايات المتحدة وإسرائيل على المحكمة في روما في 1998 فيما حظيت بدعم 120 دولة أخرى. وأقول إنه من مصلحة كل الشعوب سوق المتهمين بارتكاب جرائم حرب فظيعة وكريهة بسرعة ومن دون أيّ تسويف ليواجهوا العدالة، وأنا أشمل بينهم تشارلز تايلور، الذي يقبع حالياً بأمان في لاهاي.