الجمعة: 2006.08.11

أفق آخر
خيري منصور


ليس من حق عربي أن يعيّر رئيس وزراء لبنان بدموعه التي قاطعته بضع مرات وهو يقدم لضيوفه العرب بصوت متحشرج مشهد الكارثة، ولا أظن أن هناك واحداً منا لم يجهش بالبكاء وهو يرى الأطفال وأشلاءهم معلقة كالذبائح على الشاشات، التي رشح الدم منها، وحين علقت وزيرة خارجية الاحتلال والاستيطان والغزو على دموع السنيورة، طالبت بأن يكفكف الدمع ويبدأ العمل.. لكنها لم تحدد العمل المطلوب منه، هل هو الرضوخ لرغبة الجنرالات الذين يجرونها ويجرون رئيس حكومتها من كمين إلى آخر؟

إنها امرأة لكنها صهيونية، وهذا ما يحرمها من تلك الحصة الأنثوية التي تحدث عنها فوكوياما وهو يتنبأ بتأنيث السياسة والتخفيف من غلواء ذكوريتها القاسية في القرن الجديد.

ويبدو أن هناك من يبكون سراً ومن يبكون علانية وعلى مرأى من الملأ.. والباطنية الصهيونية التي تجيد الاقامة في العوالم السفلية، تميل الى البكاء سراً، وإلى استعراض فائض القوة برعونة لا تليق بمن دفنوا جنوداً وضباطاً وبشراً كانوا يتوهمون أنهم معصومون من القتل، ومحصنون ضد كل شيء باستثناء الانتصار الدائم.

وقد تزداد نسبة الملوحة في دموع وتقل في أخرى، كي لا نذهب مع شاعرنا القديم الى أقصى خياله وهو يقول ان ملوحة البحار في كل العالم هي من دموعه.

إن ما جرى في لبنان وفلسطين بتزامن يعمق الأسى والخذلان يخلط بين دموع الانتصار العذبة كمياه الليطاني ودموع الانكسار المرّة.. فاللحظة بالغة التعقيد والالتباس، ولم يحدث من قبل أن وقف العربي حائراً بين موقفين: موقف اللائم والنادم، وموقف المؤيد والنصير، لأن ما ادخرته الذاكرة العربية من العدوان والانتهاك طوال عقود، يدفع شهوة الانتقام للكرامة الى أقصاها، لكن الحذر يبقى ماكثاً أيضاً، بسبب ما آلت اليه حروب بالغت في وعودها.. فكانت الصدمة أشد، والإحباط أكبر.

إن الطريقة التي قرأت بها وزيرة الخارجية ldquo;الإسرائيليةrdquo; دموع رئيس وزراء لبنان تفتضح القلب المتفحم لمن قرروا أن الحياة هي مشروع دائم لابتكار الأعداء، وإنني لأسأل تلك المرأة التي أرضعتها أمها حليب الهولوكوست المجفف، ما الذي كانت ولا تزال تشعر به وهي ترى الدبابات تسحق عظام الأطفال؟

هل ترى في هؤلاء مجرد أرقام من الجوييم الذين لا حق لهم في الحياة والأرض وكل شيء؟

أم انها تعيد أسطورة باندورا اليونانية التي تقول ان المرأة هي صندوق الشرور كلها إلى عصر ودع الأساطير؟ ولم يبق منها الا واحدة تتشبث هي وحكومتها وجنرالاتها بها؟

إن كل حرب أياً كانت حصيلتها الأخيرة لا بد أن تقترن بدموع، سواء كانت دموع فرح مالحة أو دموع فراق بالغة المرارة.. ولست هنا أدافع عن بكاء رئيس وزراء، لكني أقرؤها بطريقة مغايرة.. فقد يكون البكاء عتاباً وقد يكون اعتذاراً، وقد يكون على العرب، وليس أمامهم فلبنان دفع ثمن عروبته.