ديالي - عبد الواحد نعمة


يسيطر الرعب على أهالي محافظة ديالى (50 كلم شرق بغداد) ويستولي عليهم القلق من موعدهم المفتوح مع القتلة الذين كسروا حاجزي الوقت والمكان كما يقول حامد قاسم (45 سنة) ويضيف: laquo;بدأ الموت يدب في أوصال المدينة التي كانت تزخر بالتجارة والزراعة وكانت ممراً متميزاً للسياحة الدينية القادمة من إيران ودول اخرى من شرق آسيا عبر منفذ المنذرية الحدوديraquo;.

التجوال في شوارع بعقوبة مركز محافظة ديالى يعكس حذر الاهالي من أي مواجهات محتملة فيبتعدون عن مفارز الشرطة ويتركون الشوارع عند مرور رتل عسكري، وهي مخاوف عبر عنها أحمد تقي صاحب متجر في زقاق في احد الأحياء بالقول: laquo;قلما يسلم رتل عسكري او قافلة للشرطة من العبوات التي تزرع في كل مكان من المدينة وهي لا تفرق بين مدني وعسكريraquo; فيما يصف اللواء غسان الباوي، قائد شرطة ديالى المدينة بإنها laquo;ساحة معركة مستمرة منذ سقوط نظام صدام، راح ضحيتها اكثر من 275 شرطياًraquo;.

قرية كالمدينة

وديالى على حد وصف المؤرخ ياقوت الحموي laquo;قرية كبيرة كالمدينة بينها وبين بغداد عشرة فراسخ من اعمال طريق خراسان، وهي كثيرة الانهار والبساتين، واسعة الفاكهة، متكاثفة النخل، وبها رطب وليمون، يضرب بحسنها وجودتها المثل، وهي راكبة على نهر ديالى من جانبه الغربي، ونهر جلولاء يجري في وسطها، وعلى جنبي النهر سوقان، وعليه قنطرة وعلى ظهر القنطرة يتصل بين السوقينraquo;، هذه الأوصاف جعلت منها ميداناً للصراع الإقليمي مرة والطائفي مرات.

ويقسم العقيد حسن شاطي، وهو ضابط سابق في الجيش المنحل تطور الوضع الامني في المحافظة الى مراحل عدة أولاها بدأت بعد معركة الفلوجة الثانية عام 2004 وهي فترة البحث عن موطئ قدم في بعقوبة العاصمة والمدن المحيطة بها من جانب تنظيمات laquo;القاعدةraquo; وحزب البعث ومنظمات مسلحة اخرى خسرت مواقعها في الصحراء غرب العراق. واتخذت العمليات في تلك الفترة مدى ضيقاً لا يتعدى القرى والأحياء النائية وكانت تنفّذ تحت واجهات سياسية وعشائرية، وبعدها تطورت الى مرحلة اخرى وهي عبارة عن زحف في اتجاه مناطق اكثر نأياً عن اعين السلطة لكنها استراتيجية استهدفت مناطق تمثل حلقات في سلسلة تحكيم الخناق على بغداد، بدءاً في السيطرة على مناطق النهروان وجبال حمرين وبساتين الخالص التي تلتحم مع مناطق اخرى مثل الطارمية والكرمة وأبو غريب واليوسفية.

وخلال هذه الحقبة كانت العمليات تتوزع على مساحة جغرافية واسعة ما انعكس على طبيعة عمليات هذه الجماعات في بعقوبة والمدن الاخرى ثم تلتها مرحلة لاحقة وهي ما بعد عمليات ضرب معاقل هذه الجماعات في اليوسفية والمدائن وابو غريب (محيط بغداد) حيث لم يتبق لها ملجأ الا الانتشار في النهروان وحمرين والاندفاع بعد ذلك في اجتياح المدن والتمركز في مناطق توفر لها غطاء وخندقاً آمناً وحاولت بعدها غزو مركز المحافظة بمساعدة احزاب مناهضة للعملية السياسية وتنظيمات لحزب البعث المنحل وفي هذه الفترة كانت هناك عمليات مسلحة لافتة للنظر كماً ونوعاً فشلت بإسقاط المركز.


