الجمعة: 2006.09.22
د. رغيد الصلح
من الشائع في الولايات المتحدة تشبيه الرئيس الأمريكي خلال السنتين الأخيرتين من ولايته الرئاسية بالبطة العرجاء، اذ ينحسر نفوذه في الكونجرس ويتضاءل تأثيره على حزبه. ويحاول جورج بوش، مثل كل رئيس أمريكي ان يفلت من هذا الوضع القاسي وان يمارس صلاحياته حتى آخر يوم في رئاسته. ولكن هناك كثيرون في الولايات المتحدة ممن يعتقدون انه لو بقي بوش بطة عرجاء فحسب لكان من المحظوظين، وان مصيره قد يكون اشد قسوة من مصائر غالبية الرؤساء السابقين اذ تتردد بين الحين والآخر، في الأوساط السياسية الأمريكية، فكرة احالته الى المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الدولة وتحميله مسؤولية الاخفاقات الكبرى التي اصابت الولايات المتحدة في عهده.
ترداد هذه الفكرة قد لا يؤدي الى تنفيذها، ولكنه يعطي فكرة عن حجم ونوع الانتقادات الموجهة ضد بوش، وتتركز نسبة عالية من هذه الانتقادات عليه هو شخصيا، وتربط بعض الدراسات التي وضعها اختصاصيون أمريكيون بين ملكة بوش العقلية، من جهة، وبين هذه الاخفاقات، من جهة اخرى. هذا ما اظهرته دراسة وضعها عالم نفس في جامعة كاليفورنيا تناولت الزعماء الأمريكيين الذين تولوا رئاسة الجمهورية منذ منذ اكثر من قرن. إذ تبين الدراسة ان بوش هو اقل الرؤساء استعدادا للاستماع للنقد او للنصائح. فبينما وصل معدل الانفتاح الذهني لدى الرئيسين وليم كلينتون، وجون كنيدي الى 82% و95% على التوالي فانه يبلغ الصفر تماما عند بوش!
ان شخصنة الانتقادات ضد ادارة بوش قد تريح الذين يحملون بوش مغبة الأعمال العدوانية والمغامرة التي ارتكبتها ادارته. فمن الأرجح ان اهواء بوش ونزعته الانتقامية وهواجسه الدينية والسياسية كانت وراء بعض القرارات الخاطئة التي طبقتها هذه الادارة. ولكن بوش على الرغم من عناده، لا يحكم الولايات المتحدة لوحده، ولا وهو يحكمها في عزلة عن المناخ السياسي الذي جاء به الى الحكم. من هنا فاننا نجد تحولا ملموسا ومتناميا في السياسة الأمريكية وعلى اعتاب انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر المقبل من انتقادات بوش الى انتقاد البوشية، ومن انتقاد الرئيس الأمريكي الى انتقاد النظرات السياسية التي جاءت به ومعه الى الحكم، وخاصة تلك التي حملها وروج لها المحافظون الجدد.
من الطبيعي ان يكون الليبراليون والتقدميون الأمريكيون في طليعة الناقدين. هؤلاء لم يكفوا عن نقد بوش وعن تنبيه الأمريكيين الى مخاطر حكمه وتسلط المحافظين الجدد على ادارته. الا انهم، خلال المرحلة الأولى من حكمه، لم يلقوا آذانا صاغية لدى اكثرية الأمريكيين. ولكن هذا الوضع بدأ يتغير مؤخرا. ومن المؤشرات المهمة على هذا التغيير الارتفاع المتواصل في عدد مواقع الانترنت الأمريكية المنشأ ذات الاتجاه الليبرالي، والتزايد المستمر لعدد زائريها ونسبة المساهمات فيها وفي الحوارات التي تجريها اذ تصل الى عشرات الملايين من الأمريكيين والأمريكيات. ولقد ظهر تأثير هذه المواقع خلال حملة هوارد دين الذي رشح نفسه للرئاسة اذ تمكن عبرها من جمع مبلغ ضخم وخلال فترة قياسية لتمويل حملته الانتخابية. كذلك فان هذه المواقع لم تكن تحظى، من قبل، باهتمام سياسي واسع، أما الآن فإن البيت الأبيض يجد نفسه في بعض الأحيان مضطرا الى الرد عليها.
