الجمعة 23 فبراير 2007
د. حسن مدن
أطلعني صديق على دراسة بعنوان: ldquo;استراتيجية الجوعrdquo;. وبدا لي العنوان غريبا أو باعثا على الفضول. هل يمكن أن تكون للجوع استراتيجية؟ لكن الدراسة لا تدع لهذا السؤال مكاناً، حين يصدرها واضعها ببند من لائحة حقوق الإنسان يقول:rdquo;انه لكل شخص الحق في مستوى معيشي كاف لضمان صحته والعيش الكريم له ولعائلته، وخاصة في ما يتعلق بالتغذية والملبس والمسكن والرعاية الصحية، وكذلك الخدمات الاجتماعية الأساسيةrdquo;، ليخلص إلى أن قسماً مهماً من البشرية محروم من هذه الحقوق.
لكن الأمور ليست هنا، إنما في تلك الأرقام المفزعة التي يقدمها الكاتب، فهي أرقام يقشعر منها البدن، فحسب الدراسة فان الثلاثة أشخاص الأكثر غنى في العالم يملكون ثروة تفوق مجموع الناتج الداخلي الخام للدول الثماني والأربعين التي تعد الأكثر فقرا في العالم، والتي تشكل ربع هذا العالم!
أكثر من ذلك يضع الكاتب يده على الجرح المؤلم، حين يكشف أن الليبرالية الجديدة، التي أعلنت خلال العقدين المنصرمين انتصارها، وتباهت بما حققته من ldquo;انتعاشrdquo; اقتصادي، متبجحة بأنها من أسقط النظم الشمولية في العالم، هي نفسها، أي هذه الليبرالية، من جلب الخراب لملايين البشر في أرجاء المعمورة، والكاتب هنا أيضا لا يقوم بالتنظير، إنما يعطي الأرقام الجارحة كحد السكين، ذلك انه إذا كان ال 20% من سكان العالم الذين يعيشون في البلدان الأكثر غنى لهم دخل يفوق بثلاثين مرة دخل ال20% الأكثر فقرا عام ،1962 فان هذه الهوة قد اتسعت لتصبح في نهاية التسعينات اثنتين وثمانين مرة، والأرقام تترى، فدخل الفرد في أكثر من سبعين دولة من دول العالم هو دون ما كان عليه قبل عشرين سنة، وفي العالم قرابة ثلاثة مليارات من البشر أي نصف البشرية بالتمام والكمال، أو بالتقريب إن شئنا، يعيشون بدخل يقل عن دولار واحد في اليوم .
يحدث كل هذا في الوقت الذي وصلت فيه وفرة السلع إلى مستويات لا سابق لها، والحبوب الغذائية لم تتوفر أبدا كما الحال الآن. المشكلة تكمن في التوزيع غير العادل للثروات الذي من جرائه يموت كل سنة ثلاثون مليون شخص بسبب الجوع، ويعاني ثمانمائة مليون آخرين من سوء تغذية دائم، ومن مجموع أربعة مليارات ونصف مليار نسمة هم سكان الدول النامية، فان قرابة الثلث لا يشربون مياهاً صالحة للشرب، وان أكثر من مليار شخص، يعانون من سوء التغذية.
يقول الكاتب انه يكفي اقتطاع أقل من 4% من الثروة المتراكمة لما لا يزيد على 225 رجلا فقط هم أثرى أثرياء العالم، للوصول إلى تلبية حاجات كل العالم في الصحة والتعليم والغذاء، والتي لا تزيد كلفتها على ثلاثة عشر مليار دولار، أي بالكاد ما يصرفه سكان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سنويا على شراء العطور.
التعليقات