ناصر الصرامي
الإشكالية في البنية العربية تكمن في البحث عن اتفاق تام في وجهات النظر معافتراض حتمية الاتفاق، بحيث أصبح كل شيء متعذراً مع تعذر الاتفاق الكامل. وأصبحالاتفاق التام هو المسيطر على حركاتنا وسكناتنا وهواجسنا، هو القضية، وهو المطلبالشرعي الذي لا تصح من دونه أية فكرة أو حل، لذا تبقى أشياء كثيرة في الجغرافيةالعربية معوقة ومعطلة!
اتفق العرب على ألا يتفقوا، كانت تلك أولى العاهات التي استأجرناها من الضفةالأخرى لنسقطها على كل المواضيع والتفاصيل الصغيرة، حتى على المستوى المحلي. لتصبحالغول الذي يفترس كل المحاولات!
تغنّى بها الكتاب في أعمدتهم، ومفكرو النكسة العربية قبل تقاعدهم وبعده، laquo;اتفقالعرب على ألا يتفقواraquo;، هكذا قدمت لنا بنوع من التقديس القومي على مدار عقود عربيةمهترئة، كمخدر يقتل laquo;بكتيرياraquo; الاختلاف مهما كانت صحية، أو الإيمان بالاختلاف كأصلقد يقود إلى الاتفاق أو شبه الاتفاق.
ما العيب في ألا يتفق العرب؟ أو لماذا يتفقون ـ أحياناً ـ وهم في حاجة للاختلاف؟ قبل أن ترسل كاميرات التصوير صور مؤتمر أو حفلة استقبال، مع عبارة التأكيد الذي يصل لدرجة النفي حول laquo;تطابق وجهات النظرraquo; والاتفاق التام على المواضيع المطروحة على جدول الأعمال كافة. في تغطية خطرة لقيمة الاختلاف في الأفكار وأسلوب الإدارة والمصالح.
لذا لم نتفق ولن نتفق بهذه الآلية في القرار ... وحتى الحوار، هناك غالبية وهناك حق التصويت في الممارسات الديمقراطية، ونحن نبحث بجلد يفقدنا كل طاقاتنا عن إجماع ضروري ومستحيل - في أحيان كثيرة - لأي مشروع عربي صغيراً كان أو صغيراً جداً!
وعلى رغم أن العرب مهما عجزت إمكاناتهم السياسية متفقون على القضايا المصيرية، لكنهم مختلفون في الانفتاح الاقتصادي والثقافي الإعلامي أو متفقون على منعه.
ولا يمكن مقارنة الأنظمة والقوانين الاستثمارية الهادفة إلى جذب رؤوس الأموال الخارجية بين دول الخليج ودول عربية أخرى، على رغم حاجة الأخيرة إلى الانفتاح الاقتصادي بشكل اكبر من دول الخليج الغنية الحديثة، لكن ما يحدث هو العكس، بحيث أصبحت الدول الخليجية متفوقة على الدول العربية الأخرى تنموياً واقتصادياً وسياسياً، وهي تضيف إلى تفوقها انفتاحاً إعلامياً.
لنأخذ مثلاً أهم دافع، الوحدة الاقتصادية، ليس من المجدي أن يلحّ العرب بشكل اكبر على الوحدة الاقتصادية حتى من دون اتفاق كل الدول، في ظل منظومة دول عربية تتفاوت في وضعها الاقتصادي والتنموي، وكذا في رغبتها في الانفتاح على الآخر، إلى الاختلاف المعلن في الإجراءات البيروقراطية والتردد في اتخاذ القرار!....
ولنر ما أصبح يُتعارف عليه بالإصلاح، فقد قيل أن العرب متفقون على إجراء الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي من الداخل، ومن دون ضغط خارجي. حسناً، لكن لم يخبرنا أحد عن برنامج زمني أو حتى كيفية أو شكل البداية. هل حُدد خط البداية في سباق قَفْز أناس مثقلين بهموم الحياة والأحلام التي لا تأتي وإحباطات الواقع؟
لكن ذلك لا يهم كثيراً، الأهم الآن هو في تغيير واقع لا يرى الجانب الاقتصادي بجدية، ولا يعمل على تكريس أهمية الانفتاح فيه، ولا يعمل بإيقاع كاف لربط علاقاته بالعالم من دون استثناء، من أجل خلق تنمية اقتصادية حقيقية تكون قادرة على مواجهة ثقافة التطرف وكبح فعل العنف والحد من ممارسته وقطع شريان تغذية الإرهاب، ومعالجته،إلى واقع جديد، فاعل في تنميته واقتصاده، ومتسامح في مشهديه الثقافي والعام.
وهو ما يمكن معه نبش الصور المزخرفة لحقيقة الواقع العربي وتشوهاته... فقره، وأميته، وضعفه التنموي، وتصاعد حاد لمعدلات البطالة فيه، حتى أصبح اقل التجمعات البشرية على كوكب الأرض في التنمية الإنسانية، بل تجاوز ذلك إلى أن يكون أكثرهاعنفاً ودموية مع الآخر ومع نفسه!
التعليقات