تركي السديري


أصبح الموضوع سمجاً.. لكن لابد من إيضاح ما لم تتسع له حلقة quot;بانوراماquot; في قناة العربية مساء أول أمس الأحد.. فمن تحدث باسم مراسلين بلا حدود في فرنسا قال بأنه لم يحصل على تأشيرة دخول للمملكة أو أحد من زملائه.. فهل كان وضع المملكة في موقع متأخر بعد سوريا وليبيا وقطر هو مسألة عقوبة؟.. ربما.. لكنه قال بأن هناك في المملكة من قال لهم ذلك..
نحن نعرف أن مهمة الحصول على أشخاص رافضين لرؤية غيرهم أو القناعة بواقع ما ترضى به الأكثرية أمر في منتهى السهولة..

عندما تشكلت هيئة الصحفيين وتم تشكيل مجلس الإدارة بناءً على انتخابات معلنة ودون أي تعيين - وربما كان هذا الانتخاب الأول بهذه الصورة الذي تم في وقته - فإننا لم نعدم وجود معترضين من خارج المهنية الصحفية أي غير متفرغين واستفادوا من كل فرصة ظهور لكي يطعنوا في شرعية نظام الهيئة ومجلس إدارتها رغم أن كل شيء تم بوضوح تام.. وسوف يسرنا أن نرحب بهم أعضاء ناخبين أو إداريين منتخبين متى تفرغوا للمهنة..

نأتي إلى مسألة حرية النشر.. هل هذه الحرية تصميم جاهز يمكن أن يستقدم من أسواق بريطانيا أو اليابان أو كندا ثم يفرض بمستوى واحد على شعوب متباينة المشاكل والظروف.. ولا يجب أن يكون رأياً نشازاً لو أنا أشرت إلى صعوبة تطبيق حرية نشر كاملة في مجتمعات تنام داخلها محرضات التخاصم..

العالم العربي من حولنا يتحرك بفاعليات لمحرضاته وزعته عرقياً وطائفياً إلى قوى متخاصمة.. نحن مع المستقبل.. ليس برنامجنا كيف نطور استعمالنا لمثالب بعضنا ضد بعض آخر.. لكن برنامجنا هو كيف نذوب البعض مع الآخر في وحدة مجتمع متكامل القوى..

لم تعب الصين لأنها أشرفت على كل حرف يقال.. لكن مجدت الصين لأنها أطعمت ألف مليون نسمة ودفعت بهم إلى مواقع علمية وصناعية وحضارية متقدمة..

لكل الحريات أياً كان نوعها سقف يتناسب مع حالة النمو في المجتمعات..

على سبيل المثال عُوقبت اليمن بتأخير موقعها لأنها تدخلت في ظروف النشر الصحفي.. وأذكر أنه كانت في اليمن صحافة معارضة بالغة التطرف في انتقاداتها.. وفي حوار تلفزيوني مع الرئيس علي عبدالله صالح سألته: فخامة الرئيس ألا ترون أن عدد الصحف ولغة بعضها الحادة جداً هو أمر مبالغ فيه؟.. فأجاب بما معناه أنه لا يريد أن يواجه المواطن اليمني صعوبات المعيشة ومعها صعوبات إبداء الرأي.. الذي حدث فيما بعد هو أن الرجل - الرئيس صالح - الذي أعطى حياته وعواطفه وتفكيره لتطوير اليمن وفرض أمنه واستقراره وجد جيشه يحارب في الجبال ويراقب السواحل لوجود اختراقات هددت الأمن فاضطر إلى عقلنة الصحافة ومحاسبة من أخطأ..

ثم إذا كانت قياسات حرية التعبير تقاس في العلاقات مع الحكومات المحلية لماذا أيضاً لا تقاس على مستوى إنساني.. فلو حدث ذلك لوجدنا أن صحافة الشعوب النامية أفضل بكثير من صحافة الشعوب المتقدمة.. في أمريكا مثلاً.. لأنها لم تصمت عن مآسي قتل وتجويع وتصدير رقيق أبيض لقاصرات بسبب عدوانية محاولات استلاب الثروات..