جهاد الخازن
اختصر ما عرضت أمس من آمالي للقمة العربية بالقول: طوبى للذين لا يأملون شيئاً لأن آمالهم لن تخيب. وأكمل اليوم بمعلومات وأفكار بعد ان هاتفت الشيخ عبدالله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، والأخ عبدالإله الخطيب، وزير خارجية الأردن، وأضفت الى ما عندي من معلومات من الأخ عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ومن قراءتي الصحافة الإسرائيلية.
إذا كان لي أن أصف موقف الوزراء العرب بعد جلسة المجموعة الرباعية العربية مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس وعشية عقد القمة فهو انه تفاؤل مشوب بالحذر، فثمة أسباب تشجع على توقع انفراج، وثمة ظروف إقليمية ودولية تعرقل الانفراج.
معلوماتي هو ان حديث المجموعة العربية والدكتورة رايس اقتصر فقط على القضية الفلسطينية، وسمعتْ الوزيرة الأميركية مرة أخرى ان كل قضايا المنطقة معلّقة بمصير هذه القضية التي تبقى الأصل والأساس.
رايس لم تطلب تعديل مبادرة السلام العربية، خصوصاً حق العودة، والوزراء العرب جميعهم ليسوا في وارد تعديل المبادرة، والأمير سعود الفيصل حسم الأمر في مؤتمره الصحافي في الرياض، فأغامر بالقول إن القمة ستثبت المبادرة كما هي، على رغم كل اعتراضات الحكومة الإسرائيلية والضغوط على الجانب الأميركي لدعم موقفها.
الموقف الإسرائيلي في حاجة الى شرح، فالحكومة في أزمة ووضع إيهود اولمرت مهزوز وهو لا يستطيع اتخاذ قرارات، مع ان الوزراء العرب يرون ان سيره في العملية السلمية قد يعزز موقفه الداخلي. ومع عجز أولمرت عن اتخاذ قرارات أو عدم رغبته في ذلك، فإن هناك محاولة تشويش على القمة.
قبل يومين كان العنوان الرئيس في جريدة laquo;يديعوت احرونوتraquo;، وهي الأوسع انتشاراً بين الصحف الإسرائيلية عن laquo;مبادرة جديدة لتنسيق قمة علنية إسرائيلية ndash; سعوديةraquo;، بجهد من مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا مع الوزيرة رايس. غير انني عـــندما قرأت الخبر وجدت أنه يتحدث عن إمكان اجتماع ممثلي المجموعة الرباعية العربية مع مــــسؤولين إسرائيــــليين. واجتماع مسؤولين ليس قمة، وهو حتماً ليس قمة سعودية ndash; إسرائيلية، وهذا إنْ حدث الاجتماع، وكان المعلق السياسي الأميركي البارز توماس فريدمان دعا، في مقال له قبل ذلك بيوم، الملك عبدالله بن عبدالعزيز الى زيارة القدس، كما فعل الرئيس أنور السادات.
أقول إن الملك عبدالله لن يزور القدس، ولن يخطب في الكنيست، غداً أو بعد ألف سنة، وأسجل هذا على نفسي مع انني أفضل دائماً أن أتحدث، أو أكتب، كمؤرخ لا كمنجم، إلا انني واثق من معلوماتي، ومن معرفتي الملك عبدالله والسياسة السعودية.
وخارج نطاق كل ما سبق يظل التحايل الإسرائيلي واضحاً في قبول المبادرة العربية بعد رفضها خمس سنوات، ثم ربط ذلك بشرط إلغاء بند عودة اللاجئين، فالحكومة الإسرائيلية تريد إلغاء laquo;شرطraquo; غير موجود في المبادرة التي تتحدث عن تفاوض الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على عودة اللاجئين (وعدم التوطين في البلدان العربية)، أي انها تُخضع الموضوع لمفاوضات واتفاق بين الجانبين ولا تفرض شيئاً، أو تفترض نتيجة.
الموقف الإسرائيلي من المبادرة وعملية السلام كلها يعني ان المبادرة في حاجة الى ترويج، والشيخ عبدالله بن زايد قال لي إن الدكتورة رايس سألت ماذا فعل العرب في السنوات الخمس الأخيرة لتسويق المبادرة، وهل الوزراء العرب مرتاحون للجهود المبذولة في هذا المجال.
الأخ عبدالإله الخطيب اعترف بأن المبادرة لم تلق ما تستحق من الجهد العربي لعرضها والعمل على تنفيذها، حتى ان الدول العربية لم تسجل المبادرة كوثيقة من وثائق الأمم المتحدة، وإنما أوكلت بها لجنة من 11 دولة، أي 11 رأياً.
هناك 22 دولة عربية، وهذا لا يعني ان القمة امام 22 رأياً، وإنما 44 رأياً، فلكل دولة عربية رأيان، معلن وسري، وكان وزير الخارجية الأميركية السابق كولن باول قال يوماً انه يسمع في الجلسات الثنائية المغلقة غير ما يذاع في الخارج.
وزير خارجية الأردن يقول إن من الواضح أن لا دولة عربية، مهما كان موقعها قوة أو ثراء، تستطيع ان تواجه المشاكل العربية وحدها، فالمطلوب هو عمل جماعي حقيقي، والمجموعة الرباعية العربية ليست مغلقة، وإنما هي للعرب كلهم ومفتوحة على الجميع، والشيخ عبدالله أكد ان عمل المجموعة جزء من إطار عمل القمة، ولا يسير بمعزل عنها.
وزيرة الخارجية الأميركية وعدت بأن تظل تعمل حتى آخر يوم لها في الوزارة من اجل حل للدولتين، وأن الرئيس بوش باق على التزامه المعلن ويدعم عملها. والجانب العربي يريد ان يساعد جهد الوزيرة بتقديم أفكار تسهل السير في مفاوضات الوضع النهائي، كما يقول الفلسطينيون، أو الأفق السياسي، كما يقول الإسرائيليون.
في غضون ذلك، تريد الدول العربية في القمة اتخاذ إجراءات عملية لتحسين أوضاع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، برفع الحصار الاقتصادي، وتسهيل الانتقال، ودعم مؤسسات السلطات الوطنية، وغير ذلك من خطوات لبناء الثقة.
ثمة قضايا أخرى أمام القمة لا تقل أهمية عن القضية الفلسطينية، وهي كلها ستكون موضع بحث، والاجتماع الوزاري العربي في القاهرة قرب بداية هذا الشهر أوضح ما تريد المجموعة العربية من خطوات لتعزيز الدولة العراقية، بما في ذلك مراجعة الدستور وبناء مؤسسات على أساس وطني لا طائفي، وحل الميليشيات.
ثم هناك الوضع في لبنان الذي يراوح مكانه، فتتقدم مفاوضات الغالبية والمعارضة يوماً وتتراجع يوماً آخر، والمجموعة العربية ستدعم أي حل يتفق عليه اللبنانيون، ولكن لا تستطيع ان تفرض حلاً. ولعلي أعود إلى هذه القضايا بعد القمة وفي ضوء نتائجها.
التعليقات