حازم صاغية
إذا كانت قيادة جورج بوش أبرز نقاط الضعف في laquo;الحرب على الإرهابraquo;، فإن نقطة الضعف الثانية دور باكستان في الحرب هذه. فقد روى برويز مشرّف في فقرة من سيرته الذاتيّة التي صدرت حديثاً أن ريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجيّة يومها، حذّر باكستان على أثر 11/9: إما أن تتخلّوا عن laquo;طالبانraquo; أو أن تتهيّأوا لقصف يردّكم إلى laquo;العصر الحجريّraquo;.
هكذا اختار برويز مشرّف أن يجعل بلده حصناً متقدّماً في محاربة الإرهاب، وما لبثت أن ظهرت المعادلة القائلة: إدعموا الصديق برويز مشرّف من أجل أن يدعمنا.
لكن ما يتبدّى الآن أن برويز لم يستطع أن يدعمهم، وهم لم يفعلوا إلاّ تقويضه. ذاك أن المهمّة الموكلة إليه تتطلّب درجة رفيعة من الاجماع الوطنيّ حول المبدأ، أي محاربة الارهاب، كما حول السلطة التي ترفع المبدأ هذا.
وهو مستحيل في ذاك البلد لأسباب بنيويّة تتصل بتكوينه وتاريخه: فالولادة الباكستانيّة ارتبطت بعنوانين: الضديّة للهند وانشاء دولة للمسلمين. ولما كانت الضديّة لا تؤسّس بذاتها معنى سياسياً، فإن الدولة الدينيّة تملأ بالدين ما يُفترض أن تملأه الشرعيّة الدستوريّة. وعلى العموم، كان المشروع الباكستاني، وظلّ، مشروعاً فاشلاً، يُستدلّ على فشله في الانقلابات العسكريّة المتلاحقة التي استولت على معظم تاريخ البلد، كما في انشطار بنغلاديش، المسلمة هي أيضاً، عن باكستان، مطالع السبعينات.
وتركيبة كتلك كيف لها أن تتولّى المهمّة التي تنوطها بها الولايات المتّحدة، خصوصاً في ظلّ التواصل الإثنيّ بين باشتون أفغانستان وباشتون باكستان، عبر الحدود الغربيّة للأخيرة، كما في ظلّ الصلات الوطيدة بين أجهزة الأمن الباكستانيّة وحركة laquo;طالبانraquo;.
هنا تحضر laquo;حكمةraquo; جورج بوش لتجعل هذا الكيان البالغ الضعف أصلاً أضعف وأضعف.
فمن خلال الجمع بين laquo;الحرب على الإرهابraquo; والديموقراطيّة، فقد برويز مشرّف دعم الفئات الحديثة، بعدما فقد دعم الحركات الأصولية القويّة تبعاً لوقوفه إلى جانب واشنطن. ومع استيلاء الديموقراطيين على أكثريّة الكونغرس، بات الضغط بالديموقراطيّة على مشرّف رياضة أميركيّة يوميّة.
وفي المناخ هذا انفجرت مشكلة القاضي الأكبر، المعروف باستقلاليّته، افتكار محمد شودري، حين علّق برويز عمله في 9 آذار (مارس) الماضي، متجاوزاً صلاحياته الرئاسيّة، على كثرتها. وكان لتلفزيونات العالم أن نقلت الاشتباك بالأيدي بين المحامين وناشطي المعارضة وبين قوّات الشرطة خارج محاكم إسلام آباد ولاهور وكراتشي.
لكن واشنطن حاصرت برويز مشرّف، كذلك، بالاتّفاق الذي عقده جورج بوش، في آذار 2006، مع القادة الهنود، والذي أتاح لنيودلهي الوصول الى التقنيّة النوويّة المدنيّة للولايات المتّحدة مقابل فتح وسائطها النوويّة للتفتيش.
وما كاد الباكستانيّون يبتلعون هذه الصفعة حتّى كان الخلاف حول اتفاقيّة وزيرستان، الموقّعة العام الماضي بين حكومة مشرّف وقادة القبائل والعشائر في المنطقة الحدوديّة الباكستانيّة - الأفغانيّة. ذاك أن نظريّة إسلام آباد مفادها منح أولئك القادة ما يشبه الحكم الذاتيّ مقابل تصدّيهم لـ laquo;طالبانraquo;. وهو ما ترى الولايات المتّحدة أنه يخلق الظروف الأكثر ملاءمة للتساهل مع laquo;طالبانraquo; و laquo;القاعدةraquo; ولتوسّع نفوذهما هناك. وثمة أكثر من دليل فعليّ على التواطؤ مع الحركتين الإرهابيّتين، والذي يتعدّى نظام برويز مشرّف وأجهزته إلى التكوينات الأهليّة والقرابيّة في البلاد.
في وضع شديد التفاوت كهذا يستحيل الخروج باقتراحات مفيدة. فأما الخطأ في تبادل الدعم بين الأصدقاء فواضح، يكاد يكون، على رغم نتائجه المأسويّة، هزليّاً. وأما الصواب والعلاجات فمسألة أخرى.
التعليقات