في مقال الأسبوع الماضي كتبت وبتوصية من مجموعة من المهتمين بشأن الوقاية من السموم توضيحا لبطلان ما يروج في وسائل التواصل عن طرق وخزعبلات تدعي علاج الملدوغ بالعقرب وشرحت أن العامل المشترك الأعظم المضلل لهؤلاء هو أن العقرب لم يحقن السم أصلا لانسداد إبرته في 20 ٪ من الحالات، كما أثبتت دراساتنا في مركز الأمصال، ثم عرجت على (سباحين) الجدة حبابة التي تدعي أن عقربا خان الضفدع ولدغه فقتله وقلت إن ذوات الدم البارد (مثل الضفدع) لا تتأثر بسم العقارب ووعدتكم أن أذكر موقفا طريفا محرجا مر بي في هذا الصدد.

ما حدث هو أنني ومنذ أيام الشباب وممازحة الضب بصب الماء في جحره (قبل حمايته) كنت ألاحظ أن جحر الضب لا يخلو أبدا من عقرب تخرج علينا فور صب الماء وكأنها تقول (الأستاذ ضب نايم، وما يبي إزعاج واليد اللي تمتد لكفيلي ألدغها)، وزادت عندي هذه الملاحظة عندما بدأت تأسيس المركز الوطني لإنتاج الأمصال بالحرس الوطني، وأصبحنا نخرج في رحلات برية نصطاد الصل الأسود لاستخراج سمه، وكنا نعلم أن الصل يتواجد دوما في جحر الضب في تعايش بيئي فيه الكثير من الأنانية والاعتداء وثقل الدم، فالصل يدخل جحر الضب فإن وجده صغيرا ابتلعه واحتل بيته، وإن وجده كبيرا حل ضيفا ثقيلا عليه دون دعوة ولا استئذان، والضب مثل بعض الطيبين من البشر (وسيع صدر ويتغافل ويقول نعتبره حماية من يد مقرود يمد يده ليتل العكرة) احترسوا فما خرجنا به من رحلات صيد الصل أن الصل دائما تجده في جحر الضب ولكن ليس كل جحر ضب فيه صل وإن لم يكن فيه صل فإن فيه عقربا.

ملاحظتي تلك (وجود العقرب مع الضب) جعلتني أتساءل، تساؤل الباحث منذ بداية أبحاثي على السموم لنيل الماجستير حتى قبل انتقالي للحرس وتأسيس المركز، هل العقرب تلدغ الضب ولا يتأثر بسمها؟ (هنا يجب أن ندرس خصائص دمه وجهازه المناعي وما العنصر المسؤول عن هذه المناعة؟) أم أنها لا تلدغه ولو لدغته لمات مثل غيره، عندها قررت دراسة الأمر أثناء الوقت الطويل الذي أمضيه لساعات تفوق 15 ساعة في مراقبة تأثير السموم ومن ثم الأمصال على رحم الفار أو أوعية الجرذان أو عضلة الساق الأمامية للقط أو قلب الأرنب أو أمعاء الوبر، وجميعها تحتاج مراقبة أجهزة الرصد لساعات، فقمت بوضع ضب متوسط الحجم مع عقرب في إناء زجاجي عميق وقمت بمراقبتهما ووجهي أمام الإناء لمدة ثلاثة أيام متتالية، فكان الضب هادئا والعقرب يدور حوله وفوقه ولم يلدغه، ثم قررت أن أستثير الضب ليتحرك فوضعت فوقه اضاءة قوية، فذوات الدم البارد تستثار بالضوء فلعله يلطمها أو يدوس عليها فتلدغه لكن ذلك لم يحدث لمدة ثلاثة أيام أخرى، وما حدث هو أن أستاذي في الماجستير البروفيسور محمد إسماعيل حامد دخل علي في المختبر واستغرب وجود تجربة الضب والعقرب، وكان رجلا حاضر النكتة وصارما في ذات الوقت، فشرحت له فكرتي وأعجبته لكنه انتبه لما لم أحسب حسابه فقال لي (انت حاطط بوزك ببوز الضب، تعرف لو الضب خبط العقرب بذيله حيطير العقرب في وجهك وحتتمدد جنب القط اللي أنت مخدره دا)، ضحكنا ثم قمت بتغطية الإناء بزجاجة واستمررت في المراقبة، لكن لم ألاحظ أن العقرب لدغ كفيله، فقمت بإذابة سم عقرب في محلول ملحي وحقنت ثلاثة أضعاف الجرعة التي تقتل الأرنب في عضلة رجل الضب فشاهدت أن الرجل تشنجت وامتدت لأقل من دقيقتين ثم عادت طبيعية وبقي الضب حيا حتى قررت إطلاقه بعد أسبوع.

وتعاطفا مع الضب الذي صبر كثيرا قررت إطلاقه في روض معشب، فخرجت من جامعة الملك سعود على طريق الملك فهد شمالا باتجاه سدير ثم لمحت على يميني أرضا معشبة مزهرة فتوقفت قرب الشبك وخشيت أن أطلقه فيعود خلفي للطريق السريع حيث الكفرات ليس منها مناعة فقمت بتوجيهه نحو العشب عبر ماسورة واسعة لتصريف السيل وبدأت بمداعبة عكرته ليتحرك وكان الوقت قرب غروب الشمس فإذا بيد ضخمة تداعب كتفي ثم رقبتي لألتفت مرعوبا (كنا نسمع أن الضب يتجنس أي أن الجن يتمثل في شكل ضب) نظرت خلفي فإذا برجلين طويلين عريضي المنكبين قال أحدهم (وش عندك؟!) قلت (أبي أدخل الضب في النفق) قال (وأنت بتدخل معنا في الدورية ما لقيت تطلق ضبك إلا في شبك قوات الأمن الخاصة؟!) شرحت له القصة وكأني بالضب يضحك ويقول (خل أبحاثك تنفعك) وتفهم رجلا الأمن الوضع وأمسكت بضبي وقد أصبح يستخف بي ويمون ولسان حاله يقول (سيب العكرة يا واد) فأطلقته في مزرعة والدي (السمرية) في جلاجل وكان، -رحمه الله-، رحيما لا يحب إيذاء أحد حتى الحيوانات.