مشاري الذايدي

لا عاصم اليوم من ضربة أمريكية لإيران. يبدو أن اللحظات الصعبة مقبلة قريبا على مياه الخليج وصحاريه. كلام الحرب ومنطق الحرب ولغة الحرب هو ما نحاط به كل يوم، وكرة النار، لا الثلج، تتكوم وتتدحرج على بلاد فارس laquo;النوويةraquo;، وكلام الحرب يقود إلى الحرب، كما قال الشاعر العربي ذات تأمل:

وإن النار بالعودين تذكى..

وإن الحرب مبدؤها كلام !

هل من مانع يصد هبوب العاصفة الساخنة؟ إلى الآن لا يبدو ذلك في الأفق، رغم تكثف الجهود، ورغم تخوف الجميع، هل قلت الجميع ؟! ربما الكثير، ورغم تحذيرات المفتش الدولي السابق في العراق، هانز بليكس، من خطورة القيام بضربة لإيران، لا سيما ضد منشآتها النووية، وهو الأمر الذي أشار إليه تقرير laquo;بارنابيraquo; وقال إن أي هجوم على تلك المنشآت سيزيد من التأييد لسلطات البلاد. وقال بارنابي إن قصف أهداف مثل مفاعل (بوشهر) النووي laquo;سيكون عملا إجراميا تماما.. سيكون بين أيدينا تشرنوبيل أخرىraquo; حسب تقرير مجموعة أوكسفورد للأبحاث الذي كتبه الخبير النووي الدولي الدكتور فرانك بارنابي (نشر في موقع إيلاف).

إيران تراهن على الوقت، وتريد كسب المزيد منه من اجل إيصال الأمور إلى حافة الهاوية، ومن ثم التفاوض على ما تريد، وما تريده إيران، في الجوهر، ليس الحق في امتلاك النووي، هذا مجرد غطاء أو تجسيد رمزي لما هو أهم وأعمق: إيران تريد نفوذا كبيرا لها في المنطقة، وأن لا تقزمها امريكا أو تحد من طموحاتها، وبهذا الاعتبار فما النووي إلا laquo;شاخصraquo; يشير إلى جوهر المشكلة المتلخص في هذا السؤال: من هو سيد الشرق الأوسط ؟!

لو كان الأمر مجرد خلاف على امتلاك النووي من عدمه لأصبحت المشكلة قابلة للحل، أو التفاوض، ومنح إيران جائزة نظير تجاوبها في الامتناع عن الدخول النادي النووي، فها هي كوريا الشمالية، جارة إيران في حارة laquo;محور الشرraquo; الشهيرة، لانت وقبضت الثمن وستفكك منشآتها النووية، بعد مفاوضات مضنية مع أمريكا وروسيا، وغيرهما من الدول الكبرى.

إذن، فموضوع النووي قابل للتفاوض، والتنازل، ولكن ماذا عن التفاوض على دور مجال القوة ومزرعة النفوذ؟! هذه منْ يحلها، وكيف؟!

الاعتقاد هو أن إيران تبالغ في الحديث عن قدراتها النووية، عن عمد، وتصريحات الصقر احمدي نجاد الملتهبة حول امريكا وإسرائيل، وهي تصريحات laquo;شعبويةraquo; بامتياز، هي أمر مقصود، وليست بسبب حماسة نجاد الشخصية، فهي تصريحات ومواقف توصل رسالة للعالم، ولأمريكا على وجه الخصوص، بأن إيران laquo;قطار بلا فراملraquo; كما قال نجاد، أي أنها خطر حقيقي، ما لم يستمع إليها ويصغى لطلباتها، وهي طلبات تنحصر في غض الطرف عن الدور الإيراني.

كما اشرنا في البداية، هناك جهود من اجل إطفاء الحريق، وإيران لاعب ذكي، ونجاد أيضا جزء من هذه اللعبة الذكية، فهو في طهران يتحدث عن القطار الإيراني الذي بلا فرامل، وعن الشيطان الأكبر والأصغر، وكل الشياطين، ولكنه يأتي إلى الرياض، ويجتمع مع الملك عبد الله، ومن المؤكد انه لم يأت من اجل تكرار هذه الخطب، بل من اجل أن يسمع كلاما آخر، ويقول كلاما آخر. إيران ليست مثل سوريا التي تطلق فقط خطابات ثورية، وتصك مصطلحات جديدة على سوق الهجاء السياسي مثل laquo;أنصاف الرجالraquo;، ولا تفعل شيئا في الطرف الآخر من اجل أن laquo;تجرح وتداويraquo; على عكس حليفتها الذكية إيران.

