الثلاثاء 20 مارس 2007
صلاح راضي
تناولنا في مقال سابق وربما بإيجاز شديد بعضاً من المخاطر التي يمكن أن تحيق بالوطن في حالة الاقدام علي خصخصة الصحف.. وما قد تتعرض له تلك المؤسسات الإعلامية من سيطرة رأس المال خصوصاً مع ما تشهده مصر والمنطقة العربية من سيولة ومياه جارية لم تتحدد مآربها بعد وما تمليه أجندة رأس المال من مصالح وارتباطات لا تضع بالضرورة في اعتبارها مصلحة الوطن إنما ما يعنيها هو توجيه قاطرة الإعلام للترويج لأفكار وربما أيديولوجيات تخدم أهدافاً لا يمكن التنبؤ بها بسهولة مع عدم القدرة علي تحديد مصادر وهوية تلك الأموال التي يمكن أن تدفع في شراء الصحف مع ما يشهده العالم اليوم من حركة أموال بوسائل الكترونية شديدة التعقيد. وقد انتهينا إلي أهمية التوصل إلي صيغة أو آليه تكفل للصحف القومية استغلالاً في ميزانيتها وتوجهاتها وطريقة تعيين رؤساء التحرير علي أن تظل الدولة هي مالكة لرأس المال.
واتصالاً بذات الموضوع نشير إلي أن الصحف القومية ربما تعاني مثل غيرها من المؤسسات العامة من قصور في الاعتمادات المالية التي يمكن مع توفرها الارتقاء بالامكانات التكنولوجية للصناعة وتطوير البنية البشرية للصحفيين وخصوصاً الأجيال الجديدة من خلال اتاحة برامج تدريب حديثة واتقان اللغات الأجنبية والتوسع في وسائل الاتصالات وشبكة مراسلين تتوفر لها الأدوات المهنية والبدلات المادية المناسبة لتغذية الصحف بالمواد الإعلامية من مصادرها كل ذلك وغيره يتطلب التمويل اللازم الذي يمكّن إدارة الصحف من الانفاق علي بنود التطوير الذي من شأنه أن يؤكد لمصر ريادتها الحقيقية في مجال الإعلام في ظل المنافسة الشديدة عالمياً وإقليمياً في الحصول علي النصيب الأكبر من سوق القراء والمشاهدين وما يحققه ذلك من أهداف سياسية مهمة تتنازع عليها دول مختلفة وبالتالي تتحمل هي جانباً مهماً من التكلفة. واستطراداً لذلك فإن العمل الإعلامي وفي قلبه الصحافة لا يمكن النظر إليه بصفته مشروعاً تجارياً أو كياناً اقتصادياً يخضع لمنطق الربح والخسارة بالمعني الحرفي كما هو الحال للشركات والمصانع وغيرها لأننا هنا أقصد في مجال الصحافة يصعب وضع معايير مادية لتقييم نتائج الأعمال بمعني ان الربح الحقيقي من العمل الصحفي هو في المقام الأول الحفاظ علي درجة مستهدفة في وعي الناس وتأكيد إحاطتهم بإمكانات الدولة وتوجهاتها وما يحيط بها من مخاطر أو متغيرات وما يتصل بذلك من إجراءات.
وبالتالي تتأكد المشاركة بين الناس وحكومتهم علي أسس من الصدق والشفافية وصدق الخبر.. ومايستلزمه ذلك من تحديد والقاء الضوء علي مواطن الضعف ومطاردة الفساد وتعرية المنحرفين أمام الرأي العام. وفي ذلك تتبني الصحافة قضايا المواطنين والبسطاء بما تطرحه الصحف من تحقيقات وانتقادات تصحح وترشد الكثير من الاجراءات التي من شأنها أن تقوم وتحسّن الأداء بشكل عام.
تلك هي وغيرها من أفكار سياسية واجتماعية مهمة هي عوائد الصحف. فكيف يستطيع أحد أن يحوّل تلك العائدات إلي أرقام ويتحدث عن آلية الربح والخسارة في مؤسسات الصحف؟! أقول ذلك بمناسبة ما يتردد بين حين وآخر علي لسان مسئولين بارزين حول عزم ورغبة الحكومة أن تتحول المؤسسات الصحفية إلي كيانات اقتصادية.. وإذا كانت الدلالة تتوقف عند هذا الحد.. بمعني ان الهدف هو التشغيل الاقتصادي وترشيد النفقات فمن يستطيع أن يمانع أو يعترض علي أهمية اقتصاديات التشغيل ومبادئ الشفافية والمحاسبة وكل ما تقره الأعراف الاقتصادية والمحاسبة التطبيقية لتحقيق أقصي استفادة بأقل التكاليف. ولكن أن تأتي مثل هذه التصريحات في سياق إشارات سابقة عن عزم الحكومة علي خصخصة الصحف القومية.. فهذا هو ما توقفنا عنده في محاولة لتوضيح مفهوم الربح والخسارة في العمل الصحفي وعلاوة علي ذلك أقول ان الكيان الصحفي بأصوله واستثماراته ومردوداته انما يندرج تحت مسمي الأصول الناعمة وبلدنا مصر لم تكن صاحبة ثروة طبيعية مثل غيرها من الدول العربية ولكنها تمتلك وذلك هو الأهم وربما الأبقي ثروة أخري من نوع خاص تكونت من موقعها وعقول أبنائها مكنت لها أن تكون الرائدة في منطقتنا العربية.. فهي ملتقي الفكر وقائدة التنوير وصاحبة التأثير فيمن حولها من شعوب.. تلك الثروة هي القوة الناعمة التي ربما تنفرد بها مصر وتعطيها تلك المكانة التي تعيها جيداً كافة القوي في العالم في كل زمان ومكان وتعرف ان مفتاح الشرق الأوسط هو مصر مهما تعثرت أو واجهت من مشكلات اقتصادية أو غيرها. وقد تكون أهم أدوات تلك القوة الناعمة هي الصحافة.. لذلك يتعين النظر والتدبر من خطورة أن تسود النظرة التجارية الضيقة وتطال الكيان الصحفي.. فنحن مع التطوير واستقلالية الإدارة والذمة المالية والتوجه ولكننا لا نتفق بحال حول أن تنتقل ملكية الصحافة القومية لمن يمتلك المال وقد يفتقد إلي الرسالة والدور طبقاً لما تقدم من إيضاح.
التعليقات