أحمد عبد المعطي حجازي

هل نحن محتاجون حقا لإجراء تعديلات في الدستور؟ والسؤال بعبارة أخريrlm;:rlm; هل نحن محتاجون أصلا لدستور؟

والدستور كلمة فارسية كانت تحمل في الأصل معني المذكرة أو اللائحةrlm;.rlm; ثم أصبحت تدل علي القانونrlm;.rlm; وقد أخذناها بمعناها الاخير لنترجم بها الاسم الذي يطلق علي الدستور في اللغات الأوروبيةrlm;,rlm; وهو الأصول والمبادئ والقواعد التي تنظم بها الأمة حياتها السياسيةrlm;,rlm; وتلتزمها في سن قوانينهاrlm;,rlm; وتحتكم لها هي ومن تختارهم لممارسة السلطات التي تكفل لها الحرية والأمن والعدالةrlm;,rlm; فالدستور عقد أو ميثاق يحدد علاقة الفرد بالجماعة والحاكم بالمحكومينrlm;,rlm; من هنا ترجم الطهطاوي كلمةrlm;Lacharterlm; التي كان الفرنسيون يطلقونها علي دستورهم بكلمة الشرطة تأنيثا لكلمة الشرط الذي يلتزم به الاطراف المتعاقدون في أي اتفاقrlm;,rlm; وقد استفاد الطهطاوي في هذه الترجمة من نطق الكلمة الفرنسيةrlm;,rlm; ومن نظرية جان جاك روسو حول العقد الاجتماعي الذي يحدد العلاقة بين المواطنين والدولة التي تمثلهم وترعي مصالحهمrlm;.rlm;

معني هذا ان الدستور لم يكن له وجود في حياتنا ولا في ثقافتنا من قبلrlm;,rlm; وأنه بالنسبة لنا شيء جديد مستعارrlm;.rlm;

لا أقصد أن حياتنا قبل الدستور كانت فوضيrlm;,rlm; فالواقع انها كانت منظمة محكومة لكن بحكومة أخري ونظام اخر يتفقان مع ما كنا عليه في العصور الماضيةrlm;.rlm;

في تلك العصور لم نكن نستطيع ان نختار حكامنا أو نحاسبهم أو نضع بأنفسنا القوانين التي تستجيب لحاجاتنا وتحقق مطالبناrlm;,rlm; لسبب جوهري هو اننا في تلك العصور لم نكن أمة بالمعني الذي نفهمه الان من هذه الكلمةrlm;.rlm;

الأمة بهذا المعني هي الجماعة المترابطة المتحدة من المواطنين الأحرارrlm;.rlm;

ونحن لم نكن في العصور الماضية مواطنين ولم نكن أحراراrlm;,rlm; بل كنا رعايا مستعبدين مسخرين لحكام يزعمون أن الله استخلفهم عليناrlm;,rlm; ومكنهم من رقابناrlm;,rlm; وأعطاهم الحق في ان يستبدوا بكل شيء دونناrlm;,rlm; يعاونهم في ذلك ويروج لهم رجال الدين الذين أخذوا علي عاتقهم أن يزهدونا في الدنيا ويصرفونا عن النظر فيهاrlm;,rlm; لأنها دار الفناء فعلينا ان نعبرها مسرعين لندخل دار البقاء التي لن نحظي فيها بالنعيم المقيم إلا اذا امتثلنا لحكامنا وأطعناهم كما نطيع الله ورسولهrlm;.rlm; وما دام هؤلاء الحكام الطغاة يقبضون علي بعض اللصوص ويقطعون أيديهمrlm;,rlm; وعلي بعض الزناة ويرجمونهمrlm;,rlm; فالشريعة نافذة والعدالة متحققةrlm;,rlm; وليس لنا إلا أن نسمع ونطيعrlm;!rlm;

وفي العصور الماضية كانت المعرفة البشرية محدودةrlm;,rlm; وكان التقدم بطيئاrlm;,rlm; لأنه يتحقق بالتراكم العفوي لا بعلم مجرب ولا بخطة مرسومةrlm;,rlm; فمن الطبيعي ان نجد أنفسنا عاجزين عن فهم ما يحيط بنا مستسلمين للخرافة والطغيانrlm;.rlm;