حرب الزرقاوي

ومع اعلان أبو مصعب الزرقاوي تكفير الشيعة وشن الحرب عليهم اخذت توجهاته العسكرية انتهاج استراتيجية اجتياح المناطق الشيعية والسعي الى ايقاع اكبر خسائر في اوساطهم، وتم ذلك على مرحلتين الاولى استهداف مقار الأحزاب ومكاتب المرجعيات والتيارات عبر عمليات جماعية وفردية والثانية بعد اتخاذ الزرقاوي من الخالص (30 كلم شمال شرقي بعقوبة) مقراً له بدأت عمليات الذبح على الهوية.

وكانت وراء اختيار الزرقاوي بساتين هبهب من ضواحي الخالص مقراً لقيادته اسباب عدة في مجملها تعبوية مع الأخذ في الاعتبار ميزات ميدانية، اذ تعد هذه المنطقة مركزاً لإدارة هجماته في شمال بغداد، فهو سيطر بذلك على طريق بغداد في ديالى والفلوجة وسامراء وحقق هدف عزل الشمال عن العاصمة والمناطق الأخرى ما أهله لقطع الطريق بين العاصمة والمحافظات الكردية.

ودخلت المحافظة بعد الزرقاوي بعد الزرقاوي مرحلة التركيز على مركز المحافظة، لتحقيق استراتيجية زعيم القاعدة السابق وكذلك لتحقيق هجمات انتقامية وهذا ما أكده الباوي الذي اشار الى laquo;ان بعقوبة ومنذ اشهر تشهد حرباً موزعة بين القتل والسلب للتأثير في الشارع، بدأت باستهداف موظفين في مؤسسات الدولة سواءً بالقتل أم بالتهديد لمنعهم من مزاولة وظائفهم، ثم اساتذة الجامعات وطلبتها عبر اساليب ترهيبية، واخيراً بدأت حملة واسعة في الأوساط التجارية لتهديد اصحاب المحال التجارية والقيام بهجمات ضدهم وابتزازهم وقد القينا القبض على جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة تبتز التجار لتمويل عمليات في المدينة وتشن بين الحين والآخر هجمات على الاسواق بهدف القضاء على الحياة في المدينة وتحريك الشارع ضد الحكومةraquo;.


موت مدينة

وقال سالم المفتي (50 سنة)، وهو تاجر أقمشة في بعقوبة laquo;ان الإرهابيين يحاولون تدمير اقتصاد المحافظة وتجارتهاraquo; وأشار الى ان شللاً تاماً أصاب 75 في المئة من الحياة العامة والتجارة، خصوصاً انهم (المسلحون) لم يكتفوا باغلاق الاسواق وإنما ذهبوا ابعد من ذلك في السيطرة على الطرق الثلاثة التي تربط المحافظة بالعاصمة بغداد وهم يخطفون التجار ويسلبونهم على هذه الطرق كما يقتلون بعضهم.

العقيد حسن شاطي لفت ايضاً الى وجود صراعات اقليمية للسيطرة على ديالى كونها تعتبر الخاصرة الشرقية للعاصمة، وتتوسط المسافة الى الحدود الإيرانية التي لا تبعد سوى 110 كيلومترات من بغداد، واعتبر عمل قوات الحدود واداء المخافر العراقية المنتشرة ضعيفاً وقوتهما لا توازي قوة الجماعات المسلحة العاملة في تلك المنطقة التي تعتمد عليها الجماعات المسلحة كممر لإدخال الاسلحة والاشخاص سواء من ايران ام من دول اخرى مثل افغانستان، وكذلك هناك سعي ايراني ومحاولة للهيمنة على الحدود لضمان دعم احزاب شيعية موالية في العراق وكذلك تعتبر ديالى ساحة مهمة لعمل الاستخبارات الايرانية في وجه نشاطات منظمة laquo;مجاهدين خلقraquo; التي تتخذ من منطقة الخالص معسكراً لقواتها وقيادتها في العراق والتي كانت تضطلع بدور عسكري ضد المدن الايرانية الحدودية أيام النظام السابق. ولا يستبعد شاطي تورط احزاب مشاركة في العملية السياسية ولها علاقات متينة مع منظمة laquo;مجاهدين خلقraquo; بمجمل حال الاضطراب في ديالى وامام تحديات المجموعات المسلحة تقف اجهزة الشرطة في ديالى بمواجهة ساحة مفتوحة للموت.. ويقول اللواء الباوي ان جهاز الشرطة يعاني النقص في العناصر والأسلحة والمعدات ويختم بالتأكيد.. laquo;ان ساحة التدريب الاساسية للقوى الأمنية عادة ما تكون في الميدان وليست في معسكرات التدريبraquo;.