أمير طاهري
مع إسدال الستارة بالنسبة له في قصر الاليزيه يجرب الرئيس الفرنسي جاك شيراك ما يمكن أن يكون آخر رمية له لحجارة النرد الدبلوماسي.
فشيراك يريد تجربة حظه مع النظام الخميني في طهران على أمل اقناعه بتقليص طموحاته النووية، والتخلي عن حزب الله، والانضمام الى فرنسا في خلق laquo;محور استقلالraquo; جديد. وذلك يعني كتلة مناهضة لأميركا في الشرق الأوسط.
ويأمل شيراك تحقيق laquo;شيء دراماتيكيraquo; قبل حلول الاسبوع المقبل عندما يستضيف مؤتمرا دوليا حول لبنان في باريس.
وبينما لا يزال يحمل أوهاماً حول ضمان ولاية ثالثة كرئيس، فان شيراك قد يستند الى انقلاب دبلوماسي مثير للمساعدة على الشروع بمسعاه في مواجهة المعارضة من حزبه الديغولي الجديد. ويحاول آخر أصدقائه القليلين تصويره باعتباره laquo;الشيخ الحكيمraquo; للسياسة الدولية، المعارض لـ laquo;حماقة جورج دبليو بوشraquo; في غزو العراق.
وكما يرى شيراك الأمور فإنه خلال الأسابيع القليلة المقبلة قد يحقق انقلابه الدبلوماسي عددا من الأهداف قبل نهاية مارس المقبل عندما وعد بإبلاغ الجميع ما اذا كان راغبا في السعي الى اعادة انتخابه.
واليكم الطريقة التي يفترض ان تسير عليها الأمور وفقا لمخيلة شيراك: مبعوث فرنسي رفيع المستوى، ومدير سابق لمخابرات البلد، يذهب الى طهران ويلتقي مع laquo;المرشد الأعلىraquo; علي خامنئي. ويبلغ المبعوث جان كلود كوسيران رجل الدين الأكبر ان laquo;الأنغلوساكسونيينraquo;، أي الولايات المتحدة وبريطانيا، يستعدون للقيام باجراء عسكري ضد الجمهورية الاسلامية. وسيسر له ببعض المعلومات التي يفترض انها سرية حول الموضوع، وسيشير الى تزايد وجود ونشاط البحرية الأميركية في المنطقة كعلامة أكيدة على أن شيئا ما على وشك الحدوث.
وبعدئذ سيطلب المبعوث الفرنسي من خامنئي ان يسمي شخصا رفيع المستوى، يفضل ان يكون الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، الذي ظل على الدوام مفضلا لدى شيراك، لمعالجة القضية النووية نيابة عن الجمهورية الاسلامية. وهذا سيهمش الرئيس الصخاب محمود احمدي نجاد الذي يراهن بموقعه، وربما بحياته، بشأن مجابهة الأميركيين وإلحاق الهزيمة بهم في ميدان المعركة.
وما أن يقدم الخمينيون إشارات مشجعة سيرسل شيراك رئيس وزرائه دومينيك دو فيلبان الى طهران لإجراء الصفقة. وستتألف هذه من اعلان طهران بأنها اتفقت على ايقاف تخصيب اليورانيوم حتى سبتمبر المقبل، وهو أقرب تاريخ يفترض ان يبدأ فيه مشروع الطاقة النووية الوحيد في ايران عمله جزئيا.
وعندئذ سيدعو شيراك الى الغاء اجتماع مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، المقرر في مارس، ويدعو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الى سحب قواتهما البحرية من الممرات المائية القريبة الى ايران.
وسيعلن شيراك، laquo;الشيخ العظيم للسياسة الدوليةraquo; وlaquo;بطل السلامraquo;، من ثم، ترشيحه للرئاسة ويدعو laquo;الفرنسيات والفرنسيينraquo; الى انتخابه حتى يمكنه إنقاذ العالم من حماقة بوشية (نسبة الى بوش) أخرى.
وهاجم اصدقاؤه القلائل المتبقون أخيرا نيكولاس ساركوزي، المرشح الرسمي للديغوليين، باعتباره laquo;تابع بوشraquo; وlaquo;نصير السوق الحرةraquo; وهو مصطلح يثير مخاوف الكثير من الفرنسيين. وباعتباره المرشح المناهض لبوش وللسوق الحرة فإن شيراك يأمل، بالتالي، استثمار المشاعر الفرنسية التقليدية المناهضة لأميركا وللرأسمالية.
أية فرص أمام شيراك في رؤية حلمه يصبح حقيقة؟ الجواب هو انه لا توجد فرص.
فخلال ما يزيد على عامين أظهر استفتاء تلو الآخر أن الفرنسيين يشعرون بالسأم من شيراك ببساطة ويتوقون الى رحيله بأسرع ما يمكن.
