لم يقرأ سيد قطب من كتب الإسلاميين في نقد الحضارة الغربية سوى أربعة كتب، هي - بحسب توالي زمن قراءته لها -: كتاب «الإسلام على مفترق الطرق» لمحمد أسد، وكتاب «الإسلام والنظام العالمي الجديد» لمولانا محمد علي، وكتاب «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟» لأبي الحسن الندوي، وكتاب «الحجاب» لأبي الأعلى المودودي.
فهذه الكتب هي الكتب التي كانت زاده وعدته في نقد الحضارة الغربية.
ولم يقرأ من كتب الغربيين في نقد الحضارة الغربية سوى كتاب واحد هو «الإنسان ذلك المجهول» لألكسيس كاريل. وقراءته لهذا الكتاب الواحد والوحيد هي التي جعلت من كتابه «الإسلام ومشكلات الحضارة» مجرد عرض وشروحات قصيرة لكتاب كاريل.
بما يتعلق بالإفادة الأولى، ثمة ملحوظة، وهي أن سيد قطب استعان بكتاب المودودي «الحجاب»، ولم يستعن بكتابه الآخر «نحن والحضارة الغربية»، رغم أن أستاذنا الكبير رضوان السيد في دراسة من دراساته التي تناول فيها نقد الإسلاميين للغرب، أخبرنا أن الكتاب الأخير ترجم إلى اللغة العربية عام 1955، وأن الناشر كان «دار الفكر العربي» بالقاهرة.
بحثت عن هذه الطبعة في أكثر من مكتبة عامة في الرياض، ولم أعثر عليها، فأقدم الطبعات فيها هي طبعات «دار الفكر» التي في تواريخها ترجع إلى عقد الستينات الميلادية. ومشكلة هذه الطبعات أنها كانت غير مؤرخة. لهذا اختلف الباحثون في إحالاتهم لهذا الكتاب في تحديد تاريخ أول طبعة منه، فمِن قائل إنها كانت في عام 1968، إلى قائل إنها كانت في عام 1965. إلى قائل إنها كانت في عام 1964، إلى قائل إنها كانت في عام 1960!
ويعتقد كثير من الباحثين حين يحيلون إلى كتاب المودودي «نحن والحضارة الغربية»، أن «دار الفكر» هي دار بيروتية بينما هي دار دمشقية.
هذه الدار الدمشقية لها منذ الخمسينات الميلادية، فرع في بيروت يحمل الاسم نفسه: «دار الفكر». وبسبب الخلط والتشويش الذي خلقته هذه الدار الدمشقية حول نفسها غيرت اسم الفرع البيروتي من «دار الفكر» إلى دار «الفكر المعاصر». ولا أعلم في أي عام ولا في أي عقد غيرت اسمها في بيروت.
ويجوز أن كتاب المودودي «نحن والحضارة الغربية» في طبعة من طبعاته في الستينات الميلادية طبع في «دار الفكر» ببيروت. وأقول هذا اعتماداً على سابقة في تاريخ النشر عند هاتين الدارين. فكتاب المودودي «الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية» طبع في «دار الفكر» الدمشقية عام 1952، وطبع في العام نفسه (1952) في «دار الفكر» البيروتية.
وطبعُ هذا الكتاب في هذا العام وفي هاتين الدارين ينقض ما تقوله «دار الفكر» الدمشقية عن نفسها بأنها تأسست عام 1957!
لا ينتهي التشويش عند هذا الحد، فكتب أو رسائل المودودي المترجمة إلى العربية (الترجمة كان يقوم بها مودوديون من شبه القارة الهندية، ونشر ما ترجموه في القاهرة ودمشق) التي نشرتها «دار الفكر» الدمشقية في الخمسينات الميلادية، نشرتها باسم «دار الفكر الإسلامي»، مع أنها كما في كتاب (الأسس الأخلاقية للحركة) الذي مر ذكره نشرته بدمشق وبيروت باسم «دار الفكر». وابتداء من عام 1960 استقرت على اسم «دار الفكر».