الانتقادات الأكثر خطورة على مستقبل بوش والبوشية هي تلك التي تأتي من الأوساط المحافظة القديمة. وكانت هذه الانتقادات خجولة في الماضي، فلم يكن سهلا انتقاد رئيس جديد يحمل بطاقة الحزب الجمهوري ويعتبر نفسه محافظا بامتياز. ولكن اصحاب هذه الانتقادات باتوا أعلى صوتا في الآونة الأخيرة إذ وجدوا المحافظين الجدد يدفعون بالحكم في ظل مباركة بوش بعيدا عن فلسفة المحافظين التي ldquo;تستمد جذورها من الحذر التاريخي تجاه القوة السياسية، وتستند الى العقل التجريبيrdquo; وإلى تبني فلسفة تقوم على ldquo;الاستنجاد بالقوى الغيبية ومجافاة الحقائق والواقع وتعظيم سلطان الرئاسة والقفز فوق القوانين والحكم الاعتباطيrdquo;، كما لاحظ مؤخرا اندرو سوليفان، احد ابرز المعلقين الأمريكيين المحافظين.
ان ثورة الليبراليين والمحافظين القدامى ضد جورج بوش لا تقف عند حدود الانتلجنسيا الأمريكية، بل انها تجتذب شخصيات سياسية من اليسار مثل كلينتون وآل غور والعديد من زعماء الحزب الديمقراطي، كما انها تحظى برعاية ملحوظة من اكثر الذين كانوا يعملون مع الادارات الجمهورية السابقة وفي مقدمتهم كولن باول، جون ماكين وجون وارنر وسوزان كولينز الذين لعبوا دورا مهما في الحيلولة دون موافقة الكونجرس على المشاريع التي دعمها بوش لشرعنة التعذيب وتشكيل محكمة الطوارئ المؤقتة.
ان اخفاق سياسة الولايات المتحدة شرق أوسطية هو واحد من اهم أسباب هذا التحول. فكل يوم يأتي واشنطن من بغداد وبيروت وغزة سيل من الأخبار التي تؤكد هذا الاخفاق، وتدحض مزاعم ادارة بوش. فمقابل التبريرات التي قدمتها واشنطن لتقديم دعم غير محدود ل ldquo;اسرائيلrdquo; في عدوانها على لبنان، ومقابل اصرار هذه الإدارة على اعتبار النهج الإرهابي لحزب الله سببا من هذه الأسباب، يقول موقع ldquo;ليبرال اوازيسrdquo; الأمريكي انه ldquo;لمن الحماقة ادراج حزب الله الذي لم يهاجم المدنيين الا ردا على هجوم ldquo;اسرائيلrdquo; على المدنيين اللبنانيين والذي ادان العدوان على مركز التجارة العالمي والذي يمكن اعتباره عنصرا يسهم في الاستقرار في المنطقة مع الجماعات الإرهابيةrdquo;.
ومقابل اصرار بوش على الربط بين النظام السابق في العراق وبين اعمال الإرهاب، تصدر عشرات التقارير الرسمية، ويعرب محافظون قدامى بارزون عن شكهم في صحة هذا الربط. ويذهب هارت في شكه ببوش الى حد اتهامه بانه تخلى عن المبادئ الرئيسية التي قامت عليها الديمقراطية الأمريكية والدستور الأمريكي، وانه بات على الأمريكيين الآن بدلا من استلهام هذه المبادئ، الاعتماد على ldquo;قرارات رأس للسلطة التنفيذية يتسم بالتهور المفرطrdquo;.
ان العالم والمنطقة العربية والولايات المتحدة نفسها سيكونون اكثر أمانا واسعد حالا عندما يخرج جورج بوش من البيت الأبيض، وعندما تخرج معه الأفكار الحمقاء التي روج لها واعتمدها محورا لسياساته، وعندما يخرج معه ومعها اولئك الذين وضعوا هذه الأفكار ونجحوا في تسويقها بين أمريكيين يتسمون ldquo;بالتهور المفرطrdquo; الذي يثير قلق ومخاوف اهل الفكر والخبرة من الأمريكيين.
التعليقات