عبد الرحمن الراشد
بعد انفجار حي الصدرية في بغداد، الذي راح ضحيته مئات الابرياء، رفعت بغداد صوتها بشكل أكثر حنقا ووضوحا متهمة سورية بانها المسؤولة عن العمليات الارهابية التي تضرب العراق باستمرار. ومن المؤكد ان طنا من المتفجرات في سيارة صهريح ليس عملا فرديا بل يحمل كل بصمات العمل المنظم الكبير. مع هذا لا بد من أخذ الرد السوري في الاعتبار، وهو ان على الحكومة العراقية ان تسوق الدليل قبل ان تكيل التهم. فاين الدليل على انها سورية، او من خلال حدودها مر آلاف الارهابيين؟
لا يعقل انه لا يوجد بحوزة الجهات العراقية الرسمية، او الاميركية، الأدلة الدامغة على تورط حكومي او تنظيمات مرتبطة بحكومات في المنطقة. بعد اكثر من سنتين من العمليات الانتحارية التي اودت بحياة نحو ربع مليون انسان، استخدمت فيها آلاف السيارات، وقاتل وراءها اكثر من خمسة الاف مقاتل اجنبي حاربوا داخل العراق باعتراف كل الاطراف المتقاتلة، بعد هذا كله لا توجد أدلة دامغة او اعترافات موثقة من قبل المتهمين تشير الى الجهات المتورطة.
ومن المؤكد ان جبال المتفجرات والذخائر، وجيوش الارهابيين، والخبرات المتخصصة في تدبير القتل الجماعي، ولأكثر من عامين بلا انقطاع كلها اعمال منظمة او مدعومة من قبل اجهزة حكومية، لأنه يستحيل ان تحدث ذاتيا او بتدبير ثلة غاضبة من السكان. فالقاعدة، التنظيم الارهابي المتميز بالخبرة والقدرة على التجنيد، عجز إلا من بضع عمليات في كل بلد استهدفه وبالتالي يستحيل ان يعمل لوحده في العراق بهذا الكم والنوعية، وكذلك البعثيون المعارضون للحكومة، وفرق الموت، وغيرها.
ولو ان الحكومة العراقية قدمت ادلتها المقنعة فان ذلك سيؤسس لقضية دولية حقيقية وسيكون موقفها مبررا شعبيا وفي المحافل القضائية، انما بدون إثبات التهم تبقى القضية مجرد استنتاجات وحسب. فمن المعروف ان ايران تريد استهداف الوجود الاميركي وارغامه على الهروب وافشال وجوده العسكري والمدني على الأرض، لكن الوصول الى القوات الاميركية المتحصنة صعب، ويبقى الهدف الآخر هو احداث الفوضى في كل مكان مفتوح في العراق من اسواق الخضار الى اسواق العمال. لسورية، هي الآخرى، مصلحة في تخريب الوضع في العراق، وكل القصص تشير الى ان آلاف الارهابيين عبروا من خلال حدودها، وهو أمر لم تنفه دمشق البتة بل قالت ان ضبط حدودها البالغة خمسمائة كيلومترا امر شبه مستحيل، وان الولايات المتحدة نفسها فشلت في حماية حدودها من المتسللين بينها وبين دولة المكسيك، فكيف تطالب سورية وهي الأضعف على حماية الحدود.
ومع انها حجة سليمة باستثناء ان المتسللين المكسيكيين طلاب عمل لا ارهابيون، مع هذا فان كل من يعمل في السياسة يظن، بدون دليل دامغ بعد، على ان سورية وايران مسؤولتان مسؤولية شبه كاملة عن التفجيرات الضخمة في العراق.
وبكل أسف يستمر نهر الدماء في العراق، وسط لعبة سياسية قذرة استخدمت المواطنين الابرياء، فجلهم عمال واطفال ونساء، كل ذلك في سبيل تحقيق انتصارات او منع أخرى.
التعليقات