الخرافة مريحةrlm;,rlm; لأنها تعفينا من اكتشاف العالم والبحث عن تفسير صحيح لما نجهلهrlm;.rlm; والطغيان مريحrlm;,rlm; لانه يعفينا من اختيار طريقنا وتحمل مسئولياتنا والتحكم في مصائرناrlm;,rlm; وهذا هو النظام الذي كان سائدا في العالم كله طوال العصور القديمة والعصور الوسطيrlm;,rlm; ولاتزال آثاره موجودة وذيوله متحركة في بلادنا حتي الانrlm;,rlm; نظام يخلع عليه أنصاره الرجعيون صفة القداسة ويعتبرونه نظاما الهيا لأنهم يخلطون فيه بين الدين الذي ينظم علاقة كل انسان بربهrlm;,rlm; والسياسة التي تنظم علاقة المواطنين بعضهم ببعضrlm;.rlm;

لكن هذا الخلط الذي كان جائزا في العصور الماضية بين الدين والسياسة أو بين الشريعة والقانون لم يعد جائزا في العصور الحديثة التي استطاعت فيها البشرية أن تميز بين حق الله وحق الأمة وتفصل بين الدولة والدينrlm;.rlm;

الدين رسالة إلهية تخاطب الارواح وتنبئ بالغيب وتهدي إلي طريق الخيرrlm;,rlm; أما الدولة فكيان قانوني تنشئه الأمةrlm;,rlm; لتحمي به نفسها وتنظم حياتها وترعي شئونهاrlm;.rlm; وإذا كان الدين عقائد وفرائض ينزل بها الوحي السماوي فالدولة نظم وقوانين ومؤسسات وسلطات تصدر عن الأمة في صورة عقد أو دستورrlm;.rlm;

هكذا نعود الي السؤال الذي طرحناه في البدايةrlm;!rlm;

هل نضجنا كأمة وأصبحنا جماعة من المواطنين الأحرار؟ أم أننا لانزال جماعة من رقيق الأرض المسخرين لخدمة الحكام ومن يعاونونهم من رجال الدين؟

إذا كنا قد أصبحنا أمة بالمعني الحقيقي لهذه الكلمة فلابد لنا من دستور نضعه بأنفسناrlm;,rlm; ويتفق مع كوننا مواطنين أحرارا متساوينrlm;.rlm;

والمواطنة هي الرابطة التي يجب ان نرجع اليها في صياغة الدستورrlm;,rlm; لأن الدستور هو القانون الذي ننظم به حياتنا كجماعة وطنيةrlm;.rlm;

والجماعة الوطنية تختلف فيما بينها قليلا أو كثيراrlm;,rlm; لأنها تعود إلي أعراق مختلفةrlm;,rlm; وتدين بديانات متعددةrlm;,rlm; وتنقسم إلي طبقات وفئاتrlm;,rlm; وتنتمي لأفكار وأحزاب شتيrlm;.rlm; لكنها تتفق وتجتمع في رابطة واحدة هي المواطنةrlm;,rlm; أي الحياة المشتركة في وطن واحد يجب ان ننتمي له جميعاrlm;,rlm; وندافع عنه جميعاrlm;,rlm; ونعمل جميعا من أجل رفعته وتقدمهrlm;,rlm; لأننا حين نعمل له نعمل لأنفسناrlm;,rlm; إذ لانستطيع ان نوجد إلا فيهrlm;.rlm; فهو الشرط الأول لحياتنا المشتركةrlm;,rlm; وإذن فالمواطنة هي الرابطة الوحيدة التي يجب ان نرجع اليها ونضعها نصب أعيننا في صياغة الدستور بحيث لانزاحمها أو نضعفها بأية رابطة أخريrlm;,rlm; لأن الروابط الأخري مهما كانت أهميتها ومهما كانت حيويتها ليست جامعةrlm;.rlm;

وفي فجر الحركة الوطنية كان الانتماء الديني يفرق بين المصريين ويضعفهم في مواجهة المحتلين الانجليزrlm;.rlm; عندئذ ارتفع الشعار الذي فجر ثورةrlm;1919rlm; المجيدةrlm;,rlm; ووحد المصريينrlm;,rlm; ومكنهم من الحصول علي استقلالهم وهو الدين لله والوطن للجميعrlm;!rlm;

حاجتنا للدستور إذن مشروطة بأن نكون مواطنين فإذا كنا لانزال رعايا مستعبدين مستسلمين للخرافة والطغيانrlm;,rlm; فالدستور بالنسبة لنا بضاعة أجنبية لانحتاج اليهاrlm;,rlm; سواء كان معدلا أو غير معدلrlm;.rlm;

والطريق في هذه الحالة مفتوح لاغتصاب السلطة وإفساد الدنيا وإفساد الدينrlm;!rlm;