احمدي نجاد جاء إلى الرياض، واجتمع بالملك عبد الله، والآمال المعقودة على هذه القمة الثنائية بين أهم لاعبين إقليميين: السعودية وإيران، هي آمال كبار، وكثيرون ترقبوا انفراجا ما، كل في ساحته، بل إن نبيه بري عجل، كعادته، بتوزيع الحلوى، والتبشير بانتهاء الأزمة اللبنانية اليوم أو غدا، عقب هذه الزيارة، وترقب كثيرون في العراق نتائج هذا اللقاء بين القطبين الأكبرين، وأهم من ذلك، هو ما ستسفر عنه الأحاديث الإيرانية السعودية بخصوص عاصفة الحرب المقبلة، كلها قضايا مزعجة وكبيرة، لذا قد تبدو المشكلة اللبنانية هي الأسهل، رغم الضجيج الكبير، بالقياس الى المشكلة العراقية او مشكلة الحرب مع إيران، خصوصا أن إيران، من خلال حزبها، حزب الله، إنما تصرف من رصيدها لحساب سوريا التي تحارب المحكمة الدولية، لب المشكلة في لبنان. من هنا فقد كان لافتا قول الرئيس الإيراني احمدي نجاد بعد اجتماعه بالملك عبد الله: laquo;إن بلاده تتابع وتؤازر الجهود الخيرة التي تبذلها السعودية لتهدئة الأوضاع في لبنان ووضع نهاية لأزمته السياسيةraquo;.

الزيارة لم تفصح عن نتائجها بشكل كامل حتى هذه اللحظة، وان كان لافتا جدا تأييد احمدي نجاد لمشروع السلام العربي، ولكن الخطاب السياسي الإيراني نكص سريعا، ومارس لعبته في قول الشيء ونقيضه، أو ما يقارب نقيضه، ففي الرياض نقلت وكالة الأنباء الرسمية السعودية تأييد نجاد لمشروع مبادرة السلام العربية، التي أطلقها الملك عبد الله في قمة بيروت، وهو موقف يعني أن إيران تخلت عن خطابها الثوري المعتاد إزاء الموضوع الفلسطيني، ولكن، وما أن هبط الصقر نجاد في طهران حتى خاطب المكان والزمان اللذين يعرفهما، ومن هناك نفى مسؤول إيراني ما أعلن عن أن الرئيس الإيراني دعم خلال زيارته الى الرياض المبادرة العربية لتسوية النزاع في الشرق الأوسط التي تنص على تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

لن نتفاءل كثيرا في نزع فتائل التفجير بالمنطقة كلها، ولكن أكثر ما أثار البهجة في حديث الزيارة، هو تجاوز السياسة والالتفات إلى مسألة حضارية وأخلاقية مهمة جدا، ألا وهي مسألة الهوية الإنسانية، واستبعاد الدين والخلاف المذهبي عن حلبة الصراع السياسي. نعم، للسعودية مصالحها، ولإيران مطامحها، وهناك في بعض المواضع تضارب مصالح، واختلاف، هذا ليس سرا، ولكن يجب أن يتم تجريم الطائفية السياسية، ذلك المرض الذي يصيب العقل والثقافة بطاعون التعصب المقيت.

من أجل ذلك فإن الإشارة التي تضمنها حديث الملك عبد الله والرئيس نجاد، كما نقلته laquo;واسraquo; حول الطائفية، هي إشارة يجب أن تظل مضاءة دوما، حتى لا تصدم مركبات المجتمعات ببعضها، وتنزف من شرايينها دماء الحياة والعقل!

الزعيمان أكدا أن الخطر الأكبر، الذي يتهدد الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر، هو laquo;محاولة إذكاء نار الفتنة بين المسلمين سنة وشيعةraquo;. هذا شيء جميل وراق، ويجب أن لا يُنسى ويستهان به في حمأة السخونة السياسية.

هذا يجعلنا نتمنى، ونحلم، ونقول: يا ليت أن يتم اتخاذ موقف موحد وقانوني إزاء من يثير الحزازات الطائفية والدينية، لماذا لا يتم laquo;تجريمraquo; هذا العمل، والمحاسبة عليه قانونيا ؟! من متعصبي الشيعة والسنة ؟!

في ظني، أن هذه الإشارة كانت هي الأهم في الحوار، أما الصراع أو الخلاف بين ايران laquo;النجاديةraquo; وغيرها من الدول، فهو خلاف باق، وهناك أطراف أخرى فيه، ولن يزول حتى تزول مسبباته الخفية غير المعلنة، وحتى حلول هذا اليوم (وربما لا يحل!) فإن هناك ما يجب الحفاظ عليه، وهو الهواء الإنساني النقي من غبار التعصب وجراثيم الطائفية... فذاك أبقى وأنقى...