تضع المملكة معايير واضحة ومنظمة لتسمية الأماكن العامة، انطلاقًا من حرصها على تعزيز هويتها الوطنية، وصون إرثها الثقافي والتاريخي، وترسيخ القيم الإسلامية والاجتماعية التي قامت عليها، وتُعد تسمية الشوارع والساحات والمرافق العامة جزءًا مهمًا من المشهد الحضري والثقافي، لما تحمله الأسماء من دلالات رمزية وتاريخية تسهم في تشكيل وعي المجتمع، وتؤثر في ذاكرة المكان وفي الأجيال القادمة.

وفي هذا الإطار، جاءت موافقة مجلس الوزراء على قواعد ومعايير أسماء المرافق العامة، خلال الجلسة التي عُقدت أمس برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- لتشكل مظلة تشريعية وتنظيمية تحدد الأطر والضوابط الحاكمة لعملية التسمية، وتوحّد المرجعيات بين الجهات ذات العلاقة، بما يضمن اتساق الأسماء مع الهوية الوطنية والتوجهات التنموية للدولة، فهذه القواعد تتجاوز مجرد تسمية الشوارع والمرافق، لتصبح أداة ذات بعد ثقافي واقتصادي واستراتيجي، تتناغم مع الحراك الذي تعيشه بلادنا في مختلف المجالات.

وتعتمد المملكة في هذا الشأن مجموعة من الضوابط والمعايير التي تضمن أن تكون أسماء الأماكن العامة معبّرة عن تاريخ الوطن، أو مرتبطة بشخصيات وطنية بارزة أسهمت في خدمته وبنائه، أو مستوحاة من معانٍ إيجابية تعكس القيم الأصيلة للمجتمع السعودي، كما تحرص هذه القواعد على أن تكون الأسماء واضحة وسهلة الاستخدام، وخالية من أي معانٍ مسيئة أو مثيرة للجدل، مع مراعاة عدم التكرار، بما يسهم في تسهيل التعريف بالمواقع والخدمات، ودعم كفاءة التخطيط العمراني والخدماتي.

ومن شأن هذه القواعد تحقيق قدرٍ عالٍ من الانسجام بين التطور العمراني المتسارع الذي تشهده مدن المملكة، والحفاظ على هويتها الثقافية والتاريخية، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تؤكد على تحسين جودة الحياة، وتعزيز الهوية الوطنية، ورفع كفاءة المدن وجاذبيتها، كما تساعد هذه الضوابط الجهات المختصة في تنظيم عملية التسمية.

تسمية الأماكن العامة ليست إجراءً شكليًا أو إداريًا فحسب، بل مسؤولية وطنية وثقافية تسهم في توثيق التاريخ، وتعكس منظومة القيم، وتدعم التنمية المستدامة، وتوازن بين الأصالة والمعاصرة، وهي بذلك تخدم المواطن والمقيم على حد سواء، وتؤكد أن العناية بالتفاصيل مهما بدت بسيطة، تشكّل ركيزة أساسية في بناء المدن، وصناعة الهوية.