الثلاثاء: 2006.09.26
بول ريكهوف
في عام 2002 كنت من بين مجموعة من الضباط الأميركيين الذين خضعوا لدورة تدريبية دامت ستة أشهر حول المهارات الأساسية المتعلقة بسلاح المشاة، وهي دورة يخضع لها الضباط الجدد ويتلقون خلالها، بالإضافة إلى الأساليب القتالية، معلومات حول قواعد الحرب. ومازلت أذكر أحد الضباط المخضرمين وهو يشرح لنا أهمية اتفاقية جنيف حول الأسرى وضرورة التقيد بها، حيث قال لنا: quot;عندما يعرف جندي العدو بأنه سيعامل معاملة جيدة من قبل القوات الأميركية إذا وقع في الأسر، فإنه من المرجح أن يستسلم دون مشاكلquot;. وبعد مرور عام على ذلك التاريخ قُدر لي أن أرى بأم عيني في شوارع العراق كيف يستسلم عشرات المتمردين عندما يوقنون أن ما ينتظرهم في الأسر هو وجبة ساخنة، وعلبة سجائر ومكان مكيف. وهكذا أصبحت الاستقامة الأخلاقية السلاح الأمضى الذي اعتمدت عليه كتيبتي أثناء المعارك الضارية مع المتمردين. فقد ساهم موقفنا الأخلاقي السليم في إنقاذ العديد من الأرواح، وفي تشجيع التعاون الفعال مع حلفائنا، كما حال موقفنا الأخلاقي السليم دون انضمام المزيد من العراقيين إلى صفوف التمرد المتنامي في العراق.
لكن تلك كانت أياماً سرعان ما ولَّت دون رجعة، بعدما تآكل الموقف الأخلاقي الأميركي بسبب المنطق المغلوط الذي تعاملت به إدارتنا مع أوضاع العراق، وأسفر عن فضائح مدوية مثل ما حصل في أبوغريب، وجوانتانامو، ومذبحة مدينة حديثة العراقية. وآخر ما يمكن القيام به في هذه المرحلة لمفاقمة الأمور وتعقيد الأوضاع أكثر على القوات الأميركية، هو فتح المجال لإعادة تفسير المادة الثالثة من معاهدة جنيف، كما اقترح ذلك الرئيس جورج بوش وظهر في مشروع القانون الذي طرحه الكونجرس خلال الأسبوع الماضي. والمادة الثالثة من معاهدة جنيف التي يسعى بوش وإدارته إلى إعادة قراءتها وتحميلها مضامين جديدة، إنما تحدد الأسلوب الأمثل للتعامل مع أسرى الحرب وتحرم استخدام quot;العنف المهدد للحياة والشخص، لاسيما القتل بجميع أشكاله، أو التشويه والمعاملة القاسية كالتعذيبquot;. كما تحظر المادة الثالثة أي quot;انتهاك للكرامة الشخصية، وبخاصة المعاملة المذلة والمهينة للأسرىquot;. وفي حال تقويض هذه الضوابط من قبل إدارة الرئيس بوش، فإن ذلك لن يؤذي سوى الجنود الأميركيين الذين يخوضون قتالاً شرساً في ساحات المعارك، ويهدد حياتهم إذا ما وقعوا في الأسر، فضلاً عن أن تقويض المعاهدة سيمنح تبريراً إضافياً لحشد التأييد لمنظمة quot;القاعدةquot; ومساعدتها على استقطاب المزيد من المريدين.
غير أن السجال الدائر حالياً حول تفسير المادة الثالثة من معاهدة جنيف، لا ينعكس فقط على الحرب في العراق والصراع مع quot;القاعدةquot;، بل يمتد إلى حروب المستقبل. فعندما نتراجع عن تطبيق المعايير العالمية المتبعة في معاملة أسرى الحرب، فإن دولاً أخرى ستعمد إلى تبني نفس الأساليب المهينة في استجواب أسرى الحرب، وقد ترتكب خروقات صارخة دون أن يطرف لها جفن. ولعل أوضح مثال على ذلك ما حدث في ليبيريا قبل أربع سنوات، عندما تبنى الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور، في محاولة لتبرير قبضته الحديدية، نفس العبارة التي استخدمها بوش حين تكلم عن quot;المقاتلين غير الشرعيينquot;، لوصف المعتقلين الذين كان يرغب في محاكمتهم خارج المحاكم المدنية. واليوم يقف تايلور وراء القضبان في لاهاي ليواجه تهمة ارتكاب جرائم حرب. وليس مستبعداً أن يتعرض أحد أفراد القوات الخاصة الأميركية للاعتقال ضمن مهمة ما في إيران، فما الذي سيحول دون تعرض ذلك الجندي للإغراق في الماء، أو الاحتجاز في زنزانة لأيام طويلة دون نوم، ثم يصدر في حقه حكم بالإعدام دون محاكمة عادلة، أو دون حق في معرفة التهم الموجهة إليه؟
وإذا ما استمرت أميركا في تقويض مضامين معاهدة جنيف، فستضيع فرصة ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب في العالم ومقاضاتهم، بل بالعكس سوف تفتح أمامهم الباب على مصراعيه للإمعان في انتهاكاتهم لحقوق الإنسان. والأكثر من ذلك ستكون الولايات المتحدة عاجزة عن حماية جنودها إذا كانت هي نفسها لا تضمن الحماية اللازمة لأسرى الحرب.
التعليقات