جهاد الخازن


العقيد القذافي بطل أوبرا. العقيد القذافي بطل كتاب.

كان يُفترض ان أكتب عن ليبيا والأخ العقيد في ذكرى 37 سنة على ثورة الفاتح من سبتمبر، الا انني أخّرت النشر لإدراكي ان تعليقات كثيرة ستنشر في المناسبة، وسيضيع تعليقي بينها، ثم انني كنتُ مصرًّا على حضور الأوبرا laquo;القذافي: أسطورة حيّةraquo; قبل أن أكتب عنها، وهو ما لم يتح لي حتى نهاية الاسبوع الماضي.

الأوبرا تبدأ بفتيات في ثياب مرقّطة يرقصن على وقع موسيقى سريعة، ووراءهن على شاشة من ورق عبارات من نوع ان التاريخ مليء بأبطال، التاريخ مليء ببطولات، فاعتقدت بأن القذافي لا يمكن ان يكون الموضوع لولا ان الفتيات الراقصات كنّ يشبهن حارسات الأخ العقيد.

الأوبرا لم تكن أوبرا بالمعنى المفهوم للأوبرا، فلم أسمع laquo;ليبرتوraquo; مع موسيقى أوبرالية، وإنما كان الغناء أقرب الى laquo;الهِبْ هُوبْraquo;، وقرأت بعد ذلك ان هدف الأوبرا الوطنية الانكليزية هو اجتذاب جمهور جديد من الشبان والشابات، خصوصاً الآسيويين، فقد كان هناك وجود هندي قوي تلحيناً وأداء بمشاركة موسيقيين ومؤلفين مثل ستيف شاندرا وشان خان، مع الممثل رامون تيكرام الذي أذكره من برنامج تلفزيوني.

إنتاج الأوبرا استغرق سنتين وأخرجها في النهاية الاسترالي ديفيد فريمان بمساعدة محطة التلفزيون الرابعة ومؤسسة كالوست غولبنكيان وجماعات موسيقية وخيرية أخرى.

شخصياً وجدت الجانب التقني جيداً، مع انني قرأت بعد ذلك نقداً له، فهو سهّل فهم سير العمل على المشاهدين الذين قد لا يعرفون كثيراً عن ليبيا ومعمّر القذافي، فكانت هناك صور مرافقة للأغاني وللحوار على الشاشة الكبيرة في الخلف.

مع ذلك لم تكن هناك أغان أوبرالية أو موسيقى، وإنما سمعنا حواراً على وقع الموسيقى، وهذه صاخبة وأقرب الى laquo;الرابraquo; منها الى أي شيء آخر.

وفي حين ظهرت صور الشرطية ايفون فلتشر التي قتلت برصاصة من السفارة الليبية في لندن، وسقوط طائرة بان أميركان فوق لوكربي، فإن سير العمل كان الى جانب القذافي ضد أعدائه، خصوصاً شركات النفط ورونالد ريغان.

ولم أسجّل شخصياً من خطأ فني سوى وضع صورة الرئيس بشار الأسد مع القادة العرب مثل الملك فيصل وأنور السادات والملك حسين وغيرهم، مع انه كان يفترض ان تكون صورة الرئيس حافظ الأسد.

أعترف بأن أفضل ما في الأوبرا كان ان أجد خلفي الأخت الصغيرة العزيزة سيرين الشيراوي، ابنة الصديق يوسف الشيراوي، رحمه الله، ومعها أصدقاء من البحرين، فهي تذكرني بأبيها، كما أنا أذكرها به.

يكفي أوبرا، فأنا أجهل أكثر الموسيقى، وأنتقل الى كتاب عن العقيد القذافي أعترف بأنني اشتريته خطأ، فقد كان عنوانه laquo;رؤيتيraquo; (أترجم عن الانكليزية) فاعتقدت انه ترجمة لكتاب الشيخ محمد بن راشد الذي قرأته بالعربية بعد ان أهداني نسخة عنه.

وجدتُ ان الكتاب عن العقيد معمّر القذافي، ومؤلفه هو البروفسور الفرنسي ادمون جوف، ويبدو ان الكتاب صدر بالأصل بالفرنسية، وترجم بعد ذلك الى العربية والانكليزية.

اذا كان القارئ وجد في أوبرا القذافي: أسطورة laquo;حيّةraquo; مبالغة، فهو سيجد غلاف الكتاب مستهجناً لأنه كان laquo;رؤيتيraquo; وتحتها: هو نبي وثوروي، يرى الغيب ومقاتل، هذا هو الصوت الحقيقي لأكثر زعماء العالم إثارة للجدل.

نبي بعد محمد؟ يرى الغيب؟ أرجو ان يكون الكتاب صدر من دون موافقة العقيد القذافي عليه مع انه يبدو من المحتوى ان هناك رفع كلفة كبيراً بين المؤلف وبطله.

يقول البروفسور جوف إن القذافي جعل العالم يرتجف خوفاً، وهو الآن يثير الاحترام والمديح. هو ابن الصحراء بغموضها وسحرها، ببردها القارس وثعابينها وغزلانها، وبما يسمع من حكم كبار العائلة.

القذافي حرر ليبيا عندما كانت محتلة (مع انها كانت مستقلة، وعلى رأسها ملك معتدل)، الا انه يقول لجوف إنها كانت مثل فلسطين، وقد أغلق القواعد الأميركية والبريطانية، وطرد المستعمرين السابقين، أي الايطاليين.

هناك شيء من النبوة في القذافي فهو يهتم بشعبه، ويريد تحسين سوية عيشه.

إنجازاته غير مسبوقة مثل النهر العظيم الذي أزيل في سبيله 155 مليون متر مكعب من التربة، وحفرت 1300 بئر، مع خزانات تحتوي على أربعة ملايين الى 23 مليون متر مكعب من الماء.

هو يرى أن المستقبل في أفريقيا وقد درس خريطتها والأنهر فيها، وكنوز الذهب والماس والحديد والرصاص، مع حيوان وفاكهة وبحيرات ماء عذب. طموحه الآن أفريقي بعد ان كان الوحدة العربية.

الأميركيون في رأيه سادة العالم ويقررون كل شيء، وهو يهاجم بعنف إرهاب 11/9/2001 ويقول إن الارهابيين شياطين. وهو توقع سقوط الامبراطورية السوفياتية، ويرى انه سقوط نهائي للشيوعية.

ليبيا لا يحكمها جيش كدول كثيرة في أفريقيا، ولا حزب واحد، وإنما الشعب، ويريد ان يتذكره العالم لإدخال الديموقراطية المباشرة الى ليبيا حيث الشعب يحكم نفسه بنفسه من دون حكومة، ومن دون اعضاء برلمان ومن دون تمثيل.

في 261 صفحة، وهو حتى الصفحة 112 رأي القذافي في نفسه ورأي جوف فيه، ومن صفحة 113 حتى النهاية مقتطفات من الكتاب الأخضر.

الكتاب لا يقرأ إلا مع كمنجة مرافقة، فهو قصيدة غزل في الأخ العقيد، لذلك أقترح قراءته أثناء حضور أوبرا القذافي، ورحم الله من كتبوا فأجادوا وغنّوا فأطربوا.