وقال 17 بالمائة فقط من عدد الذين استطلعت آراؤهم في الآونة الاخيرة انه يجب ان يسمح له بالمنافسة في انتخابات الرئاسة مرة اخرى اذا رغب في ذلك.
والأسوأ من ذلك ان غالبية زملاء شيراك تركوه. كما ان هناك من لا يتعرضون له، مثل رئيس الوزراء السابق آلان جوبيه، إلا ان هناك ايضا من ينظرون الى فكرة شيراك الخاصة بمحاولة ترشيح نفسه للرئاسة مرة اخرى بمساعدة طهران أمرا بغيضا.
مشكلة شيراك تتلخص في انه على الرغم من تجربته السياسية الطويلة لم يتعلم سوى القليل فقط. كان شيراك وزيرا عندما كان ليندون جونسون رئيسا للولايات المتحدة. وشغل رئاسة الحكومة مرتين منذ ذلك التاريخ وشغل منصب الرئاسة في دورتين متتاليتين. وبين هاتين الفترتين عمل رئيسا لبلدية باريس على مدى عشرين عاما، وهو موقع كان يستخدمه كمنبر للتدخل في الشؤون الدولية.
وقع شيراك ضحية لأوهامه في عدة أحداث. ففي عام 1981 أثار ضجة حول تدمير البرنامج النووي لصدام حسين، الذي أقامته فرنسا بموجب عقد جرى توقيعه خلال الفترة التي كان فيها شيراك رئيسا للحكومة الفرنسية عام 1976. ضمنت تلك الصفقة سنوات من دعم صدام حسين المالي لحزب الديغوليين الجدد، لكنها جعلت العرب المعتدلين اكثر تشككا تجاه شيراك.
وفي العام 1986 عارض شيراك، عندما كان رئيسا للحكومة الفرنسية، الغارة الجوية الاميركية على طرابلس، وهي الضربة التي وضعت نهاية لدعم ليبيا للإرهاب الدولي. وبرفضه استخدام الطائرات الاميركية المجال الجوي الفرنسي كان يأمل شيراك في جعل معمر القذافي صديقا دائما. إلا ان القذافي قرر عام 2002 تغيير موقفه واختار بريطانيا وأميركا وليس فرنسا تحت ظل رئاسة شيراك.
في العام 1986 سمح شيراك لوحيد غورجي، المعروف لدى الاستخبارات الفرنسية كمنسق للشبكات الارهابية التابعة لإيران في اوروبا، بالإفلات والسفر من باريس، حيث كان يعمل ملحقا ديبلوماسيا، بعد ان صدرت بحقه مذكرة اعتقال بواسطة الشرطة. وبالمقابل وعدت طهران بعدم إجراء أي عمليات عنف في الأراضي الفرنسية. إلا ان طهران سرعان ما خالفت ما وعدت به عندما واجهت باريس اسوأ حملة ارهاب في تاريخها القريب نتيجة مواصلة عملاء طهران عمليات الاغتيال بحق معارضيها في فرنسا.
ومن وجهة نظر شيراك لم يوجه رجال الدين الدعوة لشركات نفط فرنسية، إذ ان غالبية عقود النفط الرئيسية التي عرضتها طهران لأول مرة منذ سيطرة رجال الدين على الحكم عام 1979 ذهبت الى شركات اميركية. (عندما رفضت شركات اميركية هذه العقود، او اجبرت من جانب واشنطن على الانسحاب منها، عرضت طهران على الجانب الفرنسي بضعة عقود فقط).
عارض شيراك عام 1991 إبعاد صدام حسين بالقوة من العراق على امل ان يكتسح مد laquo;العلمانية والقوميةraquo; laquo;النظم الرجعيةraquo; الموالية لأميركا، كما أظهر شيراك فرنسا بمظهر الحليف الغربي الرئيسي للعرب. مرة اخرى أخطأ شيراك الاتجاه الصحيح وانتهى الى مأزق.
لم تثمر دبلوماسية شيراك أي شيء إيجابي لفرنسا ولا لأي طرف آخر. إذ شجعت على ظهور أسوأ توجهات في المغامرات المتطرفة مثل صدام والقذافي والخميني. اما اليوم، فإن شيراك يمارس لعبته القديمة في بيع اوهام تتلخص في ان رجال الدين الحاكمين في طهران يمكن ان تخدع بقية العالم بمساعدة باريس مع الازدراء بمجلس الأمن. من الحماقة ان يقع الملالي في فخ الخدعة الأخيرة لشيراك. إذ ان ما يعرضه الآن سيؤدي فقط الى التعجيل باندلاع حرب أخرى في الشرق الأوسط.
التعليقات