27 يناير 2007
أبو خلدون
نغرق في تبسيط الأمور عندما ننظر إلى العالم باعتباره ldquo;أحادي القطبrdquo; وأن الولايات المتحدة هي هذا القطب الواحد الذي يريد أن يهيمن على كل شيء، فالموجة الجديدة التي تجتاحنا حاليا غريبة عن الاعراف الدولية وعن المفاهيم التي عرفناها في العصر الحديث، وفي هذه الموجة، تدير الديمقراطيات ظهرها للشعوب، وتتصرف كأنها أنظمة ديكتاتورية من الدرجة الأولى، وها نحن نسمع أن 79% من الأمريكيين يعارضون مغامرات بوش في الخارج ويرفضون بقاء القوات الأمريكية في العراق.
والأمريكيون يدركون أن رئيسهم وصل إلى الحكم في فترته الأولى بلعبة انتخابية هي الأولى من نوعها في تاريخ الانتخابات الأمريكية، وتكررت لعبة مشابهة في انتخابات الفترة الثانية، وبعد فوزه نشر أحد المفكرين الامريكيين رسالة على الانترنت يعتذر فيها للعالم ويقول، باسم الأمريكيين: ldquo;لقد حاولنا كل ما في وسعنا، ولكننا لم ننجحrdquo; وفوجئ بعد أسابيع بأن رسالته تحولت إلى موقع على الانترنت يحتوي على رسائل من كل أرجاء الولايات المتحدة تحمل اعتذارات مشابهة، إلى جانب اعتذارات من مختلف الدول الغربية تقول للأمريكيين: ldquo;لا داعي للاعتذار، فالحال عندنا مثل الحال عندكمrdquo;. فهل نقول إن الرئيس الأمريكي بات يفرض على الشعب؟ وهل نقول إن الملايين التي تسير في مظاهرات في شوارع المدن الغربية تعارض الحرب لم يعد لها صوت؟
ويهيأ لي أن المجتمع العالمي بأسره، بما في ذلك الأمريكي، سقط تحت وطأة نوع جديد من الإمبريالية تحمل بعض ملامح الإمبريالية التي كانت سائدة في أوروبا بعد عصر النهضة، عندما كان أصحاب رؤوس الأموال يتصرفون بسياسات الدول كما يريدون، ويدفعون هذه الدولة إلى شن الحرب على تلك دون مبرر سوى أن مصالحهم المالية تتطلب ذلك، وخلال تلك الفترة حول روتشيلد وغيره من أصحاب رؤوس الأموال أوروبا إلى مستنقع يغرق بالدم.
والإمبريالية الجديدة التي يشهدها العالم حاليا ليست إمبريالية أصحاب المال فقط، وإنما إمبريالية الشركات متعددة الجنسيات التي تحاول أن تفرض نظاما جديدا على العالم يلغي ldquo;الآخرrdquo; كلياً، ويرفض أي مقاومة، فلا مجال للاعتراض على مايطلق عليه ldquo;الحرب ضد الإرهابrdquo;، ليس لأن أمريكا هي التي تخوضها، فالمجتمع الدولي لم يعترض على حرب الشيشان رغم أن أوليجارشي روسي يهودي اعترف بأنه أشعلها لكي يتمكن من الحصول على امتياز بمد خط للنفط إلى البحر الأسود، وعندما كانت ldquo;إسرائيلrdquo; تنفذ أبشع المجازر ضد الفلسطينيين واللبنانيين تبرع رئيس وزراء دولة مثل الدنمارك اشتهرت باحترامها لحقوق الإنسان بتأييدها، وقال إنه لا يمانع أن تتجاهل ldquo;إسرائيلrdquo; قرارات الأمم المتحدة، وكم بدا غريبا أن يقف الرئيس الأمريكي جورج بوش عشية الإعداد للحرب ضد العراق ويقول: ldquo;من ليس معنا فهو ضدناrdquo; إذ إن كلاما من هذا النوع لا يمكن أن يصدر عن رئيس دولة يعرف تماما بأنه ينبغي أن يترك هامشا للحوار.
وفي المجتمعات الدولية قرارات غير قابلة للنقض، وفي مقدمتها حقوق الإنسان، وحرياته، وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، ولكن الإمبريالية الجديدة تدير ظهرها لكل ذلك.. وهي لا تريد أن يفلت أي جزء من الكرة الأرضية، مهما كان نائيا، عن سيطرتها، وحيثما تكون مصالحها يتحول سحق الشعوب وانتهاك الحريات إلى مجرد حدث عادي، فكل شيء يجب أن يوضع في خدمة احتكاراتها، بما في ذلك الكائن البشري، وعناصر البيئة، وليس غريبا أن نسمع في ظل النظام الجديد شخصاً يطالب جيرانه بدفع أتاوة مقابل عدم إزعاجهم، أو بمدرس يطالب الطلاب بمبلغ مالي مقابل احترامه قواعد الرقابة في الامتحانات.
التعليقات