كما أن هناك رسائل للمودودي مترجمة إلى العربية نشرت عن طريق هذه الدار باسم «مكتبة الشباب المسلم».
هذا الاسم يجعل حتى الباحث المختص بتاريخ الإخوانية (الإخوانية نسبة إلى الإخوان المسلمين) وبتاريخ المودودية (المودودية نسبة إلى أمير الجماعة الإسلامية بباكستان والهند، أبي الأعلى المودودي) يخلط بينه وبين اسم «لجنة الشباب المسلم» بالقاهرة.
أستعملُ تعبير «المودودية» وتعبير «المودوديين» لثلاثة أسباب، هي:
يسوغ - لغوياً - النسبة إلى المودودي، ويتعذر - لغوياً - النسبة إلى «الجماعة الإسلامية» التي كان هو أميرها منذ تأسيسها، كما هو الحال في النسبة إلى «الإخوان» في اسم «جماعة الإخوان المسلمين».
إن المودودي تبلورت أفكاره الإسلامية المحدثة - على نحو كامل - في وقت مبكر من عمره مع تأليفه كتاب «مصدر قوة المسلم» عام 1925، وهو في الثانية والعشرين من عمره وبثه لها منذ ذلك الحين بين جموع مسلمي الهند قبل تأسيسه «الجماعة الإسلامية»، واختياره أميراً لها عام 1941، وقبل تقسيم شبه القارة الهندية إلى باكستان والهند عام 1947.
إن المودودي هو الصانع الأول للنظرية الإسلامية الأصولية، وصانع معالمها الرئيسية، وكل من أتى بعده من منظّريها المهمين هم عيال عليه، بمن فيهم أبو الحسن الندوي. وأستثني من هذا الحكم محمد أسد في كتابه «الإسلام على مفترق طرق» الصادر بالإنجليزية عام 1934. فهو في هذا الكتاب لم يكن متأثراً ولا مستلهماً ولا مسترفداً بما قاله المودودي قبله.
نعود إلى إيضاح تشويش الأسماء الذي خلقته «دار الفكر» الدمشقية.
في كتاب من كتب المودودي منشور في «دار الفكر الإسلامي»، كُتب في بيانات هذا الكتاب في الصفحات الأخيرة منه، هذه المعلومة: «دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر، مؤسسة ثقافية تعمل على نشر نفائس الكتب الإسلامية القديمة والحديثة»، ثم كتب رقم صندوق بريدها ورقم هاتفها في دمشق. أي أن «دار الفكر الإسلامي» تابعة للمؤسسة الأم «دار الفكر».
«مكتبة الشباب المسلم» كانت تنشر تحت مظلة «دار الفكر»، فهي تابعة مباشرة لـ«دار العروبة للدعوة الإسلامية» بلاهور في باكستان. والدار الأخيرة هي ذراع نشر أفكار المودودي بعد ترجمتها من لغة الأوردو إلى لغات مختلفة، منها اللغة العربية، وكان أول كتابين للمودودي ترجما من الأوردو إلى العربية، هما كتاباه: «منهج الانقلاب الإسلامي»، و«نظرية الإسلام السياسي»، ترجما عام 1946. وبُعث الكتابان المترجمان إلى القاهرة ليُقرآ في مصر، وليقرآ في البلاد العربية. لكنهما وسواهما لم توزع في مصر ولا في البلاد العربية، كما يجب.
وهذا ما لمسه أول معتمد لـ«دار العروبة للدعوة الإسلامية»، مسعود الندوي حين انتهى بتاريخ 14 يوليو (تموز) 1949 من قراءة كتاب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» لسيد قطب في بغداد في رحلته المودودية التي شملت المدن التالية: البصرة، الزبير، بغداد، الموصل، كركوك، الكويت، الرياض، الطائف، مكة، المدينة.
ففي هذه الرحلة - التي صحبه فيها مساعده محمد عصام حداد - كان يحمل معه كتب المودودي المنجز ترجمتها إلى العربية، فيوزع منها على الشخصيات التي التقاها في تلك المدن. وللحديث بقية.
التعليقات