سليمان تقي الدين


استنفدت المعارضة كل الوسائل السلمية والديموقراطية تقريباً لإحداث توازن جديد في السلطة. لامست التحركات الشعبية الأخيرة حدود العنف والصدامات الأهلية. لم يعد التصعيد ممكناً دون إحداث مواجهة مع أطراف سياسية مقابلة. في الحصيلة النهائية لشهرين من الزخم الشعبي غير المسبوق لم يحدث الشارع النتائج المطلوبة. على العكس من ذلك تبدو فعالية المعارضة التي شلت السلطة وشلت جزءاً من النشاط العام في البلاد، مرتبطة بوسائل التعطيل من داخل السلطة نفسها: نزع الشرعية عن الحكومة، وسائل التعطيل التي ما يزال يملكها رئيس الجمهورية، والدور الذي يقوم به رئيس المجلس النيابي في إبعاد المجلس عن صدام مؤكد يقضي على آخر المعاقل الشرعية. لكن أهم من هذه الوسائل كلها، أن المعارضة تستقوي بمشروعية المطالبة بالشراكة واحترام القواعد الميثاقية.

لا شك أن المعارضة فرضت جدول أعمالها على الحياة السياسية؛ حكومة وحدة وطنية، تؤمّن المشاركة في القرارات الأساسية، ولا سيما موضوع المحكمة التي جرى تعليق قرار إنشائها بين العقبات القانونية الداخلية والضغوط السياسية الخــارجية، لكنـها ما زالت تحت سقف التعــطيل دون أي كسب إيجــابي. لم تستطع أن تغيّر وجــهة المعالجات الاقتصادية المجسدة في ورقة باريس ـ .3 وما زالت بعيدة جداً عن ترجيح خيارها لمفاصل قانون الانتــخاب العــتيد، ولا هي أصلا رفعت مطلباً يتعلق بتصورها لتكوين المجلــس الدستوري الجديد. أما الشعار المتــكرر عن laquo;إعادة تكوين السلطةraquo; فدونه صعوبات أين منــها مطــلب حكومة الوحدة الوطنية؟!

ومهما تكن مسؤولية فريق السلطة عن رفض الاستجابة للتسويات والحلول السياسية، فإن المعارضة مدعوة من جمهورها قبل سائر اللبنانيين الآخرين إلى إيجاد المخارج التي وعدت بها بالتغيير. فالأزمات الاجتماعية والاقتصادية تتفاقم والتوترات الســياسية تتصاعد من دون أفق داخلي مفتوح، الأمر الذي لا يعــفي المعارضة من المساهمة في ربط الأزمة بالتجاذبات الإقليمية ومصالحها الخاصة في لبنان.

لن يغيّر من هذا المشهد كما يقترح البعض إضافة أي ملحق إصلاحي سياسي واقتصادي واجتماعي، لأن صعوبات التغيير في لبنان تشمل تبديل التوازنات السياسية الطائفية مثلما تشمل تحديث وتطوير النظام. فإذا كانت الطوائف بما تمثل اليوم عاجزة عن إثبات نفسها في صوغ معادلات جديدة، فإن laquo;سرقةraquo; مطالب متقدمة على حين غفلة هو أصعب من ذلك بكثير. فقد كان على المعارضة أن تتهيأ لخطوة التغيير السياسي بما لا يسمح بحشرها على ممر إجباري واحد، هو الاشتغال بأدوات الحرب الأهلية.

إن المأزق الراهن للمعارضة يتجلى في مصادر قوتها الأهلية الشعبية الطائفية وإمكاناتها المادية ولا سيما قدرتها القتالية. لكن هذه هي نقطة ضعفها القاتلة التي باتت الوسيلة الوحيدة لترجمة دعوات laquo;الحسمraquo; التي انطلقت مؤخراً لحسن الحظ من قوى غير رئيسية. فإذا كانت المعارضة محــكومة بإخلاص لاستــبعاد منطق القوة، كما يطمئن قادتها، فقد آن الأوان لمراجعة نقدية تفحص البرنامج والوسائل والشعارات وربما تقود هذه المراجعة إلى خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين ثابتتين الى الأمام.

قد يكون الإفراج عن الشارع خطوة في الاتجاه الصحيح لإسقاط كل الحجج والذرائع المنسوبة إلى المعارضة لجهة الوضع الاقتصادي والتوتر المذهبي.
ليس مهماً ما تقوله القوى السياسية عن نفسها من أهداف مشروعة أو غايات أخلاقية. ثمة حاجة إلى بناء فكرة وطنية جامعة قادرة على جذب قوى من خارج المعسكرين السياسيين اللذين بات يفصلهما جدار سميك من الحذر وعدم الثقة ومن الكراهية.

فإذا كان الوضع الإقليمي يسعى إلى خفض منسوب التوتر وتحقيق هدنة فيجب على المعارضة أن تجعل منها فسحة لفك الحصار الذي تضربه من حولها مخاطر الانزلاق إلى الحرب الأهلية