جهاد الخازن


اعتقد بأن laquo;المسألةraquo; اللبنانية من دون حل، وعندي دليل.

جمعني غداء على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك مع الدكتور كلوفيس مقصود، وهو صديق عزيز، والأخ سمير صنبر، الأمين العام المساعد السابق للشؤون الإعلامية في الأمم المتحدة والزميلة راغده درغام والزميل حسن اللقيس.

الكل صديق وسنوات المعرفة بيننا لا تقل عن 20 سنة لراغدة بسبب شبابها، و40 سنة لكلوفيس بسبب شيبه، وهو وقار، ومع ذلك وجدت اننا خمسة أصدقاء على خلاف بالنسبة الى ما حدث في لبنان، وما يحدث، وتوقعات المستقبل.

كان لكل منا رأي يختلف عن بقية الآراء، ووجدنا أحياناً آراء متناقضة وتوقعات، ما تركني أفكر أنه اذا كان أصدقاء من خلفيات متشابهة لا يستطيعون الاتفاق، فكيف ننتظر ذلك من بقية اللبنانيين.

ما يشجع هو أننا دخلنا المطعم كأصدقاء واختلفنا، وخرجنا كأصدقاء، فلعلنا نعكس جواً عاماً يختلف فيه اللبنانيون من دون أن يقتتلوا.

الدكتور كلوفيس مقصود تجاوز في حديثه الوضع اللبناني ليركز على الهوية العربية وضرورة حمايتها بعد ان اهتزت القناعات. وكنت سمعت الرأي نفسه في اليوم السابق في جلسة مع الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، في الفندق والجناح الذي ينزل فيه سنة بعد سنة. وشكرته على مطالبته اسرائيل بدفع تعويضات الى لبنان عن الدمار الذي ألحقته به، فهذا رأيي تماماً، وسألته عن مواقف المملكة العربية السعودية من أمن الخليج، وايران تحديداً، ومن الحرب على لبنان، وذيولها، والعلاقات مع العراق والولايات المتحدة.

لم يكن الحديث للنشر، فلا أنشر، وقد تحدثت مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون كلهم، وأيضاً الوزراء من مصر وسورية والمغرب واليمن ولبنان والعراق. وفي حين أن أقل ما سمعت كان للنشر، فإنني لا بد من أن أسرب خلال أيام كلاماً آخر غير منسوب الى وزير بعينه، فأهم ما يتردد ليس الكلام الرسمي المعلن الموزون، وانما الإضافات الخاصة والشروح والخلفيات التي تلقي عليه ضوءاً أفضل.

تذكرت وأنا مع الأمير سعود اننا هذه السنة مع الذكرى الخامسة والعشرين لاغتيال الرئيس أنور السادات في 6 تشرين الأول (اكتوبر) 1981. وكنت تلك السنة سمعت حديثاً من الأمير سعود عن القضايا المطروحة وعدت الى واشنطن، لافاجأ في الخامسة من صباح اليوم التالي، بحسب التوقيت المحلي، باتصال هاتفي من الخليج، ثم من مصر، عن اغتيال الرئيس السادات، واتصلت بالأمير سعود في الفندق، ووصلت الى الأخ حسان الشوّاف، ليبلغ الأمير، وعدت في المساء حاملاً ما استطعت أن أجمع من معلومات عن الحادث، وعن laquo;نائب الرئيسraquo; حسني مبارك.

بعض الجلسات الخاصة أسعى اليه، وبعضها يأتي صدفة، فقد كنت خارجاً من الفندق ذات مساء مع الصديق سمير صنبر عندما رأيت عند الباب الدكتور حمزة الخولي، وهو صديق قديم، وكنا لا نزال نتبادل كلمات الترحيب عندما دخل الأمين العام لجامعة الدول العربية الأخ عمرو موسى يرافقه السفير يحيى محمصاني، وعدنا جميعاً الى جلسة جدل سياسي انضم اليها بسرعة خافيير سولانا، مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي.

الدكتور الخولي رجل أعمال في الأساس إلا انه نشط في دور الفكر والبحث، واشترك معه في اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. ووجدت انه في نيويورك للمشاركة في مبادرة بيل كلينتون الثانية لجمع المال من القادرين، وإنفاقها على مشاريع لفائدة العالم كله، بمن في ذلك الفقراء.

الأمين العام استجوب سولانا عن بيان laquo;الرباعيةraquo; وكان رأيه أنه ناقص أو غير كافٍ، إلا أن سولانا دافع عن النتيجة وقال انها كانت افضل الممكن بالنظر الى الموقف الأميركي الأصلي الذي اجتهد الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة لتعديله. واتفقنا جميعاً على أن اجتماع مجلس الأمن للبحث في المبادرة العربية للسلام أهم من اجتماع الرباعية (سأخصص زاوية له).

الأميركيون عارضوا في البداية اجتماع مجلس الأمن وهدّدوا مع اسرائيل بمقاطعته إلا أنهم حضروا في النهاية. وفي حين أن لي ثقة بعمل الوزيرة الدكتورة كوندوليزا رايس، فإن لا ثقة لي البتة بالسفير الأميركي لدى الأمم المتحدة جون بولتون. وكانت الشيخة هيا راشد آل خليفة، رئيسة الجمعية العامة هذه السنة، استضافت المشاركين في حفلة استقبال، ووجدت نفسي مع الشيخ سلمان بن حمد، ولي عهد البحرين، في حديث خاص وعام عندما اقترب منا بولتون للسلام على الشيخ سلمان. وابتعدت مسرعاً لأنني لا أريد مصافحته فأقصى ما أمارس ضد أي انسان هو المقاطعة، وهذه لا تؤذي وقد تريح المستهدف بها.

بولتون عارض وقف اطلاق النار في لبنان 33 يوماً، وقتل مئات بينهم شخصان اعرفهما، من دون أن ادعي أي صداقة خاصة، وجمعت والزملاء مالاً وارسلناه الى زوجة احدهما. بكلام آخر، بولتون أصابنا بخسارة ونحن في لندن، فكيف بالضحايا وأهلهم واحبائهم في لبنان.

مع ذلك لا أحمّل بولتون أي مسؤولية عن مشكلاتنا أو مصائبنا، فهو اسرائيلي الهوى، ويفترض أن يحاول الأذى. أما نحن فواجبنا أن نساعد أنفسنا، لأننا اذا لم نفعل فلن يساعدنا أحد. وهذا ينطبق على مكافحة الإرهاب بكل وسيلة، وعلى ايجاد مخرج للعراق وأهله، ودفع الفلسطينيين نحو اتفاق، ومنع تكرار المجزرة في دارفور، وحماية أمن الخليج بأهله لا بأي وجود أجنبي.

أقول هذا وأطلبه من دون أن أنسى أن خمسة أصدقاء لبنانيين وجدوا أنفسهم وخمسة مواقف مختلفة ازاء لبنان.