الجمعة 2 مارس 2007

تيك كيراسوت - نيويورك تايمز

في خضم النقاش الدائر حالياً داخل الولايات المتحدة حول الطريقة الأمثل للحد من الهجرة غير الشرعية من المكسيك إلى الأراضي الأميركية وانقسام الآراء بين تسيير الدوريات المسلحة على الحدود، أو إقامة نظام للمراقبة الإلكترونية، وبين فرض عقوبات على المخالفين، أو بناء جدار يمتد على مسافة 700 ميل ويرتفع بنحو 15 قدماً، من الغريب أنه لم يبدِ سوى عدد قليل من السياسيين انزعاجهم من التأثير السلبي الذي سيلحقه الخيار الأخير على الحياة البرية. فبعدما أجاز الكونجرس الأميركي بناء الجدار بموجب قانون quot;الجدار الآمنquot; لعام 2006 سيخترق السياج، الذي أقيم منه إلى حد الآن 83 ميلاً، المناطق الحدودية الأميركية وسيقسمها إلى نصفين مهدداً إحدى أكثر الأماكن تنوعاً في غطائها البيئي الواقعة على الجانب الغربي من الكرة الأرضية. ففي هذه المناطق الشاسعة من الصحاري الممتدة والحافلة بشتى الأنواع النباتية المختلفة من شجيرات صبار شوكية وغيرها تكثر الطيور المهاجرة، التي تتخذ من المنطقة الحدودية موطنها المفضل عابرة الحدود الأميركية- المكسيكية جيئة وذهاباً دون أن يزعجها أحد.
وفي هذه المنطقة أيضاً تجد الحيوانات المهددة بالانقراض مثل النمر الأميركي والذئب الرمادي فرصة مناسبة للعودة إلى أراضيها الأصلية التي استؤصلت منها في بداية القرن الماضي. وبالطبع لا يمكن حصر عدد الحيوانات النادرة والساحرة التي تعيش في المنطقة الحدودية مثل الأيل، وquot;النمر المرقطquot;، والغزال، فضلاً عن المئات من أنواع الطيور والحشرات الفريدة. وإذا ما استمر العمل في بناء الجدار الحدودي، فإنه سيقطع الطريق أمام الحيوانات التي تعيش في تلك الصحاري، سواء الثدييات الكبيرة، أم الصغيرة، فضلاً عن الزواحف، وسيحول دون تنقلها الطبيعي عبر الحدود. هذا وستؤدي المصابيح الكهربائية التي ستثبت على الجدار إلى اجتذاب عدد كبير من الحشرات، بحيث ستصبح فريسة سهلة للطيور المحلّقة، ما سيؤثر سلباً على باقي الغطاء النباتي الذي يعتمد على تلك الحشرات في الحصول على اللقاح.
ولأن وزير الأمن الداخلي يستطيع إلغاء جميع القوانين الموجودة التي قد تقف أمام استكمال بناء الجدار الحدودي مثل quot;قانون الأنواع الحيوانية المهددةquot;، تصبح الحياة البرية في وضعية خطيرة مهددة بالتدمير على نحو غير مسبوق منذ الستينيات من القرن المنصرم عندما خُرقت قوانين حماية البيئة لأول مرة. وبالطبع يرى المدافعون عن إقامة الجدار أن مسألة بنائه تتجاوز اعتبارات الحفاظ على الحياة البرية ما دام الأمر يتعلق بحماية الأمن القومي الأميركي ومعالجة مشكلة الهجرة التي باتت تؤرق السياسيين بسبب الضغط الشعبي وموقفه المتخوف من تدفق الأجانب إلى التراب الأميركي. غير أن هذا المنطق ينطوي على مغالطة كبيرة، ذلك أن الازدهار الاقتصادي للسكان الذين يعيشون في الولايات الحدودية بات معتمداً في جزء كبير منه على الازدهار البيئي في المحيط القريب منهم. والواقع أن الدراسات التي أجرتها جامعتا quot;مونتاناquot; وquot;كولورادوquot; أظهرت أن المشاهد الطبيعية في المنطقة والبيئة الصحية تساهم ليس فقط في اجتذاب عدد أكبر من السياح إلى تلك الولايات، بل تساهم أيضاً في قدوم مقيمين جدد، وشركات مستعدة لضخ الدولارات في الاقتصاد المحلي.
وليست فقط الأجواء المشمسة وحدها التي جعلت الولايات الجنوبية الغربية من أسرع المناطق الأميركية نمواً من الناحية الاقتصادية، بل أيضاً المتعة التي توفرها الطبيعة الخلابة التي تميز المنطقة بما تزخر به من حياة برية متنوعة. هذه المتع التي تستقطب المزيد من الزوار إلى المنطقة وتساهم في انتعاشها الاقتصادي ستتقلص، ومعها ستختفي تدريجياً فرص مشاهدة الحياة البرية في المحميات الوطنية والحيوانات النادرة في المناطق الحدودية بسبب إقامة الجدار الحدودي. وسيلحق الضرر أكثر بالجزء الشمالي من الحدود، حيث تمتد أراضي الولايات المتحدة التي تعتبر مرتعاً خصباً لأنواع مختلفة من الغطاء البيئي، فضلاً عن وجود العديد من الحيوانات في المنطقة. ومع الأسف لن تتمكن هذه الحيوانات من استئناف طريق الهجرة الذي تسلكه سنوياً بسبب الجدار الحدودي المعيق لحركتها.
وبالنظر إلى التجارب العالمية الأخرى في مجال بناء جدران حدودية، يتبين لنا بوضوح الخطر الذي تطرحه فكرة إقامة الجدار على الحياة البرية في مناطق الحدود الأميركية- المكسيكية. ففي بتسوانا على سبيل المثال أقامت الحكومة سلسلة من الجدران ابتداء من سنوات الخمسينيات لفصل الحياة البرية عن الماشية التي يربيها المزارعون، والنتيجة أن أكثر من 250 ألفاً من البقر الوحشي الذي يجوب سهول أفريقيا الشاسعة نفقت بين 1970 و1984 بعدما عجزت عن الوصول إلى أماكن المياه. وفي آسيا تم التضييق على هجرة الغزلان السنوية بسبب الجدار الذي بنته الحكومة الصينية على امتداد حدودها مع منغوليا في التسعينيات. أما في أستراليا فقد أدى الجدار الذي شيدته الحكومة بضغط من المزارعين لحماية ماشيتهم من حيوان الكلب البري الأسترالي إلى تكاثر حيوان الكنغر الذي يشكل الفريسة الطبيعية للكلب البري، وهي النتيجة التي لم يكن يتوقعها المزارعون الذين باتوا يعانون من تكاثر الكنغر وإلحاقه الضرر بمحصولهم الزراعي.
ومع الأسف يعتبر الجدار الذي تعتزم الحكومة الأميركية إقامته على الحدود مع المكسيك، والموجه للحد من عبور المهاجرين غير الشرعيين سداً منيعاً يحول دون هجرة الحيوانات بين البلدين. ويبقى الأمل الوحيد لمنع حدوث تلك الكارثة البيئية هو وقوف بعض النواب في الكونجرس الأميركي ضد تخصيص اعتمادات مالية لاستكمال بناء الجدار علَّ ذلك يؤدي إلى وقف المشروع واستعادة الحياة البرية لنشاطها المعتاد.


كاتب أميركي متخصص في الحياة البرية.