الخميس 8 فبراير 2007

د. عادل الصفتي

في زيارتها الأخيرة للشرق الأوسط، استخدمت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس اصطلاحات quot;كيسنجريةquot; للزعم بأن الحرب ضد quot;حزب اللهquot; في لبنان، وحرب العراق قد خلقتا وضعاً جيوسياسياً فريداً، جعل السلام في فلسطين أمراً ممكناً.

ولكن الأمر الذي أثار استياء الفلسطينيين هو أنها لم تُحضِر معها سوى quot;خريطة الطريقquot; التي تتسم بالتحيز، وتجافي الحق، والتي فقدت مصداقيتها الآن. فتلك الخطة التي ترعاها الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، تنص على ضرورة التزام إسرائيل بإيقاف جميع الأنشطة الاستيطانية في المناطق الفلسطينية المحتلة.

وعلى رغم ذلك فإن القادة الإسرائيليين فعلوا العكس من ذلك تماماً، حيث قاموا بمضاعفة تلك الأنشطة من خلال توسيع المستوطنات القائمة، ومصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية من أجل بناء الجدار الفاصل، وهما إجراءان حكمت محكمة العدل الدولية في يوليو 2004 بأنهما يمثلان انتهاكاً للقانون الدولي..

وقبل أن تصل رايس إلى إسرائيل بعدة أيام أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن إنشاء مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة.

وكان رد فعل واشنطن -كالمعتاد- هو مجرد ربتة عتاب على منكب إسرائيل، وإن كانت قد استخدمت في تلك المرة نبرة قوية غير معتادة مثل: quot;إن بناء مستوطنة جديدة أو توسيع أي من المستوطنات القائمة يمثل إخلالاً من جانب إسرائيل بالتزاماتها بموجب خريطة الطريقquot;.

إن البعض منا قد يرى أنه لو كانت رايس مهتمة حقاً -كما يشير تصريح إدارتها أعلاه- بإحياء quot;خريطة الطريقquot; التي أوشكت على الاحتضار، فإن المفترض كان هو أن تحتل الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة لتلك الخريطة مكاناً بارزاً في المباحثات التي أجرتها مع القادة الإسرائيليين. وربما قال المرء منا لنفسه إنه لو كانت رايس مهتمة حقاً بتعزيز وضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يواجه صعوبات عدة، لكانت قد حثت القادة الإسرائيليين على رد أموال السلطة التي قامت تل أبيب بمصادرتها، ولكانت قد أفرجت كذلك على أعضاء المجلس التشريعي الذين حبستهم دون سند من القانون.

كان هذا هو المفترض أن يحدث، ولكن الذي حدث بدلاً من ذلك هو أن رايس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، تفضلا بتكرار نفس الأكليشيهات عن ضرورة التزام الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال بالشروط التي تفرضها عليه قوة الاحتلال واعترافه بها، والتخلي عن خيار العنف، والقبول بالاتفاقيات الموقعة سابقاً.

ربما كان يتعين على الرئيس الفلسطيني أن يقوم بتوعية رايس المشهورة بمحدودية معرفتها بأوضاع الشرق الأوسط حول بعض الأشياء وذلك من خلال تسليمها مثلاً نسخة من التقرير السنوي الذي أصدرته منظمة quot;بيت سيلمquot; الإسرائيلية العاملة في مجال حقوق الإنسان، والذي يبين بالأرقام الخسائر البشرية الفلسطينية في الأرواح وفي الممتلكات، والتي لا تقارن بتلك التي لحقت بإسرائيل.

وباعتبارها من الشخصيات التي تثني بشكل مستمر على الديمقراطية الإسرائيلية، فإن quot;أبو مازنquot; لو كان قد قام بتوعيتها لكانت قد عرفت أن إسرائيل تحتجز 9000 أسير فلسطيني بما فيهم 345 طفلاً، وأن من بين هذا العدد هناك 738 تم القبض عليهم بدون محاكمة، ودون أن يعرفوا التهم الموجهة إليهم.

ولعلها كانت قد عرفت أيضاً أن الرئيس الأسبق جيمي كارتر لم يستخدم كلمة quot;الفصل العنصريquot; عبثاً في كتابه الموسوم: quot;فلسطين: السلام وليس الفصل العنصريquot;، والذي تعرض بسببه للانتقاد من بعض أروقة واشنطن واللوبي الإسرائيلي.

إن رايس لو كانت قد كلفت نفسها بمعرفة أي حقيقة من تلك الحقائق فلربما كانت قد أدركت الحاجة إلى تعريف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بقدر أكبر من العدل والإنصاف والأمانة الفكرية. ولربما كانت قد تمكنت أيضاً من إدراك المغالطة المنطقية التي تقوم عليها استراتيجية إسرائيل في مصادرة الأراضي من الفلسطينيين، وتجريدهم من ملكياتهم، وتشتيتهم، والتمزيق المنهجي لمجتمعهم، مع عدم التورع في ذات الوقت عن توجيه اللوم للضحية واعتبارها مسؤولة عن غياب السلام.